(صفحه100)
وقال العلاّمة المامقاني: إنّ الذي يروي عن القاشاني ـ بالمعجمة ـ هو محمّدبن الحسن الصفّار، والذي يروي عن القاساني ـ بالمهملة ـ هو محمّد بن أحمدبن يحيى والحسن بن محمّد وإبراهيم بن هاشم وأحمد بن أبي عبداللّه وسهلبن زياد.
والذي يروي في هذه الرواية عن عليّ بن محمّد هو محمّد بن الحسنالصفّار، فهو عليّ بن محمّد القاشاني ـ بالمعجمة ـ فالحديث ضعيف سنداً.
كلام الشيخ الأنصاري والمحقّق الخراساني في دلالته
وأمّا دلالته: فقال الشيخ رحمهالله : تفريع تحديد كلّ من الصوم والإفطار علىرؤية هلالي رمضان وشوّال لا يستقيم إلاّ بإرادة عدم جعل اليقين السابقمدخولاً بالشكّ، أي مزاحماً به، والإنصاف أنّ هذه الرواية أظهر ما في هذالباب من أخبار الاستصحاب(1).
وأنكر المحقّق الخراساني رحمهالله أصل دلالتها عليه، فضلاً عن أظهريّتها(2).
وينبغي قبل التحقيق في دلالتها إيضاح يوم الشكّ الذي وقع في السؤال،فأقول:
يحتمل أن يكون مقصود السائل من يوم الشكّ مطلق يوم الشكّ، سواء كانآخر شعبان أو آخر رمضان، ويحتمل أن يكون المراد يوم الشكّ بين شعبانورمضان، أو بين رمضان وشوّال.
لكنّ الاحتمال الأخير بعيد؛ لأنّ يوم الشكّ وإن كان بحسب اللغة قابللانطباقه عليه، إلاّ أنّه في أذهان المتشرّعة ينصرف إلى اليوم الذي شكّ في
ج6
كونه آخر شعبان أو أوّل رمضان، فإرادة خصوص اليوم الذي شكّ في كونهآخر رمضان أو أوّل شوّال بعيد، فلابدّ من القول بإرادة مطلق يوم الشكّ أوبإرادة خصوص ما وقع في أوّل رمضان، بل في السؤال شاهد على إرادةخصوص هذا، وهو قوله: «هل يصام أم لا؟»، فإنّه بمعنى أنّ صوم هذا اليومهل يجب عليَّ أم لا يجب؟ إذ الدوران بين الوجوب وعدمه إنّما يكون في يومالشكّ الذي وقع في أوّل رمضان، وأمّا الذي وقع في آخره فأمره دائر بينالوجوب والحرمة، كما هو واضح.
فالسؤال ظاهر في الاحتمال الثاني، إلاّ أنّ الجواب ورد تفضّلاً عن مطلقيوم الشكّ، سواء كان في أوّل رمضان أو في آخره.
ووجه الاستدلال بها في المقام ظهور قوله عليهالسلام : «اليقين لا يدخله الشكّ» فيأنّ اليقين بشيء لا يزاحمه الشكّ في بقائه، هذه قاعدة كلّيّة تفرّع عليها قوله:«صم للرؤية وأفطر للرؤية» وهو استصحاب عدم دخول رمضان وعدمدخول شوّال إلى زمان الرؤية.
واستشكله المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية بأنّ مراجعة الأخبار الواردة فييوم الشكّ يشرف على القطع بأنّ المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضانوأنّه لابدّ في وجوب الصوم ووجوب الإفطار من اليقين بدخول شهر رمضانوخروجه، وأين هذا من الاستصحاب، فراجع ما عقد في الوسائل لذلك منالباب تجده شاهداً عليه(1)، إنتهى كلامه رحمهالله .
وحاصله: أنّ وجوب الصوم والإفطار علّق في تلك الأخبار على رؤيةالهلال، فيعلم أنّ اليقين بدخول شهر رمضان موضوع لوجوب الصوم واليقينبخروجه موضوع لوجوب الإفطار، وهذا قرينة على أنّ المراد باليقين في
(صفحه102)
الرواية المبحوث عنها أيضاً هو اليقين بدخول شهر رمضان وخروجه، فلفرق بين مدلول هذه الرواية وتلك الروايات.
وعلى هذا فكان قوله: «اليقين لا يدخل فيه الشكّ» بمعنى «لا يدخلالمشكوك فيه في المتيقّن».
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
وأيّده المحقّق النائيني رحمهالله بقوله: الاستدلال بها في المقام يتوقّف على إرادةاليقين بشعبان أو عدم دخول هلال رمضان والشكّ في بقائهما من اليقينوالشكّ المذكورين فيها، وهكذا الأمر بالنسبة إلى الشكّ في دخول شوّالوعدمه حتّى يكون المراد من عدم دخوله الشكّ عدم نقضه به، وهذا خلافظاهرها، لأنّ إرادة النقض من الدخول تحتاج إلى عناية ورعاية، بل الظاهرـ اللّه العالم ـ هو إرادة عدم دخول متعلّق الشكّ في متعلّق اليقين، بمعنى أنّ شهررمضان الذي يجب فيه الصوم، وكذا يوم العيد الذي يجب فيه الإفطار يعتبرفيهما اليقين، ويوم الشكّ الذي هو متعلّق الشكّ لا يدخل في متعلّق اليقين حتّىيثبت له حكمه، ولا يخفى أنّ تفريع قوله عليهالسلام : «صم للرؤية وأفطر للرؤية» علىالاستصحاب وإن كان صحيحاً، إلاّ أنّه على ما ذكرناه أمسّ وأولى، ومع ذلككيف يمكن أن يُقال: إنّها أظهر في المقام من صحاح زرارة التي هي العمدة فيأخبار الباب(1)، إنتهى كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده المحقّق الخراساني والنائيني رحمهماالله في المسألة
أقول: إنّ الأخبار التي أشار إليها صاحب الكفاية ورد كلّها في اليوم
- (1) أجود التقريرات 4: 57.
ج6
المشكوك كونه من شعبان أو من رمضان، وحينئذٍ زيادة قوله: «وأفطرللرؤية» تفريعاً على قوله: «اليقين لا يدخله الشكّ» تكون قرينة على أنّ هذالخبر ليس بهذا الملاك، بل بملاك الاستصحاب.
إن قلت: سلّمنا ورود تلك الأخبار كلّها في اليوم المشكوك كونهمن شعبان أو من رمضان، فتدلّ على كون اليقين بدخول رمضان موضوعلوجوب الصوم، وأمّا كون خروجه موضوعاً لوجوب الإفطار فلا دلالة لهعليه، إلاّ أنّها تنافي جعل قوله عليهالسلام : «صم للرؤية» من مصاديق الاستصحاب،فإنّ قضيّة تلك الأخبار أنّ عدم وجوب الصوم بملاك عدم تحقّق موضوعه،وقضيّة هذا الخبر أنّه بملاك استصحاب عدم دخول شهر رمضان، وبينهممنافاة واضحة.
قلت: لا منافاة بينهما، إذ يمكن أن يكون عدم وجوب الصوم بملاكين قدتعرّض لأحدهما في تلك الأخبار ولآخر في هذا الخبر.
وبالجملة: يوم الشكّ إن كان مردّداً بين كونه آخر شعبان أو أوّل رمضانفلا يجب صومه بملاكين:
أ ـ عدم تحقّق موضوعه.
ب ـ استصحاب عدم دخول شهر رمضان.
وإن كان مردّداً بين كونه آخر رمضان أو أوّل شوّال فلا يجب إفطاره بملاكواحد، وهو استصحاب عدم خروج رمضان.
وأمّا تفسير اليقين من قوله: «اليقين لا يدخل فيه الشكّ» باليوم المتيقّنكونه من رمضان، وتفسير الشكّ منه باليوم المشكوك كونه من رمضانفخلاف ظاهر الرواية.
ولا وجه لقول المحقّق النائيني رحمهالله بغرابة حمل القضيّة على الاستصحاب، لأنّه
(صفحه104)
لا فرق بين النقض والدخول، إذ دخول الشيء في الشيء يوجب رفع هيئتهالاتّصاليّة، كنقضه به، فقوله: «اليقين لا يدخل فيه الشكّ» وقوله: «لا ينقضاليقين بالشكّ» بمعنى واحد، والتعبير مختلف.
والشاهد على هذا إرادة الاستصحاب من قوله عليهالسلام ـ في الصحيحة الثالثةلزرارة ـ : «لا يُدخل الشكّ في اليقين» كما أوضحناه.
فتلخّص من جميع ما ذكرنا ظهور الرواية في الاستصحاب، لكن كونهأظهر ما في الباب ـ كما قال به الشيخ الأعظم ـ ممنوع، لأنّ الصحيحة الاُولىلزرارة المتقدّم ذكرها(1) أظهر منها بلا إشكال.
في دلالة قاعدتي «الحلّيّة» و«الطهارة» على الاستصحاب
ربما يستدلّ على اعتبار الاستصحاب بأدلّة قاعدتي «الحلّيّة» و«الطهارة»كرواية عمّار، عن أبي عبداللّه عليهالسلام ـ في حديث ـ قال: «كلّ شيء نظيف حتّىتعلم أنّه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك»(2).
ورواية حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: «الماء كلّه طاهر حتّى يعلمأنّه قذر»(3).
ورواية مسعدة بن صدقة، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: سمعته يقول: «كلّ شيءهو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك»(4).
القول في مدلول هذه الأحاديث
- (2) وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 4.
- (3) وسائل الشيعة 1: 134، كتاب الطهارة، الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
- (4) وسائل الشيعة 17: 89 ، كتاب التجارة، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.