(صفحه134)
يعتبر في الاستصحاب فعليّة الشكّ واليقين بناءً على أخذهما موضوعوركناً فيه، كما سيأتي التعرّض لذلك، وليس المراد من فعليّتهما تحقّقهما في خزانةالنفس ولو كان الإنسان ذاهلاً عنهما، بل بمعنى الالتفات إلى يقينه السابقوشكّه اللاحق، فحينئذٍ لو كان المكلّف قبل الصلاة شاكّاً في الطهارة مع العلمبالحدث سابقاً وصار ذاهلاً وصلّى، ثمّ بعد صلاته التفت إلى شكّه ويقينه ليكون مجرى للاستصحاب بالنسبة إلى قبل شروعه في الصلاة، للذهول عنالشكّ واليقين(1).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه ملخّصاً.
وكلامه هذا وإن كان حقّاً، إلاّ أنّه لا ينبغي ترك الفرع الأوّل، لأنّه أصل ثمرةالنزاع بين من قال باعتبار فعليّة اليقين والشكّ في جريان الاستصحاب وبينمن قال بعدم اعتبارها فيه، فإنّ الأوّل يقول بعدم جريانه والثاني يقولبجريانه في موارد عدم فعليّتهما، وأمّا الفرع الثاني فذكره الشيخ والمحقّقالخراساني رحمهماالله بعنوان المقايسة بينه وبين الفرع الأوّل، وإلاّ فلا ثمرة فيه أصلاً.
نقد ما ذكر من الفرعين للمسألة
ولكن في كلا الفرعين نظر:
أمّا الأوّل: فلأنّه لا يكون مجرى قاعدة الفراغ، لأنّها مختصّة بما إذا كانالشكّ حائلاً بين المكلّف وبين عمله، كأن يشكّ بعد الفراغ في إتيان الركوع أوالسجدتين، فإنّه جاهل بالإتيان وعدمه، بخلاف المقام الذي لا جهل فيهبالعمل، لأنّ المكلّف يعلم بأنّه كان محدثاً ثمّ صار غافلاً عن حدثه وصلّى، فلحائل بينه وبين عمله، فلا يجري قاعدة الفراغ، بل يجري(2) بعد الصلاة
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 121.
- (2) وتجري هاهنا أيضاً قاعدة الاشتغال التي ذهب الاُستاذ«مدّ ظلّه» إلى استناد بطلان الصلاة إليها في الفرعالثاني كما سيأتي. م ح ـ ى.
ج6
استصحاب كونه محدثاً قبلها(1) من دون أن يكون في البين دليل حاكم عليه أومخصّص له، فيجب عليه الإعادة، وليطلب زيادة التوضيح لذلك في قاعدةالفراغ.
وأمّا الثاني: ففيه أنّ بطلان الصلاة في هذا الفرض مسلّم، لكنّه ليس مستندإلى جريان استصحاب الحدث قبل الصلاة، بل إلى قاعدة الاشتغال.
توضيح ذلك: أنّ الاستصحاب لا يجري هاهنا كي يقتضي البطلان، لأنّهبعد الالتفات وتحقّق الشكّ عرضت له الغفلة ثانياً على الفرض، وبعد عروضالغفلة لا يجري الاستصحاب، لأنّه كما يعتبر في جريانه اليقين والشكّ حدوثكذا يعتبران بقاءً، فما دام شاكّاً يكون محدثاً بالحدث الاستصحابي، وبمجرّدطروّ الغفلة يسقط الاستصحاب، فلا يكون محدثاً بالحدث الاستصحابي،والمفروض أنّه بعد الشكّ غفل ودخل في الصلاة.
فظهر بما ذكرناه ما في الكفاية من تعليل بطلان الصلاة بأنّه دخل فيها محدثبالحدث الاستصحابي، فإنّه لا استصحاب حين الدخول في الصلاة، لانتفاءموضوعه ـ وهو اليقين والشكّ الفعلي ـ بسبب الغفلة.
وكما لا يجري الاستصحاب، كذلك لا تجري قاعدة الفراغ أيضاً،لاختصاصها أوّلاً: بما إذا حدث الشكّ بعد الفراغ ـ كما أشرنا إليه ـ وهذا الشكّالموجود بعد الفراغ كان قبل الصلاة، فإنّ هذا الشكّ متّحد عرفاً مع الشكّالذي كان قبل الصلاة، وإن كان غيره بالدقّة العقليّة، وملاك فهم الأخبار هوالعرف، لا العقل، وثانياً: لاختصاصها ـ كما عرفت آنفاً ـ بما إذا كان الشكّ بعدالعمل حائلاً بين المكلّف وبين عمله، بخلاف المقام الذي لا جهل فيه بالعمل
- (1) «قبلها» متعلّق بـ «استصحاب» لا بـ «محدثاً». م ح ـ ى.
(صفحه136)
أصلاً، لأنّه بعد الفراغ عن الصلاة يعلم بأنّه كان محدثاً عند زوال الظهر مثلاً،ويعلم أيضاً بصيرورته بعد ذلك واجداً لاستصحاب الحدث، ويعلم أيضاً بأنّهصار بعد ذلك غافلاً ودخل في الصلاة من دون أن يتوضّأ، فلا إبهام في عمله.
وبعد عدم جريان قاعدة الفراغ هاهنا يبقى المكلّف شاكّاً في صحّة صلاته،والاشتغال اليقيني بها يستدعي البراءة اليقينيّة، فيجب عليه تحصيل الطهارةوإعادة الصلاة.
وبالجملة: بطلان الصلاة في هذا الفرض لا يستند إلى جريان استصحابالحدث، بل إلى استدعاء الاشتغال اليقيني البراءة اليقينيّة(1).
- (1) ويجري أيضاً هاهنا بعد الفراغ من الصلاة وتبدّل غفلته إلى الالتفات استصحاب الحدث في حالالصلاة، وهو الذي أناط الاُستاذ«مدّ ظلّه» بطلان الصلاة في الفرع الأوّل إليه. م ح ـ ى.
ج6
(صفحه138)
في جريان الاستصحاب فيما يثبت بالأمارات
جريان الاستصحاب فيما يثبت بالأمارات
التنبيه الثاني: إذا علمنا وجداناً بحدوث شيء ثمّ شككنا في بقائهفلا إشكال في جريان الاستصحاب، وأمّا إذا شكّ في بقاء شيء على تقديرحدوثه ولم يحرز حدوثه بالوجدان ـ كما إذا قامت الأمارة على حدوث شيءثمّ شكّ في بقائه على تقدير حدوثه ـ ففي جريان الاستصحاب إشكال،لعدم اليقين بالحدوث، وهو واضح، بل لعدم الشكّ في البقاء أيضاً؛لأنّ الشكّ المأخوذ في موضوع الاستصحاب هو الشكّ في بقاء المتيقّن،لا مطلق الشكّ، وليس في المقام الشكّ في بقاء المتيقّن، بل الشكّ في البقاء علىتقدير الحدوث.
وهذا الإشكال بناءً على ما هو التحقيق من كون حجّيّة الأمارات من بابالطريقيّة أوضح، فإنّ حجّيّتها على هذا بمعنى المنجّزيّة على تقدير الإصابةوالمعذّريّة على تقدير الخطأ من دون أن يتغيّر الواقع ويتبدّل إلى مؤدّاها، بل ليجعل حكم ظاهري على وفقها على تقدير الخطأ، فضلاً عن الواقعي.
لكن لو قلنا باختصاص جريان الاستصحاب فيما إذا علمنا وجدانبحدوث شيء ثمّ شككنا في بقائه والتزمنا بعدم جريانه في موارد الأماراتلانسدّ باب الاستصحاب إلاّ في موارد قليلة، فكيف نصنع؟
كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في حلّ الإشكال