ج6
وجدان الماء قيد في موضوع وجوب الوضوء وإن لم يذكر فيه صريحاً، إلاّ أنّهمن مقابلة الوضوء للتيمّم يستفاد ذلك، لأنّ التفصيل قاطع للشركة.
وبالجملة: يستفاد من الآية الشريفة كون الموضوع لوجوب الوضوء مركّبمن النوم وعدم الجنابة، فيكون المثال المتقدّم من صغريات الموضوعاتالمركّبة التي قد اُحرز بعض أجزائها بالوجدان وبعضها الآخر بالأصل، فإنّالنائم الذي احتمل الجنابة قد أحرز جزئي الموضوع لوجوب الوضوء،أحدهما بالوجدان، وهو النوم، والآخر بالأصل، وهو عدم الجنابة، فيجبعليه الوضوء فقط، لما عرفت من أنّه لا يجتمع على المكلّف وجوب الوضوءوالغسل معاً، لأنّ سبب وجوب الوضوء لا يمكن أن يجتمع مع سبب وجوبالغسل، فإنّ من أجزاء سبب وجوب الوضوء عدم الجنابة، فلا يعقل أن يجتمعمع الجنابة التي هي سبب وجوب الغسل، فإنّه يستلزم اجتماع النقيضين.
فعلى هذا لا يجري استصحاب الحدث الكلّي، لأنّ الشكّ في بقاء الحدثمسبّب عن احتمال حدوث الجنابة في النوم، وبعد جريان استصحاب عدمحدوثها لا مجال لهذا الاحتمال، فثبت أنّ استصحاب الحدث في هذا المثالمحكوم بالأصل الموضوعي ولا يكون هذا مانعاً عن جريان الاستصحاب فيسائر موارد القسم الثالث من الكلّي(1).
هذا توضيح ما أفاده بعض الأعلام في المقام.
البحث حول كلام المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في المسألة
وقد استشكل في هذا الجواب بأنّ ما قاله ـ من أنّ التفصيل بين النوم
- (1) مصباح الاُصول 3: 115.
(صفحه170)
والجنابة وبين الوضوء والغسل قاطع للشركة ـ في غير محلّه، لأنّ من الواضحأنّ التفصيل في قولنا: «إذا جاءك زيد فأكرمه، وإذا جاءك عمرو فأهنه» ليدلّ على أنّ المجيء الذي سبب لوجوب إكرام زيد مقيّد بعدم مجيء عمرو، أوأنّ موضوع وجوب الإكرام مركّب من مجيء زيد وعدم مجيء عمرو، وهكذالأمر بالنسبة إلى إهانة عمرو، بل التفصيل هنا يدلّ على أنّ مجيء زيد سببمستقلّ لوجوب إكرامه وأنّ مجيء عمرو سبب مستقلّ آخر لوجوب إهانته،فإذا اجتمع السببان يؤثّر كلّ منهما في مسبّبه، وعليه فمجرّد ذكر الغسل عقيبالوضوء والجنابة عقيب النوم لا يدلّ على ما ذكره هذا المحقّق الكبير، فلو لميكن دليل على كون الغسل مجزياً عن الوضوء لحكمنا ـ بمقتضى هذه الآية بأنّ الواجب عند اجتماع النوم والجنابة هو الجمع بين الوضوء والغسل.
واستشهاده بآية التيمّم أيضاً في غير محلّه؛ لأنّ مقابلة آية الوضوء والتيمّمأيضاً لا تدلّ على أنّ وجدان الماء قيد في موضوع وجوب الوضوء؛ لأنّه ليمكن إيجاد الوضوء بدون الماء عقلاً، لا بدلالة الآية(1).
ويمكن الجواب عن هذا الإشكال بأنّ الآية لا تكون من قبيل قول القائل:«إذا جاءك زيد فأكرمه، وإذا جاءك عمرو فأهنه» حتّى يكون النوم موضوعلوجوب الوضوء من دون أن يقيّد بقيدٍ آخر، بل ظاهر الآية أنّ النوم مع عدمالجنابة موضوع له.
توضيح ذلك: أنّ ظاهر الآية أنّ وجوب الاغتسال المستفاد من قوله:«وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ» مرتبط بالصلاة المذكورة في الشرطيّة الاُولى،فكأنّه قيل في الشرطيّة الثانية: «وإن كنتم جنباً حال قيامكم من النوم إلىالصلاة فاطّهّروا» فكان معنى الآية: «إذا قمتم من النوم إلى الصلاة ولم تكونو
- (1) راجع تعليقة الرسائل للإمام الخميني«مدّ ظلّه»: 136.
ج6
جنباً فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكمإلى الكعبين، وإذا قمتم من النوم إلى الصلاة وكنتم جنباً فاغتسلوا».
وذكر الجنابة عقيب النوم لتناسبها إيّاه، فإنّها تتحقّق غالباً إمّا في النوم وإمّفي الليل قبل النوم بحيث إذا قام منه لأجل الصلاة كان جنباً.
فظهر بما ذكرناه أنّ جواب بعض الأعلام عن شبهة جريان الاستصحابفي القسم الثالث من الكلّي صحيح، فلا مانع من جريانه.
جواب آخر عن الشبهة
واُجيب عنها بوجه آخر، وهو أنّ الجامع بين الحدثين لم يكن مجعولاً منقبل الشارع، ولم يكن موضوعاً ذا أثر شرعي حتّى يستصحب ويترتّب الآثارالمشتركة بينهما عليه، بل الجامع بينهما إنّما هو جامع انتزاعي عقلي، ولا يترتّبعليه أثر شرعي، إذ كلّما ورد في الأخبار إنّما هو جعل آثار لخصوص الحدثالأكبر والأصغر، كحرمة مسّ كتابة القرآن على الجنب وعلى من بال ونحوذلك، ولم يرد في الشرع ما رتّب أثراً على الحدث الكلّي.
وأمّا ما قال به المحقّق الخراساني رحمهالله ـ من أنّ اشتراك شيئين في الأثر حاكٍعن وجود جامع بينهما هو ذو الأثر واقعاً ـ فإنّما هو في التكوينيّات، كاشتراكالنار والشمس في الحرارة، فإنّه حاكٍ عن جامع بينهما هو المؤثّر في الحرارةواقعاً، بخلاف التشريعيّات التي لا يجوز فيها التخطّي عمّا ورد من قبل الشارع،فاشتراك النوم والجنابة في بعض الآثار الشرعيّة لا يوجب أن يكون ذلكالأثر أثراً للجامع بينهما، وهو الحدث الكلّي.
أقول: هذا أيضاً جواب صحيح لو كان الأمر كما ذكره المجيب من عدمورود أثر في الشرع لكلّي الحدث، إلاّ أنّ ببالي ورود الأثر الشرعي كذلك وإن
(صفحه172)
لم يحضر في ذهني الآن.
بل يمكن إثبات ذلك بقوله تعالى: «لاَّ يَمَسُّهُو إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ»(1) لو اُريدبالمسّ والتطهير المسّ الظاهري والتطهير الظاهري، فإنّه عليه يدلّ على حرمةمسّ كتابة القرآن على من كان محدثاً غير مطهّر من غير ذكر حدث خاصّ،وأمّا على ما هو التحقيق من أنّ معناه أنّه «لا يدرك مضامينه العالية إلالمطهّرون بالطهارة الحقيقيّة، وهم الذين أنزل اللّه تعالى في شأنهم آيةالتطهير»(2) فلا يرتبط بالمقام.
وبالجملة: إن كان ما ذكره هذا المجيب ـ من عدم ورود أثر شرعي لكلّيالحدث ـ حقّاً، فجوابه عن الشبهة أيضاً حقّ، وإلاّ فلا.
وكيف كان، فبعد تماميّة الجواب المتقدّم نقله عن بعض الأعلام فلا إشكالفي جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلّي أيضاً.
البحث حول قسم آخر لاستصحاب الكلّي
ذكر لاستصحاب الكلّي قسم رابع: وهو ما إذا علمنا بتحقّق عنوانينوشككنا في انطباقهما على فرد واحد أو على فردين، وما إذا علمنا بتحقّقفردين وشككنا في تعاقبهما وعدمه.
ومثّل لهذا القسم بأمثلة ثلاثة(3):
أحدها: أن نعلم بوجود زيد في الدار ونعلم أيضاً بوجود روحاني فيها ثمّخرج زيد منها ونشكّ في بقاء الروحاني فيها، ومنشأ الشكّ أنّا نحتمل أن
- (2) وهي قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»،الأحزاب: 33.
- (3) المثالان الأوّلان للعلم بتحقّق عنوانين مع الشكّ في انطباقهما على فرد واحد أو فردين، والمثال الثالثللعلم بتحقّق فردين والشكّ في تعاقبهما. م ح ـ ى.
ج6
يكون الروحاني هو زيد المقطوع ارتفاعه وأن يكون عمراً مثلاً المقطوع بقائهفي الدار أو المشكوك بقائه فيها، وبعبارة اُخرى: الشكّ في بقاء الروحاني ناشٍعن الشكّ في انطباق عنوان «الروحاني» وعنوان «زيد» على فرد واحد أوعلى فردين.
الثاني: أن يعلم بحدوث جنابة ليلة الخميس مثلاً ويعلم أيضاً بأنّه اغتسلمنها ثمّ رأى يوم الجمعة منيّا في ثوبه وعلم أنّه منه إلاّ أنّه يشكّ في أنّه مخرج ليلة الخميس واغتسل عنه أو حدث ليلة الجمعة ولم يغتسل عنه بعد،فهو يعلم بصيرورته جنبا عقيب خروج هذا المنيّ، إلاّ أنّه لا يعلم أنّ هذهالجنابة هي الجنابة الحادثة ليلة الخميس التي اغتسل عنها أو جنابة جديدةحادثة ليلة الجمعة.
الثالث: أن يعلم أنّه توضّأ وضوئين وصار أيضاً محدثا بالحدث الأصغر،إلاّ أنّه لا يعلم أنّ الحدث وقع بينهما فيكون بالفعل متطهّرا، أو بعدهما فيكونمحدثا ويكون الوضوء الثاني تجديديّا.
ولابدّ قبل البحث في هذا القسم من تحقيق حول الأمثلة المذكورة منحيث إنّها هل هي مصاديق لاستصحاب الكلّي أم لا؟ مع قطع النظر عنجريان الاستصحاب فيها وعدمه لابتلائه بالمعارض أو محكوميّته بأصلآخر.
لا إشكال في كون المثال الأوّل من قبيل استصحاب الكلّي، ولا يخفىمغايرته مع استصحاب القسم الثاني والثالث من الكلّي، فإنّ المتيقّن في القسمالثاني فرد واحد مردّد بين طويل العمر وقصيره، بخلاف المقام،فإنّ الفرد ليسفيه مردّدا بين فردين، بل الفرد معيّن، غاية الأمر أنّه يحتمل انطباق العنوانالآخر عليه ويحتمل انطباقه على فرد آخر، وامتيازه عن القسم الثالث بعد