(صفحه28)
الموضوعات الخارجيّة وإن كان ممكناً لنا، إلاّ أنّه لا طريق لنا إلى إحراز قابليّةبقاء الأحكام إلاّ من قبل الدليل الشرعي، فكما أنّه يمكن إحراز بقاء الحكممن الدليل الشرعي يمكن إحراز بقاء ملاكه أيضاً، إذ بقاء الحكم يستلزم بقاءملاكه قطعاً، فلو دلّ الدليل الشرعي على أنّ الحكم الفلاني مستمرّ ذاتاً لولالرافع إلى الأبد، أو إلى غاية كذائيّة، يستكشف منه المقتضي بمعنى الملاك، فليكون الشكّ حينئذٍ في بقائه من قبيل الشكّ في المقتضي، لا بالمعنى الثالث ولبالمعنى الأوّل يعني الملاك.
وبالجملة: لا يكون حكم إلاّ عن ملاك، فأصل الحكم يكشف عن أصلالملاك، واستمراره عن استمراره(1).
هذا ما أفاده سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» في المقام(2).
دفع مناقشة الإمام«مدّ ظلّه» في كلام المحقّق النائيني رحمهالله
أقول: يمكن الجواب عن هذا الإشكال بأنّ استمرار الحكم وإن كان كاشفعن استمرار الملاك، إلاّ أنّ المفروض عدم ثبوت استمرار الحكم عندنا، وإلفلم نفتقر إلى الاستصحاب، بل بقاء الحكم مشكوك لنا، غاية الأمر أنّ الدليلالشرعي يدلّ على قابليّته للاستمرار والبقاء، لا على نفس الاستمرار، فإذكان استمرار الحكم مشكوكاً كان بقاء ملاكه أيضاً مشكوكاً، فكان من قبيلالشكّ في المقتضي بالمعنى الأوّل، وإن كان من قبيل الشكّ في الرافع بالمعنى
- (1) فإنّا إذا أحرزنا من طريق الدليل الشرعي أنّ ما صار نجساً استمرّت نجاسته إلى أن يجيء الرافع، فإنتطهّر بعد ساعة زالت النجاسة، وإن لم يتطهّر إلى مأة عام مثلاً بقيت النجاسة وكشفت عن بقاء ملاكها. منهمدّ ظلّه، توضيحاً لكلام الإمام الخميني«حفظه اللّه».
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 82 .
ج6
الثالث، فإشكال سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» لا يتوجّه إلىالمحقّق النائيني رحمهالله .
وكيف كان، فمراد الشيخ رحمهالله من المقتضي والرافع هو المعنى الثالث، إمّا بقرينةظاهر كلامه في موارد عديدة ـ كما ذكرنا ـ أو بما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله منالبرهان. فالمهمّ هو التحقيق في صحّة ما اختاره رحمهالله من التفصيل.
(صفحه30)
تحليل أخبار الاستصحاب
فلابدّ من ملاحظة أخبار الباب حتّى يتّضح ما هو الحقّ، إذ ادّعى الشيخ رحمهالله ظهور هذه الأخبار في التفصيل بين الشكّ في المقتضي والرافع.
صحيحة زرارة الاُولى
فمنها: ما رواه الشيخ الطوسي رحمهالله بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد،عن حريز، عن زرارة قال: قلت له(1): الرجل ينام وهو على وضوء، أتوجبالخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: «يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلبوالاُذن، فإذا نامت العين والاُذن والقلب فقد وجب الوضوء» قلت: فإن حرّكإلى جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال: «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام، حتّى يجيء منذلك أمرٌ بيّن، وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبداً بالشكّ،ولكن ينقضه بيقين آخر»(2).
- (1) هذه الرواية صحيحة، لأنّ إسناد الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح ـ كما ثبت في محلّه ـ بل صحّة هذالإسناد كالمتّفق عليها، إلاّ أنّها مضمرة، ولكن لا ضير في ذلك حيث كان المضمر زرارة، وقال أكابر علمالرجال بأنّ مثل زرارة لا يسأل إلاّ الإمام عليهالسلام . منه مدّ ظلّه.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 59، باب الأحداث الموجبة للطهارة، الحديث 11، ووسائل الشيعة 1: 245، كتابالطهارة، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 1.
ج6
(صفحه32)
فيما يقتضيه أخبار الاستصحاب
البحث حول الحديث
هذهالرواية كما ترى مشتملة على فقرتين، والظاهر أنّ شبهة زرارة في الفقرةالاُولى كانت شبهة حكميّة، لا بمعنى أنّه لم يعلم ناقضيّة النوم للوضوء، لأنّذلك يعلمه العوامّ، فضلاً عن مثل زرارة، فشبهته لا تخلو عن احتمالات ثلاث:
أ ـ أنّه كان عالماً بعدم كون الخفقة والخفقتين من مصاديق النوم، ولكنّه شكّفي كون الخفقة ناقضة مستقلّة.
ب ـ أنّه كان عالماً بكونهما من مصاديقه، ولكنّه شكّ في أنّ النوم الناقضهل هو خصوص النوم الثقيل الغالب على جميع الحواسّ أو مطلق النوم حتّىمرتبته الضعيفة التي يعبّر عنه بالخفقة والخفقتين.
ج ـ أنّه شكّ في مفهوم النوم وأنّه هل يشمل الخفقة والخفقتين أم لا مععلمه بأنّ النوم ناقض بجميع مراتبه.
وعلى جميع هذه الاحتمالات لم يعلم زرارة أنّ الخفقة والخفقتين تنقضانالوضوء أم لا؟
وهل يمكن القول بتعيّن الاحتمال الثاني بقرينة قوله: «الرجل ينام» بتقريبأنّه قرينة على علمه بتحقّق النوم بالخفقة والخفقتين، ولكنّه سأل عن كونهناقضاً بهذه المرتبة الضعيفة أم لا؟ وهذا هو الاحتمال الثاني.
أقول: لا، لأنّه بمعنى «يريد النوم» لا بمعنى «تحقّق منه النوم»، لأنّه لو أراد