ج6
البحث حول شمول أخبار العلاج العامّين من وجه
أمّا التعارض بالعموم من وجه: فقال المحقّق النائيني رحمهالله بشمول أخبارالعلاج له، لأنّ الدليلين يختلفان ويتعارضان في مادّة اجتماعهما فيشملهمالأخبار العلاجيّة(1).
ويمكن أن يقال: إنّ العامّين من وجه وإن كانا متعارضين في مادّة الاجتماع،إلاّ أنّ العرف لا يراهما كذلك، لأنّ كلاًّ منهما ذو عنوان مستقلّ غير مرتبطبعنوان الآخر، ألا ترى أنّا إذا قلنا: «أكرم العلماء» و «لا تكرم الفسّاق» ليرتبط مفهوم «العلماء» بمفهوم «الفسّاق»؟ وإن كان بعض الأشخاص مصداقلكليهما.
فالتعارض بينهما إنّما هو في مقام الإجراء، لا في نظر العرف، والملاك فيتشخيص الموضوعات هو العرف.
على أنّالظاهر من أخبار العلاج هو أخذ أحدهما ترجيحا أو تخييرا وتركالآخر رأسا، كما في قوله: «خذبما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر»(2)وقوله: «ما خالف كتاب اللّه فهو زخرف(3)، أو باطل(4)، أو فإنّي لم أقله(5)،أو فردّوه»(6) وأمثال ذلك.
مع أنّ العامّين من وجه حجّة في مادّة افتراقهما حتّى المرجوح منهما، فكيفيشملهما الأخبار العلاجيّة؟!
- (1) فوائد الاُصول 4: 792.
- (2) مستدرك الوسائل 17: 303، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.
- (3) وسائل الشيعة 27: 110، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 12.
- (4) وسائل الشيعة 27: 123، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 48.
(5) وسائل الشيعة 27: 111، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15.
- (6) وسائل الشيعة 27: 118، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 29.
(صفحه438)
نعم، لا يبعد أن يقال بشمولها لهما بالملاك، بل بالأولويّة.
توضيح ذلك: أنّ أحكام الأخبار العلاجيّة لو لم تجر في العامّين من وجهفلابدّ من القول بتساقطهما في مادّة الاجتماع، لكونه هو مقتضى القاعدة الأوّليّةفي المتعارضين على ما سيأتي(1) تحقيقه، مع أنّ الالتزام بلزوم الأخذ بأحدالدليلين إمّا ترجيحا وإمّا تخييرا بمقتضى الأخبار العلاجيّة فيما إذا كانمتعارضين بالتباين، وبالتساقط فيما إذا كانا متعارضين في الجملة، مشكل(2).
فالأخبار العلاجيّة وإن لم تشملها لسانا، لما تقدّم من الوجهين، إلاّ أنّهتعمّهما بالملاك وإلغاء الخصوصيّة، بل بالأولويّة.
ثمّ على القول بالشمول إمّا لسانا وإمّا ملاكا فهل يجري فيهما جميعالمرجّحات، سواء كانت صدوريّة، كالأعدليّة والأصدقيّة ونحوهما، أو جهتيّة،كمخالفة العامّة، أو مضمونيّة، كموافقة الشهرة الفتوائيّة(3)، أو لا يجري فيالعامّين من وجه إلاّ بعضها؟
نظريّة المحقّق النائيني رحمهالله في ذلك
قال المحقّق النائيني رحمهالله بعدم جريان المرجّحات الصدوريّة فيهما، لأنّالترجيح بها مستلزم للحكم بعدم صدور المرجوح، وهذا ينافي حجّيّة العامّينمن وجه حتّى المرجوح منهما من حيث الصدور في مادّة الافتراق، لعدم(4)تحقّق التعارض فيها.
- (2) سيأتي في ص449 عدول الاُستاذ«مدّ ظلّه» عن هذا. م ح ـ ى.
- (3) فإنّ موافقة الشهرة الفتوائيّة لأحد الخبرين تؤيّد أنّ مضمونه حكم اللّه الواقعي. م ح ـ ى.
- (4) علّة لحجّيّتهما في مادّة الافتراق. م ح ـ ى.
ج6
هذا إن اُريد من الرجوع إلى المرجّحات الصدوريّة في العامّين من وجهطرح الخبر المرجوح رأسا.
وإن اُريد منالرجوع إليها طرحه في خصوص مادّة الاجتماع التي هي موردالتعارض فهو غير ممكن، فإنّ الخبر الواحد لا يقبل التبعيض في المدلول منحيثالصدور، بحيث يكون صادرا فيبعض مدلوله وغيرصادر في بعض آخر.
وما يقال من أنّ الخبر الواحد ينحلّ إلى أخبار متعدّدة حسب تعدّد أفرادالموضوع كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقيّة، فإنّ قوله: «أكرم العلماء»بمنزلة أن يقال: «أكرم زيدا وأكرم عمرا وأكرم خالدا و...» فلا محذور فيطرح أحد العامّين من وجه في خصوص مادّة الاجتماع، لأنّ الانحلال يقتضيأن يكون لخصوص مادّة الاجتماع قضيّة تخصّها، فتسقط بالمعارضة مع ماهيأقوى منها صدورا.
واضح الفساد، فإنّ الانحلال في القضايا الحقيقيّة لا يقتضي تعدّد الرواية، بلليس في البين إلاّ رواية واحدة رتّب فيها الحكم على موضوعها المقدّر وجوده.
فتحصّل أنّ تقديم أحد العامّين من وجه على الآخر إمّا بالمرجّح الجهتيوإمّا بالمرجّح المضموني(1).
هذا حاصل ما أفاده رحمهالله في المقام.
نقد كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المسألة
وفيه أوّلاً: أنّ عدم إمكان الرجوع إلى المرجّحات الصدوريّة في العامّين منوجه شاهد على ما اخترناه من عدم اندراجهما في الأخبار العلاجيّة.
وبعبارة اُخرى: سياق هذه الأخبار بالنسبة إلى جميع أنواع المرجّحات
- (1) فوائد الاُصول 4: 792.
(صفحه440)
واحد، فإمّا أن يجري في العامّين من وجه جميع أنواع المرجّحات أو لا يجريشيء منها فيهما أصلاً، والتفصيل بين المرجّحات الصدوريّة وبين غيرهخلاف الظاهر، فعدم إمكان جريان المرجّحات الصدوريّة في العامّين من وجهشاهد على عدم اندراجهما في أخبار العلاج.
وثانيا: أنّ ما لا يمكن إنّما هو التبعيض في صدور رواية واحدة حقيقةً، وأمّالتبعيض تعبّدا فلا مانع منه، وحجّيّة الخبر الواحد لا تكون بمعنى صدورهواقعا، بل بمعنى التعبّد بصدوره والبناء عليه، فما المانع من تعبّد الشارع بصدورمادّة الافتراق بمقتضى أدلّة حجّيّة خبر الواحد وبعدم صدور مادّة الاجتماعبمقتضى أخبار العلاج؟
والشاهد على هذا حجّيّة الاستصحاب في ترتّب آثار المستصحب وعدمحجّيّته في ترتّب آثار لوازمه العقليّة والعاديّة، فإنّ هذا يرشدنا إلى الفرق بينالواقعيّات والتعبّديّات أحيانا.
سلّمنا عدم إمكان التبعيض تعبّدا أيضاً، لكنّ الرجوع إلى المرجّحاتالصدوريّة لا يستلزم الحكم بعدم صدور المرجوح دائما، بل يكون معناه فيبعض الموارد صدور المرجوح على نحو لا ينافي الراجح، مثلاً إذا ورد «أكرمالعلماء» وورد أيضاً «لا تكرم الفسّاق» فتعارضا في العالم الفاسق، وورد «خُذبما يقوله أوثقهما» وكان راوي العامّ الأوّل أوثق من الثاني، فمعنى لزوم الأخذبقوله: «أكرم العلماء» هو التعبّد بصدوره بمضمونه من دون إلقاء قيد أو زيادته،ولازمه الحكم بأنّ الثاني كان صدر مقيّدا بقيد ألقاه الراوي، مثل «الجهّال»فلم يناف الأوّل، لاختصاصه بحرمة إكرام الفسّاق الجهّال.
هذا على ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من شمول أخبار العلاج العامّينمن وجه، وأمّا على ما ذهبنا إليه من عدم الشمول، فلا يجري فيهم
ج6
المرجّحات أصلاً.
وأمّا الشبهة المتقدّمة(1) التي كانت تقتضي إجراء حكم المتعارضين بالتباينفي العامّين من وجه إمّا بالملاك أو بالأولويّة فليست بمثابة توجب رفع اليدعن القاعدة العقليّة، فإنّ الأخذ بذي الترجيح وبأحدهما مخيّرا عند فقدالمرجّح حكم مخالف للقاعدة، فيقتصر فيه على مورده المنصوص فيه(2).
فاللازم هو إجراء القاعدة في العامّين من وجه، وهي التساقط في مادّةالاجتماع.
البحث حول شمول أخبار العلاج المتعارضين بالعرض
وأمّا التعارض بالعرض: فهو أولى بعدم الاندراج في موضوعأخبار العلاج، فإنّ العامّين من وجه مع كونهما متعارضين بالذات إذلم يندرجا فيه فلا يندرج المتعارضان بالعرض بطريق أولى، لعدم تحقّقالتعارض بينهما حقيقةً، لكنّ العلم الإجمالي أو الاستهجان اقتضىالتعارض بينهما.
البحث حول شمول أخبار العلاج المتعارضين بالالتزام
والتعارض بالالتزام أيضاً لا يندرج في موضوع أخبار العلاج، لعدم تحقّقالتعارض في لسان الدليلين، لكنّ المدلول الالتزامي يوجب التعارض، فإذا لميندرج العامّان من وجه في موضوع أخبار العلاج فلا يندرج المتعارضانبالالتزام بطريق أولى.
- (2) وهو خصوص ما دلّ عليه الأخبار العلاجيّة لسانا. م ح ـ ى.