ذهب سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام «مدَّ ظلّه العالي» إلى أنّ الرواية وردتفي الشكّ في ركعات الصلاة(2).
لكنّ الظاهر أنّ مضمونها أصل كلّي جارٍ في جميع أبواب الفقه، وهوالاستصحاب، وذلك لظهور الرواية في فعليّة الشكّ واليقين معاً مع وحدةالمتعلّق(3)، فمفادها عين مفاد قوله في الأخبار السابقة: «لا ينقض اليقينبالشكّ» وإن كان التعبير مختلفاً، حيث كان أحدهما بلسان الأمر بالبناء علىاليقين في ظرف الشكّ، والآخر بلسان النهي عن نقض اليقين بالشكّ.
الركعة المشكوكة في الشكّ في عدد ركعات الصلاة، وهو خلاف المذهب، فإنّأخبارنا تدلّ على وجوب البناء على الأكثر والإتيان بالركعة المشكوكةمنفصلةً.
قلت: هذا الإشكال لا يختصّ بهذه الرواية، بل جارٍ في قوله عليهالسلام : «لا ينقضاليقين بالشكّ» الوارد في سائر أخبار الاستصحاب، فإن التزمت بكونالأخبار الدالّة على وجوب البناء على الأكثر والإتيان بالركعة المشكوكة بنحوالانفصال مخصّصةً لقوله عليهالسلام : «لا ينقض اليقين بالشكّ» التزمنا به هاهنا أيضاً،وإن ذهبت في حلّ الإشكال إلى وجه آخر ذهبنا نحن أيضاً إليه.
وبالجملة: بأيّ وجه تمسّكت للجمع بين أخبار صلاة الاحتياط وبينالأخبار السابقة الدالّة على الاستصحاب نحن أيضاً نتمسّك به للجمع بينهوبين هذه الرواية.
فعلى ما اخترناه من كونها قاعدة كلّيّة في جميع الأبواب لا إشكال فيدلالتها على حجّيّة الاستصحاب.
وأمّا على ما اختاره سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» من ظهورها في الشكّ في عددالركعات فإمّا أن يكون المراد من اليقين ما ذهب إليه الشيخ الأعظم رحمهالله أعني«اليقين بالبراءة» بالبناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط منفصلةً. وهذالمعنى خلاف الظاهر من وجهين:
أ ـ أنّ قوله: «إذا شككت» ظاهر في كلّ شكّ، فما الدليل على اختصاصهبالشكّ في عدد ركعات الصلاة؟!
ب ـ أنّ قوله: «فابن على اليقين» ظاهر في وجوب البناء عليه بمجرّد الشكّ،وهذا لا يلائم ما ذهب إليه الشيخ رحمهالله ، إذ مفاده ـ بناءً عليه ـ تحصيل اليقينبالبراءة.
ج6
وبعبارة اُخرى: ظاهره وجوب البناء على اليقين الموجود بالفعل في زمنالشكّ، لا على اليقين الذي لم يتحقّق بعدُ.
وإمّا أن يكون المراد منه اليقين بعدم الركعة المشكوكة.
ويرد عليه الإشكال الأوّل، دون الثاني، فإنّ اختصاص اليقين في الحديثباليقين بعدم الركعة المشكوكة خلاف الظاهر، وإن كان ظهوره في وجوبالبناء على اليقين الموجود بالفعل في زمن الشكّ محفوظاً في هذا المعنى.
وعلى هذا فهي دالّة على الاستصحاب.
إلاّ أنّ مقتضى الاستصحاب لزوم اتّصال الركعة المشكوكة بالركعاتالمتيقّنة، وهو خلاف المذهب، فلابدّ إمّا من الالتزام بصدورها تقيّةً، فلا يجوزالتمسّك بها لحجّيّة الاستصحاب، لعدم كونها صادرةً لبيان الحكم الواقعي، وإمّمن القول بأنّها صادرة لبيان الحكم الواقعي، والجمع بينها وبين الأخبار الدالّةعلى وجوب الإتيان بالركعة المشكوكة منفصلةً بأنّ هذه الرواية تدلّ علىاستصحاب عدم الركعة المشكوكة، فيجب الإتيان بها، وأمّا كيفيّة إتيانها فتدلّعليها تلك الأخبار.
وبالجملة: لو لم يكن بأيدينا إلاّ قوله: «إذا شككت فابن على اليقين» لذهبنإلى اتّصال الركعة المشكوكة إلى الركعات المتيقّنة، إلاّ أنّا التزمنا بانفصالها،جمعاً بينه وبين ما دلّ على صلاة الاحتياط.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه حول الموثّقة أنّها على المختار تدلّ على حجّيّةالاستصحاب بلا إشكال، وأمّا على ما اختاره سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» فهي تدلّعليها أيضاً على الاحتمال الثالث في معناها، لا على الاحتمالين الأوّلين.
(صفحه94)
ج6
رواية أبي بصير ومحمّد بن مسلم
ومنها: ما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن أبي بصير ومحمّد بن مسلمعن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: «حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه أنّ أميرالمؤمنين عليهالسلام قال:... من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه، فإنّ الشكّ لينقض اليقين»(1).
وفي رواية اُخرى: «مَن كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه، فإنّاليقين لا يدفع بالشكّ».
الكلام حول مفاد الحديث
قد اُورد على الاستدلال بهذه الرواية في المقام بأنّها ظاهرة في قاعدة اليقينوالشكّ، لظهورها في تقدّم اليقين على الشكّ، وظهورها فيه يستفاد من التعبيربـ «كان» ثمّ بـ «فاء التفريع» الدالّين على كون حدوث الشكّ متأخّراً منحدوث اليقين، سيّما التعبير بـ «فأصابه شكّ» في الرواية الثانية.
وبالجملة: هذه الرواية ظاهرة في تحقّق الشكّ متأخّراً عن تحقّق اليقين،
- (1) كتاب الخصال: 619، حديث الأربعمائة، ووسائل الشيعة 1: 246، كتاب الطهارة، الباب 1 من أبوابنواقض الوضوء، الحديث 6، وتحف العقول: 109. وفيه «من كان على يقين فأصابه ما يشكّ فليمض علىيقينه، فإنّ الشكّ لا يدفع اليقين ولا ينقضه». م ح ـ ى.