(صفحه96)
وهذا في قاعدة اليقين والشكّ الساري.
وأمّا الاستصحاب فلا يلزم فيه أن يحدث الشكّ متأخّراً عن اليقين، بليمكن أن يحدثا معاً، لكنّ اليقين يتعلّق بالحالة السابقة والشكّ بالحالة الفعليّة،بل يمكن أن يحدث الشكّ في الاستصحاب قبل حدوث اليقين، كأن يشكّ فيالظهر في نجاسة ثوبه، بحيث لو سئل عن حالته السابقة لأجاب بأنّه شاكّ فيهأيضاً، ثمّ يقطع في العصر بكونه نجساً قبل الظهر، فهذا مجرى الاستصحاب معكون حدوث الشكّ متقدّماً على حدوث اليقين.
فالرواية تختصّ بقاعدة اليقين والشكّ، لأجل ظهورها في تقدّم اليقين، علىأنّ الظاهر اتّحاد متعلّق اليقين والشكّ حتّى من حيث الزمان، وهذا لا يمكن إلفي قاعدة الشكّ الساري.
نظريّة صاحب الكفاية في معنى الحديث
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية بما حاصله: أنّ اليقين طريقإلى المتيقّن، والمتداول في التعبير عن سبق المتيقّن على المشكوك فيه هو التعبيربسبق اليقين على الشكّ، لما بين اليقين والمتيقّن من نحو من الاتّحاد، فالمراد هوسبق المتيقّن على المشكوك، وهذا لا يجري إلاّ في الاستصحاب، لعدم تقدّمالمتيقّن على المشكوك في قاعدة اليقين(1).
نقد نظريّة المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
أقول: ظاهر الرواية تقدّم نفس اليقين على نفس الشكّ، والاتّحاد بين اليقينالطريقي والمتيقّن لا يوجب ترتّب أحكام أحدهما على الآخر، ألا ترى أنّ
ج6
اليقين في قولنا: «اليقين حجّة» مع كونه مرآةً لليقين الطريقي اُريد في هذهالجملة حجّيّة نفس اليقين؟ فهو موضوع للحكم بالحجّيّة في هذه الجملة، وليمكن إرادة حجّيّة المتيقّن، لأنّ الحجّيّة عبارة عن المنجّزيّة والمعذّريّة،واتّصاف المتيقّن بهذين الوصفين غير معقول.
وما نحن فيه أيضاً كذلك، فإنّ الظاهر في الرواية أنّ التقدّم والتأخّر لنفساليقين والشكّ وإن كان اليقين مرآةً لأفراده الطريقيّة، ولا موجب لجعل اليقينوالشكّ بمعنى المتيقّن والمشكوك فيه والقول بكون التقدّم والتأخّر بينهما.
والحقّ في الجواب أنّ صدر الرواية وإن كان له ظهور ما في قاعدة اليقينوالشكّ الساري، إلاّ أنّ التعليل أعني قوله: «فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين» أو«فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ» ظاهر في فعليّة اليقين والشكّ كليهما، وهذا ليكون إلاّ في الاستصحاب، وإذا دار الأمر بين ظهور التعليل وظهور المعلّلفالأوّل مقدّم على الثاني.
فلا إشكال في دلالة هذه الرواية على حجّيّة الاستصحاب، إلاّ أنّ فيسندها القاسم بن يحيى، وهو لم يوثّق في كتب الرجال.
(صفحه98)
ج6
مكاتبة عليّ بن محمّد القاساني
ومنها: مكاتبة عليّ بن محمّد القاساني قال: كتبت إليه وأنا بالمدينة أسألهعن اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان هل يُصام أم لا؟ فكتب: «اليقين ليدخل فيه الشكّ، صم للرؤية وأفطر للرؤية»(1).
وفي نسخة اُخرى: «اليقين لا يدخله الشكّ، صم للرؤية وأفطر للرؤية».
الكلام حول سند الحديث ودلالته
والذي يوهن هذه الرواية كونها مضمرةً أوّلاً، ومكاتبةً ثانياً، فإنّ احتمالالتقيّة في المكاتبة قويّ، لأنّها سند كتبي لا ينعدم، بخلاف القول، فإنّه ينعدم بعدتحقّقه بلا فصل.
على أنّ الظاهر أنّ المكاتب هو عليّ بن محمّد القاشاني ـ بالشين المعجمة، لالسين المهملة ـ والرجل لم يوثّق، بل ضعّف في كتب الرجال، وقد يشتبه هذالرجل بعليّ بن محمّد بن شيرة القاساني ـ الذي وثّقه أرباب الرجال ـ ومنشالاشتباه اتّحاد عصرهما وهما من أصحاب الهادي عليهالسلام ، فالتمييز بينهما مشكلإلاّ بمن يروي عنهما.
- (1) وسائل الشيعة 10: 255، كتاب الصوم، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 13.
(صفحه100)
وقال العلاّمة المامقاني: إنّ الذي يروي عن القاشاني ـ بالمعجمة ـ هو محمّدبن الحسن الصفّار، والذي يروي عن القاساني ـ بالمهملة ـ هو محمّد بن أحمدبن يحيى والحسن بن محمّد وإبراهيم بن هاشم وأحمد بن أبي عبداللّه وسهلبن زياد.
والذي يروي في هذه الرواية عن عليّ بن محمّد هو محمّد بن الحسنالصفّار، فهو عليّ بن محمّد القاشاني ـ بالمعجمة ـ فالحديث ضعيف سنداً.
كلام الشيخ الأنصاري والمحقّق الخراساني في دلالته
وأمّا دلالته: فقال الشيخ رحمهالله : تفريع تحديد كلّ من الصوم والإفطار علىرؤية هلالي رمضان وشوّال لا يستقيم إلاّ بإرادة عدم جعل اليقين السابقمدخولاً بالشكّ، أي مزاحماً به، والإنصاف أنّ هذه الرواية أظهر ما في هذالباب من أخبار الاستصحاب(1).
وأنكر المحقّق الخراساني رحمهالله أصل دلالتها عليه، فضلاً عن أظهريّتها(2).
وينبغي قبل التحقيق في دلالتها إيضاح يوم الشكّ الذي وقع في السؤال،فأقول:
يحتمل أن يكون مقصود السائل من يوم الشكّ مطلق يوم الشكّ، سواء كانآخر شعبان أو آخر رمضان، ويحتمل أن يكون المراد يوم الشكّ بين شعبانورمضان، أو بين رمضان وشوّال.
لكنّ الاحتمال الأخير بعيد؛ لأنّ يوم الشكّ وإن كان بحسب اللغة قابللانطباقه عليه، إلاّ أنّه في أذهان المتشرّعة ينصرف إلى اليوم الذي شكّ في