(صفحه108)
التنزيل(1).
هذا حاصل ما أفاده رحمهالله في الحاشية.
وذهب المحقّق الاصفهاني رحمهالله إلى أنّه يمكن دفع الإشكال بدلالة الاقتضاءالذي هو من أحكام العقل، فضلاً عن الملازمة العرفيّة، لأنّ التنزيل الأوّلـ أعني تنزيل مؤدّى الأمارة والمستصحب منزلة الواقع ـ لغو لو لم يكن هذالتنزيل الثاني، فلابدّ منه صوناً لكلام الحكيم عن اللغويّة(2).
وأمّا التضعيف فهو قوله رحمهالله في الكفاية:
وما ذكرنا في الحاشية في وجه تصحيح لحاظ واحد في التنزيل منزلة الواقعوالقطع ـ وأنّ دليل الاعتبار إنّما يوجب تنزيل المستصحب والمؤدّى منزلةالواقع وإنّما كان تنزيل القطع فيما له دخل في الموضوع بالملازمة بين تنزيلهموتنزيل القطع بالواقع تنزيلاً وتعبّداً منزلة القطع بالواقع حقيقةً ـ لا يخلو منتكلّف بل تعسّف، فإنّه لا يكاد يصحّ تنزيل جزء الموضوع(3) أو قيده بما هوكذلك بلحاظ أثره إلاّ فيما كان جزئه الآخر أو ذاته محرزاً بالوجدان أو تنزيلهفي عرضه، فلا يكاد يكون دليل الأمارة أو الاستصحاب دليلاً على تنزيلجزء الموضوع ما لم يكن هناك دليل على تنزيل جزئه الآخر فيما لم يكن محرزحقيقةً، وفيما لم يكن دليل على تنزيلهما بالمطابقة كما فيما نحن فيه على ما عرفتلم يكن دليل الأمارة دليلاً عليه أصلاً، فإنّ دلالته على تنزيل المؤدّى تتوقّفعلى دلالته على تنزيل القطع بالملازمة، ولا دلالة له كذلك إلاّ بعد دلالته علىتنزيل المؤدّى، فإنّ الملازمة إنّما(4) تدّعى بين تنزيل القطع به منزلة القطع
- (1) حاشية كتاب فرائد الاُصول: 8 ـ 9.
- (3) هذه الفقرة من كلام صاحب الكفاية تدلّ على أنّ كلامه في تنزيل الأمارة والاستصحاب منزلة القطعالمأخوذ جزء الموضوع، لا تمامه. منه مدّ ظلّه.
- (4) اختلفت نسخ الكفاية من هنا إلى آخر العبارة، واخترنا ما في «حقائق الاُصول» لسيّدنا الحكيم رحمهالله ، لكونهأجود من غيره. م ح ـ ى.
ج4
بالموضوع الحقيقي وتنزيل المؤدّى منزلة الواقع كما لا يخفى، فتأمّل جيّداً فإنّه ليخلو عن دقّة(1)، إنتهى.
وحاصل هذه العبارة المغلقة: أنّ التنزيل لا يكاد يصحّ إلاّ إذا كان للمنزّلأثر شرعي عملي، وحينئذٍ إذا كان الموضوع مركّباً كان الأثر مترتّباً علىمجموع الجزئين، فلا يصحّ تنزيل الجزء إلاّ إذا كان الجزء الآخر محرزبالوجدان أو بتنزيل في عرض هذا التنزيل، إمّا بشمول دليل واحد لكليهما(2)أو بدليلين، وأمّا إذا لم يكن كذلك، بل كان تنزيل الجزء الآخر بكشف الدليلالمنزّل للجزء الأوّل عنه بالملازمة ـ كما في المقام ـ فلا، للزوم الدور حينئذٍ فيمقام دلالة الدليل، لأنّ دلالته على تنزيل المشكوك منزلة الواقع مطابقةًتتوقّف على دلالته على تنزيل القطع بالواقع التعبّدي منزلة القطع بالواقعالحقيقي التزاماً، وهذه الدلالة تتوقّف على الاُولى؛ لأنّ الدلالة الالتزاميّة تابعةللدلالة المطابقيّة كما لا يخفى.
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
وذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى صحّة قيام الأمارات والاُصول التنزيليّة مقامالقطع الطريقي مطلقاً، ولو كان مأخوذاً في الموضوع(3)، وعدم صحّة قيامه
- (2) كما إذا كان في الحوض ماء كرّ، ثمّ شككنا في بقاء مائيّته وكرّيّته، فيعمّهما دليل الاستصحاب في عرضواحد. م ح ـ ى.
- (3) أراد بالقطع المأخوذ في الموضوع ما كان جزء الموضوع، لما عرفت من أنّه ذهب إلى استحالة أخذهتمامه، وفي مطاوي ما أجاب به عن إشكال صاحب الكفاية أيضاً قرينة على ذلك. م ح ـ ى.
(صفحه110)
مقام القطع الصفتي.
وأجاب عن إشكال صاحب الكفاية على قيامها مقام القطع الموضوعيالطريقي بقوله:
فإنّ ما ذكر مانعاً عن قيامها مقام القطع المأخوذ موضوعاً على وجهالطريقيّة ـ من استلزام الجمع بين اللحاظ الآليوالاستقلالي في لحاظ واحد ضعيف غايته، فإنّ الاستلزام المذكور مبنيّ على جعل المؤدّى الذي قد تبيّنفساده.
وأمّا على المختار: من أنّ المجعول في باب الطرق والأمارات هو نفسالكاشفيّة والمحرزيّة والوسطيّة في الإثبات، فيكون الواقع لدى من قامت عندهالطرق محرزاً كما كان في صورة العلم، والمفروض أنّ الأثر مترتّب على الواقعالمحرز، فإنّ ذلك هو لازم أخذ العلم من حيث الكاشفيّة موضوعاً، وبنفسدليل حجّيّة الأمارات والاُصول يكون الواقع محرزاً، فتقوم مقامه بلا التماسدليل آخر. وتركيب الموضوع من الواقع والإحراز ليس على حدّ الموضوعالمركّب من الأجزاء العرضيّة كالصلاة، فإنّ الأجزاء العرضيّة تحتاج إلى أنتكون كلّ منها محرزة بالوجدان، أو بالتعبّد، أو بعضها بالوجدان وبعضهبالتعبّد، ولا يكون إحراز أحد الأجزاء إحرازاً للآخر أو التعبّد بأحدهما تعبّدبالآخر، بل يحتاج كلّ منها إلى تعبّد مستقلّ أو إحراز مستقلّ.
وهذا بخلاف التركيب من الشيء وإحرازه، فإنّه بنفس إحراز ذلك الشيءيتحقّق كلا جزئي الموضوع ولا يحتاج إلى إحرازين أو تعبّدين، بل لا معنىلذلك، فلو فرض أنّ الشارع جعل الظنّ محرزاً للواقع فبنفس جعله يتحقّق كلجزئي الموضوع، ولا يحتاج إلى جعلين حتّى يقال: إنّه ليس في البين جعلان
ج4
والجعل الواحد لا يمكن أن يتكفّل كلا الجزئين لاستلزامه الجمع بين اللحاظالآلي والاستقلالي، حيث إنّ تنزيل الظنّ منزلة العلم باعتبار المؤدّى يرجع فيالحقيقة إلى تنزيل المظنون منزلة المعلوم، فيكون النظر إلى الظنّ والعلم نظرمرآتيّاً، وتنزيل الظنّ منزلة العلم باعتبار نفسه وبما أنّه جزء الموضوع يرجعفي الحقيقة إلى لحاظ الظنّ والعلم شيئاً بحيال ذاته، ويكون النظر إليهما نظراستقلاليّاً، ولا يمكن الجمع بين اللحاظين في جعل واحد، لا لمكان أنّه ليسهناك مفهوم عامّ يجمعهما، كما يقال: إنّ الجمع بين الشيئين في استعمال واحد ليمكن، لعدم الجامع بينهما، بل لمكان عدم إمكان الجمع بين اللحاظين، لتنافيهمذاتاً.
وهذا الإشكال قد كان دائراً على ألسنة أهل العلم من زمن الشيخ قدسسره إلىزماننا هذا، على ما حكاه شيخنا الاُستاذ.
وقد تبيّن أنّه لا موضوع لهذا الإشكال ولا محمول، فإنّ مبنى الإشكال هوتخيّل أنّ المجعول في باب الطرق والأمارات والاُصول هو المؤدّى وتنزيلهمنزلة الواقع، والخلط بين الحكومة الواقعيّة والحكومة الظاهريّة(1)، فيقال: إنّفي قيام الظنّ مقام العلم المأخوذ موضوعاً يحتاج إلى تنزيلين: تنزيل المظنونمنزلة المقطوع، وتنزيل الظنّ منزلة القطع، وأنت بعدما عرفت حقيقة المجعولفي باب الأمارات والاُصول ظهر لك أنّه ليس في البين تنزيل أصلاً، بلالشارع إنّما أعطى صفة المحرزيّة للظنّ، فيرتفع الإشكال من أصله(2).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
نقد ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله في المسألة
- (1) راجع لتوضيح ما أراده من الحكومة الواقعيّة والظاهريّة إلى فوائد الاُصول 3: 19.
(صفحه112)
وفيه: أنّه ليس للشارع بالنسبة إلى الأمارات جعل تأسيسي كي يبحث أنّالمجعول هل هو المؤدّى وتنزيله منزلة الواقع، أو الكاشفيّة والمحرزيّة؟
بل جميع الأمارات المعتبرة شرعاً طرق عقلائيّة(1) قد أمضاها الشارع، كمسيأتي توضيحه في محلّه.
وليس للعقلاء في باب الأمارات جعل وتنزيل كي يسأل عنهم عن أنّالمجعول في مثل خبر الثقة هل هو مؤدّاه أو كاشفيّته ومحرزيّته؟
بل إنّهم حينما رأوا أنّ حصر العمل بباب القطع يوجب اختلال النظام بنوعلى أن يعملوا بخبر الثقة وظواهر الجمل وغيرهما من الأمارات كما يعملونبالقطع من دون أن يكون في البين جعل وتنزيل.
وسيجيء أكثر توضيح لذلك في مبحث حجّيّة الظنّ إن شاء اللّه تعالى.
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله
ويمكن المناقشة فيما ذكره في الكفاية ردّاً على ما أفاده في الحاشية بأنّه لمحذور في التعبّد بأحد جزئي الموضوع المركّب مقدّماً على التعبّد بالجزءالآخر، لعدم كونه لغواً إذا كان لغرض ترتّب الأثر عليه بعد إحراز الجزءالآخر بالتعبّد الثاني، فإنّه نظير إحداث البناء الذي يشتغل البنّاء ببعضأجزائه مقدّماً على بعض آخر ليترتّب عليه الغرض المقصود بعد إتمامه، ولفرق فيما ذكرنا بين أن يكون تنزيل الجزئين بدليلين تقدّم صدور أحدهما علىالآخر، كما إذا قال: «ما كان حلالاً طاهراً جاز بيعه» حيث إنّ الحلّيّة مستفادةمن قاعدة والطهارة من قاعدة اُخرى، أو بدليل واحد وكان التقدّم والتأخّر
- (1) فإنّ بعض الأمارات العقلائيّة وإن كانت مردودة شرعاً، إلاّ أنّ كلّ ما اعتبره الشارع منها كان معتبراً عندالعقلاء. منه مدّ ظلّه.