ج4
فلو لم يكن الخبر الواحد حجّة حتّى فيما إذا كان راويه في أعلى درجاتالوثاقة، لكان اهتمام الأئمّة عليهمالسلام ببيان هذا النوع من الأحكام واهتمام أصحابهمبثبتها وضبطها أمراً لغواً بلا طائل، إذ قلّما يوجد خبر متواتر أو محفوف بقرينةقطعيّة، بل قلّما يوجد خبر منقول إلينا بواسطة البيّنة المركّبة من إثنين، فكانكثير من أسئلة أصحاب الأئمّة وأجوبتهم عليهمالسلام لأجل ثبتها في الكتب ونقلهولو بواسطة راوٍ واحد إلى مسلمي الأعصار المتأخِّرة.
فلاريب في أنّ هذا إمضاء عملي لبناء العقلاء على العمل بخبر الثقة، ولملزم لأن يكون الإمضاء في قالب اللفظ، بل يكفي فيه العمل الحاكي عنه.
والحاصل: أنّ سيرة العقلاء أهمّ دليل على حجّيّة خبر الثقة.
كفاية الوثاقة النوعيّة في الراوي
ثمّ هل يعتبر ثبوت وثاقة الراوي عند شخص العامل بالخبر، أو يكفيوثاقته عند العرف وأهل الخبرة(1) وإن لم يعلم شخصه بها؟
الظاهر هو الثاني، فإنّ العقلاء يعملون بخبر من أخبر ثقة من أهل الخبرةوالاطّلاع بوثاقته، وإن لم يعلموا بها، وكذلك الأمر في محيط الشرع، فإنّ سؤالأصحاب الأئمّة إيّاهم عليهمالسلام عن وثاقة بعض الرواة(2) كان بما أنّهم عليهمالسلام من أهلالاطّلاع والخبرة، لا بما أنّهم عليهمالسلام معصومون ويفيد قولهم العلم الشخصي.
نعم، لا أثر لتوثيق أهل الخبرة في موارد العلم الشخصي بعدم الوثاقة، فليشترط العلم بالوفاق، لكن يشترط عدم العلم بالخلاف.
قيمة التوثيقات العامّة
- (1) مثل علماء الرجال. م ح ـ ى.
- (2) كقول عبد العزيز بن المهتدي للرضا عليهالسلام : «أفيونس بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالمديني؟». وسائل الشيعة 27: 147، كتاب القضاء، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 33.
(صفحه338)
ثمّ الظاهر أنّه تثبت الوثاقة بالتوثيقات العامّة كما تثبت بالتوثيقات الخاصّة،فلافرق بين شهادة علماء الرجال ـ كالنجاشي ـ بوثاقة زرارة بن أعين وأبيبصير ومحمّد بن مسلم وأضرابهم بالخصوص، وبين شهادة جعفر بن قولويهبوثاقة جميع من وقع في أسانيد أحاديث كتابه «كامل الزيارات» أو شهادةعليّ بن إبراهيم القمي بوثاقة جميع من وقع في أسانيد روايات تفسيره،فيحكم بوثاقة كلّ من كان في أسانيد أخبار هذين الكتابين، وإن لم يذكر فيكتب الرجال بمدح ولا ذمّ.
والتوثيق الخاصّ وإن كان أقوى دلالةً من التوثيق العامّ، إلاّ أنّه لا يوجبعدم ترتّب الأثر على الثاني، كما أنّ قول المولى: «أكرم زيداً العالم» يكونأقوى ظهوراً من قوله: «أكرم كلّ عالم» في دلالته على وجوب إكرام زيد، لكنوجوب إكرامه يثبت بالثاني أيضاً كالأوّل.
نعم، ثبوت الوثاقة بالتوثيق العامّ مشروط بعدم الجرح الصريح من قبلعلماء الرجال، فإن اشتمل أسانيد تفسير القمي مثلاً على شخص ضُعِّفصريحاً في كتب الرجال يحكم بضعفه لا بوثاقته، كما أنّه لا يحكم بوجوبإكرام زيد باستناد قول المولى: «أكرم كلّ عالم» إذا قال في دليل آخر: «لتكرم زيداً العالم»، لتقدّم الخاصّ على العامّ.
عدم حجّيّة الخبر الواحد في الموضوعات
ثمّ لا يخفى عليك أنّ حجّيّة الخبر الواحد تختصّ بالأحكام ولا تعمّالموضوعات، لا لأجل نقص في سيرة العقلاء، فإنّهم يعملون بخبر الثقة فيالموضوعات كما يعملون به في الأحكام، بل لردع الشارع عنه، فإنّه جعلالبيّنة طريقاً إلى الموضوعات، وهي خبر واحد مشتمل على خصوصيّتين:
ج4
إحداهما: تعدّد المخبر، الثانية: عدالته التي هي فوق الوثاقة، فاعتبار البيّنة فيالموضوعات يكون بمعنى ردع حجّيّة الخبر الواحد فيها، إذ لا معنى لجعلخصوص البيّنة طريقاً إلى الموضوعات لو كان صرف خبر الثقة ـ وإن لم يكنمتعدّداً ولا عادلاً ـ حجّة فيها.
نعم، يمكن أن تثبت الموضوعات باُمور اُخر أيضاً، كالاستصحاب الذيليس من سنخ الخبر الواحد، وقول صاحب المنزل، وإخبار ذي اليد.
هذا تمام الكلام في الخبر الواحد، وحاصله: أنّه حجّة في الأحكام دونالموضوعات.
ثمّ إنّ الاُصوليّين أقاموا وجوهاً لإثبات حجّيّة مطلق الظنّ، ووقع بينهمأبحاث طويلة حولها، لكن ينبغي الإضراب عنها؛ لأنّ أهمّها هو الدليلالمعروف بدليل الانسداد، وله مقدّمات، منها: انسداد باب العلم والعلميإلىكثير من التكاليف الإلهيّة، ولا مجال لهذه المقدّمة بعد إثبات حجّيّة الخبرالواحد، لورود أخبار كثيرة معتبرة مثبتة للتكاليف، فباب العلم إليها وإن كانمنسدّاً، إلاّ أنّ باب العلمي مفتوح، فلا يتمّ دليل الانسداد، فضلاً عن سائرالوجوه التي أقاموها لإثبات حجّيّة مطلق الظنّ.
هذا تمام الكلام في مباحث الظنّ.
(صفحه340)
المقصد السابع
في الاُصول العمليّة
ج4