(صفحه264)
ليكون من الكبرى الكلّيّة التي يتعدّى عن موردها، فإنّ المراد من قوله: «فإنّالمجمع عليه لاريب فيه» إن كان هو الإجماع المصطلح فلا يعمّ الشهرةالفتوائيّة، وإن كان المراد منه المشهور فلا يصحّ حمل قوله عليهالسلام : «ممّا لا ريبفيه» عليه بقول مطلق، بل لابدّ من أن يكون المراد منه عدم الريب بالإضافةإلى ما يقابله، وهذا يوجب خروج التعليل عن كونه كبرى كلّيّة، لأنّه يعتبر فيالكبرى الكلّيّة صحّة التكليف بها ابتداءً بلا ضمّ المورد إليها، كما في قوله:«الخمر حرام لأنّه مسكر» فإنّه يصحّ أن يُقال: «لا تشرب المسكر» بلا ضمّالخمر إليه، والتعليل الوارد في المقبولة لا ينطبق على ذلك؛ لأنّه لا يصحّ أنيقال: «يجب الأخذ بكلّ ما لا ريب فيه بالإضافة إلى ما يقابله» وإلاّ لزمالأخذ بكلّ راجح بالنسبة إلى غيره وبأقوى الشهرتين وبالظنّ المطلق، وغيرذلك من التوالي الفاسدة التي لا يمكن الالتزام بها، فالتعليل أجنبيّ عن أنيكون من الكبرى الكلّيّة التي لا(1)يصحّ التعدّي عن مورده(2)، إنتهى كلامه.
نقد ما أورده المحقّق النائيني رحمهالله على التعليل
ويمكن أن يُجاب عنه بأنّ التعليل يفيد الكبرى الكلّيّة ويجوز التعدّي عنمورده من دون أن يترتّب عليه ما ذكره من التوالي الفاسدة، وذلك لأنّلا نسلّم أن يكون المراد بـ «عدم الريب» في التعليل عدم الريب الإضافي، بلعدم الريب المطلق.
لكن ليس المراد منه عدم الريب بحسب نظر العقل كي لا يتحمّل احتمالالخلاف أصلاً، بل المراد عدم الريب عرفاً بحيث يعدّ طرفه الآخر شاذّاً نادراً ل
- (1) الظاهر زيادة كلمة «لا» كما قال المصحّح. م ح ـ ى.
- (2) فوائد الاُصول 3: 154.
ج4
يعبأ به عند العقلاء، فإنّ العرف يعامل مع الاطمئنان معاملة العلم واليقينويعدّه ممّا لاريب فيه، ولهذا عدّ مثل تلك الشهرة بالمجمع عليه بين الأصحاب،لعدم الاعتداد بالقول المخالف الشاذّ، وهذا غير موجود في الموارد التيعدّها رحمهالله ، فإنّ ما ذكره من الموارد ليس ممّا لا ريب فيه عند العرف بحيث صارالطرف المقابل أمراً غريباً غير معتنى به.
وبالجملة: كلّ ما لا ريب فيه عند العرف، وكان العقلاء لا يعتنون باحتمالخلافه يجب الأخذ به، ولا شبهة في عدم ورود النقوض والتوالي الفاسدة التيذكرها عليه، فإنّ صرف الرجحان وأقوى الشهرتين وصرف الظنّ لا يعدّ ممّلاريب فيه عرفاً ما لم يصل إلى حدّ الاطمئنان.
هذا، ولكنّ الإنصاف أنّ لفظ «المجمع عليه» في التعبير الثاني أيضاً ظاهر في«الرواية المشهورة» كالتعبير الأوّل، ولو لم يكن ظاهراً فيها فلا يكاد ينبغيإنكار عدم ظهوره في خلافها، فلا نسلّم أن تكون «ال» مشيرة إلى الرواية فيالفقرة الاُولى، ومفيدة للعموم في الفقرة الثانية.
وحاصل جميع ما تقدّم: أنّ الشهرة في المقبولة إن كانت الشهرة الروائيّةفلاتعمّ الشهرة الفتوائيّة أصلاً، وأمّا بناءً على ما استظهرناه من أنّها هي شهرةالرواية من حيث العمل والفتوى فتدلّ على حجّيّة الشهرة بين القدماء دونالمتأخّرين.
هذا تمام الكلام في مقبولة عمر بن حنظلة التي قد عرفت أنّها هي العمدةمن بين ما استدلّ به في المسألة.
وأمّا «مرفوعة زرارة»(1) فلا ظهور لها في اعتبار الشهرة في الفتوى، لكونه
- (1) وهي ما رواه العلاّمة مرفوعاً إلى زرارة بن أعين، قال: سألت الباقر عليهالسلام فقلت: جعلت فداك، يأتي عنكمالخبران أو الحديثان المتعارضان، فبأيّهما آخذ؟ قال عليهالسلام : «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر».الحديث. مستدرك الوسائل 17: 303، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.
(صفحه266)
فاقدة للتعليل.
كما أنّ توهّم دلالة أدلّة الخبر الواحد عليه بالفحوى، لكون الظنّ الذيتفيده أقوى ممّا يفيده الخبر فيه ما لا يخفى، لما ذكره المحقّق الخراساني رحمهالله (1) منأنّ أدلّة حجّيّة الخبر الواحد لا تدلّ على كون مناط اعتباره إفادته الظنّ،غايته تنقيح ذلك بالظنّ، وهو لا يوجب إلاّ الظنّ بأنّ الشهرة الفتوائيّة أولىبالاعتبار، ولا اعتبار بالظنّ ما لم يقم دليل على اعتباره.
- (1) راجع كفاية الاُصول: 336.
ج4
في الخبر الواحد
الفصل الرابع: في الخبر الواحد
البحث عن حجّيّة الخبر الواحد من أهمّ المسائل الاُصوليّة، لابتناء كثيرمن الفروع الفقهيّة عليها.
وقبل الورود في البحث ينبغي تقديم اُمور:
الأوّل: أنّ محلّ النزاع هو الخبر الذي لم يكن محفوفاً بشيء من القرائنالموجبة للقطع.
الثاني: أنّ البحث يعمّ الخبر المستفيض ـ الذي فسّروه بما كان رواته أكثرمن اثنين أو من ثلاثة ولم يبلغوا حدّ التواتر ـ سواء قلنا بكونه قسماً من الخبرالواحد أو قسيماً له وللمتواتر، إذ لا فرق في ملاك البحث عن حجّيّة الخبرالواحد ـ وهو عدم إفادة القطع ـ بين المستفيض وغيره.
كون المسألة اُصوليّة
الثالث: أنّ البحث عن حجّيّة الخبر الواحد مسألة اُصوليّة، لأنّ الملاكفي كون المسألة اُصوليّة أن تقع نتيجتها كبرى قياس الاستنباط،والمقام من هذا القبيل، فإنّا إذا أثبتنا هاهنا حجّيّة خبر الثقة ودلّخبر زرارة مثلاً على وجوب صلاة الجمعة نشكّل قياساً يثبت به وجوبصلاة الجمعة.
(صفحه268)
ولا يلزم في اُصوليّة المسألة أن يكون موضوعها من مصاديق الأدلّةالأربعة. وأمّا من ذهب إلى أنّ موضوع علم الاُصول هو «الأدلّة الأربعة»فاستشكل عليهم بأنّ البحث عن حجّيّة الخبر الواحد ليس بحثاً عن عوارضالأدلّة الأربعة، مع أنّ «موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة».
فوقعوا في تكلّفات لإدراج البحث عن حجّيّة الخبر الواحد في علمالاُصول:
نظريّة صاحب الفصول رحمهالله في المقام ونقده
فصاحب الفصول رحمهالله ذهب إلى أنّا نبحث هاهنا عن دليليّة «الخبرالواحد»(1) والبحث عن دليليّة الدليل بحث عن أحوال الدليل.
ويرد عليه ما ذكره المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّ البحث في المسألة ليس عندليليّة الأدلّة، بل عن حجّيّة الخبر الحاكي عنها(2).
كلام الشيخ الأنصاري رحمهالله ونقده
وقال الشيخ الأعظم رحمهالله :
مرجع هذه المسألة إلى أنّ السنّة ـ أعني قول الحجّة أو فعله أو تقريره ـ هلتثبت بخبر الواحد أم لا تثبت إلاّ بما يفيد القطع من التواتر والقرينة(3)؟ إنتهىموضع الحاجة من كلامه.
وناقش فيه المحقّق الخراساني رحمهالله بقوله:
- (1) فالبحث عن حجّيّة «الخبر الواحد» هو البحث عن عوارض السنّة الحاكية على رأي صاحب الفصول رحمهالله ،بخلاف ما سيأتي من كلام الشيخ الأعظم رحمهالله ، فإنّه جعل البحث في السنّة المحكيّة. م ح ـ ى.
- (3) فرائد الاُصول 1: 238.