(صفحه448)
فيجتنب، وأمر مشكل يردّ علمه إلى اللّه وإلى رسوله».
وانقدح جوابه ممّا سبق في جواب الطائفة الاُولى من الأخبار، فإنّالاُصولي لا يقول بالإباحة الواقعيّة في الشبهات التحريميّة البدويّة، بل يقولبإباحتها الظاهريّة باستناد الحجّة الشرعيّة، فلا يصدق عليها «الأمر المشكل».
ب ـ ما نقله عليهالسلام عن النبيّ صلىاللهعليهوآله بقوله: قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : «حلال بيّن وحرامبيّن وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ومن أخذبالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم».
وظهر جوابه أيضا ممّا تقدّم آنفا في جواب خبري الصدوق وسلام بنالمستنير، من أنّ هذا النوع من الأحاديث يأمرنا بترك الشبهات لأجلالتسهيل على ترك المحرّمات المعلومة، فلابدّ من حمله على الاستحباب، لعدموجوب تحصيل التسهيل عليه، ضرورة أنّه لا يمكن الالتزام بتوجّه حكمينإلزاميّين على المكلّف: أحدهما يقتضي ترك الحرام الواقعي، والآخر يقتضيسهولة تركه.
ج ـ ما ورد في ذيل الحديث من قوله عليهالسلام : «إذا كان ذلك فأرجه حتّى تلقىإمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات».
ومورد هذه الفقرة من الحديث صورة تمكّن المكلّف من التشرّف بحضورالإمام المعصوم عليهالسلام وحصول العلم بحكم الواقعة، مع أنّ النزاع إنّما هو فيالشبهات الحكميّة التحريميّة التي لا يتمكن المكلّف من تحصيل العلم فيموردها.
على أنّ هذه المقبولة مبتلاة بالمعارض، حيث إنّها تدلّ في مورد تساويالخبرين من جميع الجهات على لزوم الإرجاء والتأخير إلى لقاء الإمام عليهالسلام وبعض الروايات تدلّ على أنّ علاجهما هو التخيير.
ج4
هذا تمام الكلام في أحاديث الاحتياط، وقد عرفت المناقشة في جميعها.
(صفحه450)
ج4
البحث حول حكم العقل بالاحتياط
وممّا استدلّ به الأخباريّون في المقام هو دليل العقل، ويمكن تقريبهبوجوه:
الاءوّل: «أصالة الحظر»:
وهي أنّ العقل يحكم بكون الأشياء غير الضروريّة على الحظر ما لميأذن الشارع في التصرف فيها(1)، فإنّ الإنسان عبد مملوك على الإطلاق،وقال اللّه تعالى: «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدا مَمْلُوكا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ»(2)فإذا اقتضت الملكيّة الاعتباريّة أن لا يقدر المملوك على التصرّف فيشيء حتّى في نفسه بدون إذن مالكه، فالملكيّة الحقيقيّة كانت مقتضيةلذلك بطريق أولى، فلا يجوز شرب التتن مثلاً ما لم يحرز إذن الشارع فيه،لأنّه تصرّف في ملكه، ولا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلبإذنه(3).
ردّ الاستدلال بـ «أصالة الحظر» على الاحتياط
- (1) وأمّا الأشياء الضروريّة فلا يحتاج الحكم بإباحتها إلى إذن الشارع، كالتنفّس وأكل الطعام وشرب الماءونحوها. منه مدّ ظلّه توضيحا لكلام الأخباريّين.
- (3) كما هو مفاد بعض الأخبار. فراجع وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، الباب 3 من أبواب الأنفال وميختصّ بالإمام، الحديث 7.
(صفحه452)
وفيه أوّلاً: أنّه مسألة خلافيّة، فإنّ جماعة من العقلاء يعتقدون بأصالةالإباحة العقليّة، بتقريب أنّ اللّه تعالى إذا خلق الإنسان كان جميع أفعالهوحركاته وسكناته حلالاً إلاّ ما قام الدليل على حرمته، فالذي يحتاجإلىالبيان هو الحرمة لا الجواز.
وثانيا: أنّ القائل بالبرائة يدّعي ورود الدليل على الترخيص في مواردالشبهة، وهو ما تقدّم من الآيات والروايات الدالّة على الإباحة الظاهريّة.
الثاني: «لزوم دفع الضرر المحتمل» :
توضيحه: أنّ المراد بـ «الضرر» في هذه القاعدة هو خصوص العقوبةالاُخرويّة، لأنّه لو اُريد منه خصوص الضرر الدنيوي أو الأعمّ منه ومنالعقاب الاُخروي لأنكرنا القاعدة من الأساس، إذ لا دليل على حكم العقلبلزوم دفع الضرر المحتمل الدنيوي(1).
فتقريب هذا الوجه من الدليل العقلي أنّ العقل يحكم بلزوم دفع العقابالمحتمل.
إن قلت: هاهنا قاعدة اُخرى، وهي حكم العقل بـ «قبح العقاب بلابيان»فكيف التوفيق بينهما؟
قلت: حكم العقل بـ «لزوم دفع الضرر المحتمل» وارد على هذه القاعدة،لأنّ المراد بـ «البيان» فيها أعمّ من البيان الشرعي والعقلي، وقاعدة «لزوم دفعالضرر المحتمل» بيان عقلي رافع لموضوع قاعدة «قبح العقاب بلابيان».
ردّ الاستدلال بقاعدة «لزوم دفع الضرر المحتمل» على الاحتياط
- (1) بل الضرر المتيقّن الدنيوي لا يجب دفعه، فضلاً عمّا إذا كان محتملاً، ولذلك لانحكم بوجوب الاجتنابعن التدخين، مع أنّ فيه ضررا ماليّا مقطوعا، وجسميّا محتملاً. منه مدّ ظلّه.