عليه، مع أنّ مخالفة النذر ليست أمرا وجوديّا، بل هى تتحقّق في ضمن تركشرب ماء الفرات كما تقدّم(1).
وثالثا: أنّك قد عرفت أنّ قوله صلىاللهعليهوآله : «رفع النسيان» يكون بمعنى «رفعما نسوا»وأمّا قوله: «مضافا إلى أنّ الأثر المترتّب على السورة ليس هو إلاّ الإجزاءوصحّة العبادة».
فالرفع يتعلّق بالجزء المنسيّ بلحاظ أثره الشرعي الذي هو الجزئيّة، ورفعالجزئيّة يستلزم عقلاً الإجزاء وصحّة العبادة الفاقدة لذلك الجزء.
و بهذا انقدح الجواب عن الإشكال الثالث، فإنّ أثر الجزء المنسيّ، المرفوعبحديث الرفع هو الجزئيّة لا الإجزاء والصحّة كي يقتضي عدم الإجزاء وفسادالعبادة وينافي الامتنان وينتج عكس المقصود.
حديث الرفع بمثل حديث «لاتعاد» الذي يدلّ على بطلان الصلاة ولزومإعادتها في موارد نسيان الأجزاء الركنيّة.
نعم، لو لم يكن حديث «لاتعاد» لتمسّكنا بحديث الرفع في جميع أجزاءالصلاة وحكمنا بصحّتها في موارد نسيان الجزء، سواء كان ركنا أو غير ركن.
وأمّا قوله: «إنّه لم يعهد من الفقهاء التمسّك بحديث الرفع لصحّة الصلاةوغيرها من سائر المركّبات».
ففيه: أنّ كثيرا من أكابر الفقهاء ـ كالشيخ الأنصاري والعلاّمة والمحقّقوغيرهم ـ تمسّكوا في موارد نسيان الجزء والشرط بحديث الرفع، فدعوىعدم كونه معهودا بينهم غير صحيح.
هل يعمّ الحديث الإكراه على فعل الحرام أو ترك الواجب أم لا؟
هاهنا مقامان من البحث:
الأوّل: في الإكراه على ترك الواجب أو فعل الحرام من الأحكام التكليفيّة.
الثاني: في الإكراه على إيجاد المانع أو ترك الجزء أو الشرط في العبادات.
كلام المحقّق العراقي رحمهالله في المقام الأوّل
أمّا المقام الأوّل: فقد ذهب المحقّق العراقي رحمهالله إلى عدم جريان فقرة «ماُكرهوا عليه» في الأحكام التكليفيّة، حيث قال:
و الظاهر اختصاص مجرى «الرفع» في هذا العنوان بباب المعاملات بالمعنىالأخصّ، بعكس «الرفع» في عنوان «الاضطرار» فلا يجري في التكليفيّات منالواجبات والمحرّمات، لأنّ الإكراه على الشيء يصدق بمجرّد عدم الرضا وعدمطيب النفس بإيجاده، ولذا يصدق عنوان الإكراه على المعاملة بمجرّد التوعيدعلى تركها ولو بأخذ مال يسير لا يكون تحمّله حرجيّا عليه، حتّى مع إمكان
(صفحه392)
التفصّي بالتورية ونحوها، كما هو ظاهر النصوص والأصحاب.
ومن المعلوم بداهة عدم كفاية ذلك في تسويغ ترك الواجبات ما لم ينته إلىالمشقّة الشديدة الموجبة للعسر والحرج فضلاً عن الاقتحام في ارتكابالمحرّمات التي لا يسوّغها إلاّ الاضطرار.
ومن هنا لم يلتزم أحد بجواز ترك الواجب بمطلق الإكراه عليه ولو لم يبلغإلى حدّ الحرج.
نعم، لو بلغ الإكراه إلى حدّ الحرج جاز ذلك، ولكنّه حينئذٍ من جهة«الحرج» لا الإكراه.
بخلاف باب المعاملات، حيث إنّ بنائهم فيها على كفاية مطلق الإكراه علىالمعاملة، ولو بإيعاد ضرر يسير على تركها في فساد المعاملة(1)، إنتهى موضعالحاجة من كلامه رحمهالله .
وحاصله: أنّ الإكراه على ترك الواجبات قد يبلغ حدّ المشقّة الشديدةالموجبة للعسر والحرج، فيجوز لأجل صدق «الحرج» عليه المنفيّ فيالشريعة، لا لأجل صدق «الإكراه» المرفوع في الرواية، وقد لا يبلغ ذلك، فليكفي صرف الإكراه في تسويغ ترك الواجبات.
وكذلك الأمر في الإكراه على فعل المحرّمات، فإنّه قد يبلغ حدّ الاضطرار،فيدخل تحت عنوان «رفع ما اضطرّوا إليه» وقد لا يبلغ ذلك، فلا يكفي مجرّدالإكراه في جوازها.
نقد ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله في المقام
وفيه أوّلاً: أنّ في الفتاوى وكذلك في الروايات شواهد على جريان حديث
- (1) نهاية الأفكار 3: 224.
ج4
الرفع بلحاظ فقرة «ما اُكرهوا عليه» في موارد الإكراه على ترك الواجباتوفعل المحرّمات.
أمّا الفتاوى: فمنها: ما جاء في كلمات الفقهاء من أنّ الزوج إذا أكره زوجتهالصائمة في شهر رمضان على الجماع فلا تجب عليها الكفّارة، مع أنّه لو لالإكراه لوجبت عليها، لحرمة الجماع على الصائم كما لا يخفى.
ومنها: ما جاء في كلماتهم من أنّ المرأة العفيفة إذا اُكرهت على الزنا فلميكنفعلها حراما، ولم يترتّب عليه وجوب الحدّ.
وأمّا الروايات: فقد ورد في بعضها أنّ قول رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : «رفع ما اُكرهوعليه» ناظر إلى قوله تعالى ـ في الآية 106 من سورة النحل ـ : «إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَوَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمَانِ»(1).
واستفاضت الأخبار على أنّ هذه الآية نزلت في «عمّار» الذي اُكره علىسبّ النبيّ والبرائة منه صلىاللهعليهوآله (2).
- (1) راجع وسائل الشيعة 16: 218، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الباب 25 من أبواب الأمروالنهي وما يناسبهما، الحديث 10.
- (2) ففي الدرّ المنثور 4: 248: «وأخرج عبد الرزّاق وابن سعد وابن جرير وابن أبيحاتم وابنمردويهوالحاكم و صحّحه، والبيهقي في الدلائل من طريق أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار، عن أبيه قال: أخذالمشركون عمّار بن ياسر فلم يتركوه حتّى سبّ النبيّ صلىاللهعليهوآله وذكر آلهتهم بخير، ثمّ تركوه، فلمّا أتى رسولاللّه صلىاللهعليهوآله قال: شرّ ما تركت حتّى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنّبالإيمان، قال: إن عادوا فعد، فنزلت «إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمَانِ».
- وفي مجمع البيان 6: 387: «قيل: نزلت قوله: «إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمَانِ» في جماعة اُكرهوا،وهم عمّار، وياسر أبوه، واُمّه سميّة، وصهيب، وبلال، وخبّاب، عذّبوا وقتل أبوعمّار واُمّه، وأعطاهم عمّاربلسانه ما أرادوا منه، ثمّ أخبر سبحانه بذلك رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فقال قوم: كفر عمّار، فقال صلىاللهعليهوآله : كلاّ، إنّ عمّارمليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه، وجاء عمّار إلى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وهو يبكي،فقال صلىاللهعليهوآله : ما ورائك؟ فقال: شرّ يا رسولاللّه، ما تركت حتّى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، فجعل رسولاللّه صلىاللهعليهوآله يمسح عينيه ويقول: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت، فنزلت الآية، عن ابن عبّاس وقتادة».
وفي وسائل الشيعة 16: 230، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الباب 29 من أبواب الأمروالنهي وما يناسبهما، الحديث 13: «عن عبداللّه بن عجلان، عن أبيعبداللّه عليهالسلام قال: سألته فقلت له: إنّالضحّاك قد ظهر بالكوفة، و يوشك أن ندعى إلى البرائة من عليّ عليهالسلام ، فكيف نصنع؟ قال: فابرأ منه، قلت:أيّهما أحبّ إليك؟ قال: أن تمضوا على ما مضى عليه عمّار بن ياسر، اُخذ بمكّة، فقالوا له: ابرأ من رسولاللّه صلىاللهعليهوآله فبرأ منه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ عذره: «إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمَانِ».م ح ـ ى.