في حكم العقل بالبرائة
الاستدلال بحكم العقل على البرائة
وأمّا العقل:
فهي قاعدة «قبح العقاب بلابيان».
ولابدّ من ملاحظة جهات ثلاث حول هذه القاعدة ليتّضح الأمر:
أ ـ أنّها هل تكون قاعدة مستقلّة عقليّة أو من توابع مسألة «قبح الظلم»؟
ب ـ أنّ هذه القاعدة هل هي متعارضة مع قاعدة «لزوم دفع الضررالمحتمل» أو هما تختلفان بحسب المورد؟
ج ـ أنّ أدلّة الاحتياط ـ على فرض تماميّتها سندا وجريانها في الشبهاتالبدويّة التي هي مجرى البرائة دلالةً ـ هل تتقدّم على قاعدة «قبح العقاب بلبيان» أو يقع التعارض بينهما؟
البحث حول كون «قبح العقاب بلابيان» قاعدة عقليّة مستقلّة
أمّا الجهة الاُولى: فلا إشكال ولا كلام في أنّ المكلّف لو وقع في مخالفةتكليف لم يصل إليه سواء لم يبيّنه المولى أو بيّنه ولم يصل بيانه إلى المكلّف بعدالفحص التامّ عنه في مظانّها لقبح على المولى عقابه، فالمراد من القاعدة هو«قبح العقاب بلابيان واصل» وهذه قاعدة عقليّة مسلّمة اتّفق عليهالاُصوليّون والأخباريّون، وذلك لعدم كون العبد مقصّرا في عدم حصول
(صفحه428)
غرض المولى إذا فحص عن التكليف في جميع مظانّه ولم يطّلع عليه. إنّما الكلامأوّلاً: في أنّ حكم العقل بـ «قبح العقاب بلابيان» هل هو قاعدة مستقلّة أو منشئون مسألة «قبح الظلم»، وثانيا: أنّ ما هو المهمّ من البحث في مسألة البرائةهل يرتبط بقاعدة «قبح العقاب بلابيان» أو بقاعدة عقليّة اُخرى؟
كلام المحقّق الاصفهاني رحمهالله في ذلك
قال المحقّق الاصفهاني رحمهالله في حاشيته الدقيقة على الكفاية:
توضيح المقام: أنّ هذا الحكم العقلي حكم عقلي عملي بملاك التحسينوالتقبيح العقليّين، وقد بيّنا في مباحث القطع والظنّ مرارا أنّ مثله مأخوذ منالأحكام العقلائيّة التي حقيقتها ماتطابقت عليه آراء العقلاء حفظا للنظاموإبقاءً للنوع، وهي المسمّاة بالقضايا المشهورة المعدودة في الصناعات الخمسمن علم الميزان، ومن الواضح أنّ حكم العقل بـ «قبح العقاب بلابيان» ليسحكما عقليّا عمليّا منفردا عن سائر الأحكام العقليّة العمليّة، بل هو من أفرادحكم العقل بقبح الظلم عند العقلاء، نظرا إلى أنّ مخالفة ما قامت عليه الحجّةخروج عن زيّ الرقّيّة ورسمالعبوديّة، وهو ظلم من العبد على مولاه،فيستحقّ منه الذمّ والعقاب، كما أنّ مخالفة ما لم تقم عليه الحجّة ليست منأفراد الظلم، إذ ليس من زيّ الرقّيّة أن لا يخالف العبد مولاه في الواقع وفينفس الأمر، فليس مخالفة ما لم تقم عليه الحجّة خروجا عن زيّ الرقّيّة حتّىيكون ظلما، وحينئذٍ فالعقوبة عليه ظلم من المولى على عبده، إذ الذمّ على ملا يذمّ عليه والعقوبة على ما لا يوجب العقوبة عدوان محض وإيذاء بحتبلاموجب عقلائي، فهو ظلم، والظلم بنوعه يؤدّي إلى فساد النوع واختلالالنظام، وهو قبيح من كلّ أحد بالإضافة إلى كلّ أحد ولو من المولى إلى عبده،