(صفحه202)
الشريعة.
ب ـ أنّه قد انسدّ علينا باب العلم والعلمي إلى كثير منها.
ج ـ أنّه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرّض لامتثالها أصلاً.
د ـ أنّه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا، بل لا يجوز فيما إذا كانموجباً لاختلال النظام.
هـ ـ أنّ الإطاعة الوهميّة أو الشكّيّة مع التمكّن عن الظنّيّة قبيحة، لكونهترجيحاً للمرجوح على الراجح.
فيستقلّ العقل حينئذٍ بلزوم الإطاعة الظنّيّة لتلك التكاليف المعلومة.
وهذا عبارة اُخرى عن الاحتياط في بعض موارد احتمال التكليف، فإنّالعقل ـ بعد أن حكم في المقدّمة الرابعة بعدم وجوب الاحتياط التامّ في أطرافالعلم الإجمالي لسعة دائرتها واستلزام الاحتياط في جميعها العسر والحرجواختلال النظام ـ التجأ إلى التبعيض في الاحتياط، فحكم بلزوم العملبالموارد المظنونة وترك الموارد المشكوكة والموهومة.
فلايصحّ إطلاق الحجّة على الظنّ المطلق على تقدير الحكومة، لتكونشاهداً على عدم الملازمة بين حرمة إسناد مطلق الظنّ إلى اللّه تعالى وبين عدمحجّيّته.
ومنها: ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله من أنّ الشكّ في الحكم قبل الفحص حجّة،ومع ذلك يحرم إسناد ذلك الحكم المشكوك إلى اللّه تعالى.
توضيح ذلك: أنّ جواز التمسّك بأصالة البراءة في الشبهات الحكميّةمشروط بالفحص عن الدليل واليأس عن الظفر به، لأنّ من التفت إلى حكموشكّ فيه فإن تمسّك بأصالة البراءة بلا فحص كان الشكّ حجّة، بمعنى أنّ ذلكالحكم المشكوك يتنجّز عليه إذا كان ثابتاً في الواقع، لكن لا يجوز إسناده إلى
ج4
اللّه تعالى، فلا ملازمة بين حرمة التعبّد بشيء وعدم حجّيّته(1).
ومنها: ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله أيضاً، من أنّ وجوب الاحتياط فيالشبهات البدويّة ـ لو قلنا به كالأخباريّين ـ كان حجّة منجّزاً للحرمة الواقعيّةعلى تقدير ثبوتها، ومع ذلك لا يجوز الحكم بأنّ ما تركناه باستناد أصالةالاحتياط حرام شرعاً(2).
ويرد عليه أيضاً أنّ الشكّ ليس بحجّة إلاّ تسامحاً وبعنوان الوصف بحالمتعلّق الموصوف، فإنّ الحجّة واقعاً هو العلم الإجمالي بوجود تكاليف لزوميّة،فلولا هذا العلم الإجمالي لما كان الشكّ حجّة منجّزاً للواقع، لا قبل الفحصعن الدليل ولا بعده.
إن قلت: هذا يستلزم أن لا يجوز التمسّك بالبراءة حتّى بعد الفحص، لتنجّزالحكم بالعلم الإجمالي من دون فرق بين صورتي الفحص وعدمه.
قلت: نعم، ولكنّ المؤمّن الشرعي من العقوبة بالنسبة إلى ما بعد الفحصموجود لو انجرّ أصالة البراءة إلى مخالفة الحكم الواقعي.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى حجّيّة إيجاب الاحتياط(3).
والحاصل: أنّ هذه النقوض ـ التي تمسّك بها المحقّق الخراساني والعراقيلإثبات عدم الملازمة بين حرمة إسناد مؤدّى الأمارات المشكوكة إلى اللّهسبحانه وبين عدم حجّيّتها ـ كلّها مخدوشة.
نعم، يكفي في إبطال ما ذكره الشيخ الأعظم رحمهالله صرف الشكّ في الملازمةالمذكورة كما أشرنا إليه.
- (1) ما وجدناه في تقريرات بحثه الذي ألّفه الشيخ محمّد تقي البروجردي وسمّاه «نهاية الأفكار». م ح ـ ى.
- (2) نهاية الأفكار 3: 80 .
- (3) فإنّ الاحتياط لا يجب إلاّ إذا كان الشكّ في الحكم مسبوقاً بالعلم الإجمالي بوجود أحكام إلزاميّة ولمينحلّ إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي بالظفر إلى عدّة منها من طريق العلم والعلمي. م ح ـ ى.
(صفحه204)
البحث حول استصحاب عدم الحجّيّة
2ـ أنّ الأصل عدم الحجّيّة وعدم وقوع التعبّد به وإيجاب العمل به.
ناقش فيه الشيخ الأعظم رحمهالله بقوله:
وفيه: أنّ الأصل وإن كان ذلك إلاّ أنّه لا يترتّب على مقتضاه شيء، فإنّحرمة العمل بالظنّ يكفي في موضوعها عدم العلم بورود التعبّد، من غيرحاجة إلى إحراز عدم ورود التعبّد به ليحتاج في ذلك إلى الأصل ثمّ إثباتالحرمة.
والحاصل: أنّ أصالة عدم الحادث إنّما يحتاج إليها في الأحكامالمترتّبة على عدم ذلك الحادث، وأمّا الحكم المترتّب على عدمالعلم بذلك الحادث فيكفي فيه الشكّ، ولا يحتاج إلى إحراز عدمهبحكم الأصل.
وهذا نظير قاعدة الاشتغال الحاكمة بوجوب اليقين بالفراغ، فإنّه لا يحتاجفي إجرائها إلى إجراء أصالة عدم فراغ الذمّة، بل يكفي فيها عدم العلمبالفراغ(1)، إنتهى كلامه.
كلام المحقّق الخراساني رحمهالله حول استصحاب عدم الحجّيّة
وناقش فيه المحقّق الخراساني رحمهالله في حاشيته على الرسائل بوجهين، حيثقال:
قلت: الحجّيّة وعدمها وكذا إيجاب التعبّد وعدمه بنفسهما ممّا يتطرّق إليهالجعل وتناله يد التصرّف من الشارع، وما كان كذلك يكون الاستصحاب فيه
- (1) فرائد الاُصول 1: 127.
ج4
جارياً، كان هناك أثر شرعي يترتّب على المستصحب أو لا.
وقد أشرنا إلى أنّه لا مجال للأصل في المسبّب مع جريان الأصل في السببكما حقّق في محلّه.
هذا مع أنّه لو كان الحجّيّة وعدمها من الموضوعات الخارجيّة التي لا يصحّالاستصحاب فيها إلاّ بملاحظة ما يترتّب عليها من الآثار الشرعيّة فإنّما ليكون مجال لاستصحاب عدم الحجّيّة فيما إذا لم يكن حرمة العمل إلاّ أثرللشكّ فيها لا لعدمها واقعاً، وأمّا إذا كانت أثراً له أيضاً فالمورد وإن كان فينفسه قابلاً لكلّ من الاستصحاب والقاعدة المضروبة لحكم هذا الشكّ إلاّ أنّهلا يجري فعلاً إلاّ الاستصحاب، لحكومته عليها.
والضابط: أنّه إذا كان الحكم الشرعي مترتّباً على الواقع ليس إلاّ فلا موردولا مجال إلاّ للاستصحاب، وإذا كان مترتّباً على الشكّ فيه كذلك فلا موردولا مجال إلاّ للقاعدة، وإذا كان مترتّباً على كليهما كما في حكم الطهارة المترتّبةعلى الواقع وعلى الشكّ فيه فالمورد وإن كان قابلاً لهما إلاّ أنّ الاستصحابجارٍ دونها، لحكومته عليها، فاستصحاب حكم الطهارة في مسألة الشكّ فيطهارة ما كان طاهراً أو استصحاب موضوعها ـ لحكومته على قاعدتها ـ جارٍدونها كما حقّق في محلّه.
وفيما نحن فيه وإن كان حكم حرمة العمل والتعبّد مترتّباً على الشكّ فيالحجّيّة، إلاّ أنّه يكون مترتّباً أيضاً على عدمها، لمكان ما دلّ على حرمة الحكمبغير ما أنزل اللّه إليه من العقل والنقل، فيكون المتّبع فيه هو الاستصحاب.
ومن هنا انقدح الحال في استصحاب الاشتغال وقاعدته، وأنّها لا تجريمعه، للورود عليها، وأمّا لزوم الإتيان بالمحتمل فليس إلاّ بحكم العقل، لأجلانحصار المفرّغ عن هذا التكليف المعلوم شرعاً به، لا بحكم الشرع ليلزم كون
(صفحه206)
الاستصحاب مثبتاً(1)، إنتهى كلامه.
التحقيق في المسألة
والحقّ أنّه يمكن التوفيق بين هذين العَلَمين ورفع الخصومة من البين، فإنّالمورد الذي ذهب الشيخ إلى عدم جريان الاستصحاب فيه غير المورد الذيقال المحقّق الخراساني رحمهالله بجريانه فيه.
توضيح ذلك: أنّ هاهنا عنوانين محرّمين:
أحدهما: عنوان «التشريع» وهو إدخال ما ليس من الدين(2) فيه، أوإخراج ما يكون من الدين(3) عنه.
الثاني: عنوان «إسناد ما لا يعلم كونه من اللّه إليه».
والفرق بينهما أنّ التشريع عنوان واقعي محرّم بحرمة واقعيّة، ولا دخل للعلموالجهل فيه، غاية الأمر لا يترتّب عليه العقوبة إذا صدر عن جهل، كما أنّمخالفة سائر الأحكام الواقعيّة أيضاً كذلك، فإنّ الجهل يقتضي أن يكونالمكلّف معذوراً.
بخلاف العنوان الثاني، فإنّ عدم العلم مأخوذ فيه كما لا يخفى.
وما استدلّ به الشيخ الأعظم رحمهالله وإن كان بعضها ناظراً إلى هذا العنوانالثاني، كقوله عليهالسلام : «رجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم» إلاّ أنّ بعضها الآخرمنطبق على «التشريع» كقوله تعالى: «قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِتَفْتَرُونَ» فإنّ الافتراء عبارة عن إسناد شيء إلى شخص مع العلم بأنّه ليس
- (1) حاشية كتاب فرائد الاُصول: 43.
- (2) أي ما اُحرز عدم كونه من الدين، سواء اُحرز بالقطع، أو بأمارة معتبرة، أو بأصل محرز كالاستصحاب.م ح ـ ى.
- (3) أي ما اُحرز كونه من الدين، سواء اُحرز بالقطع، أو بأمارة معتبرة، أو بأصل محرز كالاستصحاب.م ح ـ ى.