وكمالها حتّى الفضيلة الوقتيّة، وإن كان انكشاف الخلاف بعد انقضاء وقتالفضيلة فبمقدار ما فات من المكلّف من فضل أوّل الوقت يجب أن يتدارك،وإن كان انكشاف الخلاف بعد انقضاء تمام الوقت فاللازم هو تدارك ما فاتمنه من المصلحة الوقتيّة، وإن لم ينكشف الخلاف إلى الأبد فالواجب هوتدارك ما فات منه من مصلحة أصل الصلاة.
والسرّ في ذلك: هو أنّ التدارك إنّما يكون بمقدار ما اقتضته الأمارة من إيقاعالمكلّف على خلاف الواقع وبالقدر الذي سلكه، ولا موجب لأن يستحقّالمكلّف زائداً عمّا سلكه.
فما أفاده الشيخ قدسسره من التبعيض في الإجزاء بقدر ما فات من المكلّف منالمصلحة الواقعيّة بسبب سلوك الأمارة(1)، هو الحقّ الذي يقتضيه اُصولالمخطّئة(2).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
أقول: هذا الوجه الثالث هو ظاهر كلام الشيخ رحمهالله من المصلحة السلوكيّةالتي وجّه بها تصحيح التعبّد بالأمارات غير العلميّة.
وأمّا الوجه الأوّل الذي هو «التصويب الأشعري» والثاني الذي هو«التصويب المعتزلي» فقد صرّح الشيخ رحمهالله بنفيها، لقيام الإجماع والأخبارالمتواترة بأنّ «للّه تعالى أحكاماً يشترك فيها العالم والجاهل» والأمارة لا تغيّرالواقع بوجه من الوجوه، ولا يصحّ القول بأنّ الحكم الفعلي في حقّ من قامتعنده الأمارة هو مؤدّاها، بل الحكم الفعلي في حقّ جميع المكلّفين هو الواقع،غاية الأمر أنّ في سلوك الأمارة وتطبيق العمل على طبقها مصلحة يتدارك به
ما فات على المكلّف من مصلحة الواقع عند قيام الأمارة على خلافه.
نقد ما أفاده الشيخ الأنصاري رحمهالله
ويمكن المناقشة في كلام الشيخ رحمهالله بأنّ الأمارات المعتبرة عند الشارع ليستتأسيسيّة، بل هي ـ كما مرّ مراراً ـ طرق عقلائيّة قد أمضاها الشارع، فإنّ خبرالثقة وظواهر الكلمات ونحوهما اُمور معتبرة ـ قبل الشرع ـ عند العقلاء، بلحجّيّة قول المفتي في حقّ العامّي أيضاً لها أصل عقلائي، فإنّ رجوع الجاهلإلى العالم ـ كرجوع المريض إلى الطبيب ـ أمرٌ رائج بينهم كما لا يخفى.
نعم، قد ردع الشارع عن التمسّك ببعض الأمارات العقلائيّة ـ كالقياسوالاستحسان ـ وقيّد بعضها ببعض قيود غير معتبرة عندهم، كاشتراط حجّيّةالفتوى بعدالة المفتي ورجوليّته وكونه من الإماميّة.
لكن ليس لنا أمارة شرعيّة تأسيسيّة، بل كلّ ما هو معتبر في الشريعة لهأساس عقلائي.
ولا ريب في أنّ العقلاء لا يعتبرونها إلاّ بملاك الطريقيّة الصرفة، فإنّهم حينمانسدّ عليهم باب العلم يعملون بطرق تصيب غالباً إلى الواقع، من دون أنيروا للعمل بهذه الطرق مصلحة يجبر بها ما فات عليهم من مصلحة الواقع فيصورة مخالفتها له، بل لو سألناهم عن وجود مصلحة سلوكيّة في هذه الصورةلضحكوا علينا.
ونوقش في كلامه رحمهالله أيضاً بوجهين آخرين:
أ ـ أنّه لا معنى لسلوك الأمارة وتطرّق الطريق إلاّ العمل على طبق مؤدّاها،فإذا أخبر العادل بوجوب صلاة الجمعة فسلوك هذه الأمارة وتطرّق هذالطريق ليس إلاّ الإتيان بصلاة الجمعة، فلا معنى لكون مصلحة تطرّق الطريق
ج4
مصلحة مغايرة للإتيان بنفس المؤدّى، والإتيان بالمؤدّى مع المؤدّى غيرمتغايرين إلاّ في عالم الاعتبار، ولا يرفع الإشكال بهذه الاعتباراتوالتعبيرات.
ولك أن تقول: إنّ هذه المفاهيم المصدريّة النسبيّة لا حقيقة لها إلاّ في عالمالاعتبار، ولا تتّصف بالمصالح والمفاسد، فموضوع المصلحة والمفسدة نفسالعناوين، أي الصلاة والخمر.
ولو قلت: إنّ شرب الخمر وإتيان الصلاة متعلّق الحرمة والوجوبوموضوع المفسدة والمصلحة.
قلت: لو سلّم فتطبيق العمل في طبق الأمارة وتطرّق الطريق عبارة اُخرىعن شرب الخمر وإتيان الصلاة(1).
ونحن وإن رأينا هذا الإشكال وارداً على الشيخ الأعظم رحمهالله في الدورةالسابقة، إلاّ أنّ مقتضى التحقيق الذي يخطر بالبال الآن خلافه، فإنّ الإتيانبصلاة الجمعة لو لم يكن مستنداً إلى إخبار العادل بوجوبها لم يصدق عليهسلوك الأمارة وتطبيق العمل عليها، فلا تشتمل على المصلحة السلوكيّةالمدّعاة في كلام الشيخ رحمهالله .
ويمكن توضيح ذلك بملاحظة حقيقة «التقليد» فإنّه عبارة عن العملباستناد فتوى المجتهد، فصلاة الجمعة إذا كانت مستندة إلى فتوى الفقيهبوجوبها تسمّى تقليداً، وأمّا إذا تحقّقت بداعي الاحتياط ـ كما إذا جمع بينهوبين الظهر ليعلم تحقّق المأمور به المعلوم إجمالاً ـ فلا.
إن قلت: صلاة الجمعة مثلاً ذات حقيقة واحدة لا تتغيّر بسبب استنادهإلى الفتوى أو إلى الاحتياط، فكيف سمّيتموها في الصورة الاُولى تقليداً دون
- (1) أنوار الهداية 1: 194، وتهذيب الاُصول 2: 372.