من كلامه.
في الصحّة، لا أنّ الرفع بلحاظ الأثر المترتّب على الوجود كي يحتاج إلى تنزيلالمعدوم منزلة الموجود فيشكل بأنّ رفع المعدوم لا يمكن إلاّ بالوضع(1).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه رحمهالله .
نقد كلام المحقّق العراقي رحمهالله في المقام
وفيه أوّلاً: أنّ كلامه رحمهالله يشبه التناقض، لأنّه رحمهالله جمع بين كون الرفع فيالحديث رفعا مجازيّا ادّعائيّا وبين كون العناوين المذكورة في الحديث مرفوعةعن موضوعيّة الأحكام الشرعيّة، مع أنّ رفع الموضوعيّة من قبل الشارعكإثباتها أمر حقيقي غير مجازي، فإنّ الموضوعيّة إثباتا ونفيا بيد الشارع، فكمأنّه إذا جعل شرب الخمر موضوعا للحرمة والحدّ لم يكن فيه مسامحة وتجوّز،كذلك إذا رفعه عن كونه موضوعا لهما في صورة الإكراه مثلاً.
وبالجملة: لو كان الرفع في الحديث بمعنى رفع موضوعيّة الاُمور المذكورةللأحكام الشرعيّة كان إسناده إليها إسنادا حقيقيّا، وهو ينافي كونه ادّعائيّمجازيّا.
وثانيا: أنّ الحديث ظاهر في رفع ذات الموضوع، لا في رفع موضوعيّتهللحكم الشرعي، فالمرفوع في «رفع ما اُكرهوا عليه» هو نفس شرب الخمرالمكره عليه مثلاً، لاموضوعيّته للحرمة والحدّ.
وبعبارة أوضح: عند شرب الخمر يتحقّق عنوانان:
أ ـ عنوان ذاتي، وهو نفس شرب الخمر.
ب ـ عنوان وصفي متأخّر عن العنوان الذاتي، وهو كونه موضوعا للحكمالشرعي، والشيء المكره عليه الذي تعلّق الرفع به هو نفس شرب الخمر،
- (1) نهاية الأفكار 3: 219.
ج4
لاموضوعيّته للحكم الشرعي.
وهكذا الأمر في ناحية العدم، فإنّ المكره عليه هو نفس ترك شرب ماءالدجلة لا كونه موضوعا للحكم الشرعي.
نقد كلام المحقّق النائيني من قبل الإمام الخميني رحمهماالله
ثمّ استشكل على المحقّق النائيني رحمهالله سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام رحمهالله بوجهآخر، وهو ـ على ما أثبتناه من تقريرات درسه الشريف ـ أنّ للأعدام المضافةحظّا من الوجود، والإكراه والاضطرار ونحوهما لا تتعلّق بالعدم المطلق، بلإمّا أن تتعلّق بالوجود أو بالعدم المضاف، فالمكره عليه مثلاً إذا كان أمرعدميّا كان من الأعدام المضافة التي لها حظٌّ من الوجود، كـ «ترك شرب ماءالدجلة».
لكن يرد عليه أنّ العدم ـ على ما هو التحقيق ـ لا حظّ له من الوجودأصلاً، ولا فرق في ذلك بين العدم المطلق والمضاف، واعترف به الإمام قدسسره فيكلماته الدقيقة الفلسفيّة، وكان من المَهَرَة في هذا الفنّ.
ما هو الحقّ في المسألة
والتحقيق يقتضي أن يقال: لا يختصّ «حديث الرفع» بالاُمور الوجوديّة،بل يعمّ العدميّات أيضا، وذلك يتّضح بملاحظة أمرين:
أ ـ أنّ الرفع في الحديث ـ كما عرفت ـ رفع ادّعائي لاحقيقي، ودائرة الاُمورالادّعائيّة تكون أوسع من دائرة الاُمور الحقيقيّة.
ب ـ أنّ بعض الأحكام الشرعيّة بل والعقليّة تترتّب على الاُمور العدميّة،فإنّ من نذر أن يشرب من ماء الدجلة ثمّ ترك الشرب عمدا بلاعذر وإكراهتجب عليه شرعا كفّارة مخالفة النذر، مع أنّ مخالفة النذر هاهنا ليست أمر
(صفحه374)
وجوديّا، بل هي تتحقّق في ضمن ترك شرب ماء الدجلة.
وكذلك من ترك الصلاة مثلاً يستحقّ العقاب عقلاً.
فموضوع الحكم الشرعي في المثال الأوّل والعقلي في المثال الثانيهو أمر عدمي، فلابدّ من القول بأنّ الاُمور العدميّة التي تترتّب عليهالأحكام الشرعيّة يكون لها ثبوت في عالم الاعتبار، وإن لم يكن لها حظّمن الوجود بحسب ما ثبت في الفلسفة، إذ ما لاثبوت له ولو اعتبارا لا يقعتحت دائرة الحكم الشرعي، ولا يصير موضوعا له. فلا يمتنع أن يتعلّق الرفعفي الحديث بالاُمور العدميّة بعد أن كان الرفع ادّعائيّا أوّلاً، وجعلت الاُمورالعدميّة موضوعا للأحكام الشرعيّة ثانيا، لأنّ جعلها موضوعا حاكٍ عن نحوثبوت لها ولو في عالم الاعتبار، فيرفع بحديث الرفع ذلك الوجود الاعتباريادّعاءً.
مجرى «حديث الرفع»
الأمر الرابع: أنّ «حديث الرفع» لا يتكفّل لرفع الأمر المترتّب على نفسهذه العناوين التسعة في الأدلّة الأوّليّة.
توضيح ذلك: أنّ «حديث الرفع» حاكم على الأدلّة المبيّنة للأحكام المترتّبةعلى الأشياء بعناوينها الأوّليّة، فإنّ لشرب الخمر مثلاً آثارا يدلّ الحديث علىرفعها عند الإكراه والاضطرار ونحوهما.
وأمّا الأحكام المترتّبة على نفس هذه العناوين ـ مثل وجوب الديةالمترتّب على القتل الخطأي في قوله تعالى: «وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍمُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ»(1) ووجوب سجدتي السهو لنسيان بعض