ج4
المفارقة بالنسبة إلى الماهيّة لكن بتبع الوجود، حيث إنّه يفارق عن الماهيّة،فتفارقها، كما هو الشأن في عامّة العوارض الوجوديّة.
إذا عرفت هذا فيمكن أن يقرّر الأصل هكذا: إنّ القابليّة، كالقرشيّة، منعوارض الوجود، فإنّ القرشيّة عبارة عن الانتساب في الوجود الخارجي إلىالقريش، كما أنّ القابليّة عبارة عن خصوصيّة في الحيوان بها يصلح لورودالتذكية عليه، وبها يترتّب الحلّيّة والطهارة.
وعليه فلنا أن نشير إلى ماهيّة المرأة المشكوك فيها، ونقول: إنّ ماهيّة تلكالمرأة قبل وجودها لم تكن متّصفة بالقرشيّة، ولكن علمنا انتقاض اليقين بعدموجودها إلى العلم بوجودها، ولكن نشكّ في انتقاض العدم في ناحية«القرشيّة».
وهكذا يمكن أن يقال في ناحية «القابليّة» فنقول: إنّ الحيوان الكذائيـ مشيراً إلى ماهيّته ـ لم يكن قابلاً للتذكية قبل وجوده، ونشكّ في أنّه حينتلبّس بالوجود هل عرض له «القابليّة» أو لا؟ فالأصل عدم عروضها.
نعم، لو كان الموضوع هو الوجود أو كانت «القابليّة» من لوازم الماهيّة،لم يكن وجه لهذا الاستصحاب، لعدم الحالة السابقة، لكنّ الموضوع هوالماهيّة، والقابليّة عارضة لها بعد وجودها، فهذه الماهيّة قبل تحقّقها لمتكن متّصفة بـ «القابليّة» بنحو السالبة المحصّلة، والأصل بقائها على مهي عليه، ولو صحّ جريانه لأغنانا عن استصحاب عدم التذكية، لحكومتهعليه حكومة الأصل السببي على المسبّبي، ويكون حاكماً على الاُصولالحكميّة عامّة(1).
- (1) لم نعثر عليه في «درر الفوائد». نعم، نقله الإمام رحمهالله في تهذيب الاُصول 3: 128، وفي أنوار الهداية2: 100. م ح ـ ى.
(صفحه486)
هذا ما أفاده المحقّق الحائري رحمهالله لإثبات جريان استصحاب عدم قابليّةالتذكية وعدم قرشيّة المرأة.
نقد كلام المحقّق الحائري رحمهالله
ويرد عليه أوّلاً: أنّه فاقد للحالة السابقة المتيقّنة.
وثانياً: أنّه ـ على فرض تسليم ما أفاده هذا المحقّق الكبير لإثبات الحالةالسابقة ـ أصل مثبت في مسألة استصحاب عدم قابليّة التذكية.
أمّا كونه مثبتاً(1): فلأنّ من شرائط جريان الاستصحاب أن يكونالمستصحب حكماً شرعيّاً أو موضوعاً ذا أثر شرعي، والمستصحب في ما نحنفيه ليس كذلك، أمّا عدم كونه حكماً شرعيّاً فواضح، وأمّا عدم كونهموضوعاً ذا أثر شرعي، فلأنّ الأثر الشرعي ـ كالحرمة والنجاسة ـ ترتّب فيالشريعة على «غير المذكّى» لا على «غير القابل للتذكية» كما أنّ «الميتة» فيقوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ»(2) فسرّت في كلام بعضهم بـ «غيرالمذكّى» و«غيرالمذكّى» هو الحيوان الذي لم يجتمع فيه الخصوصيّات المعتبرةفي التذكية: من فري الأوداج الأربعة، وكون الذابح مسلماً، والتسمية حينالذبح، وكون الحيوان ممّا يقبل التذكية، وغيرها.
فلا ريب في دخل «القابليّة» في التذكية، إمّا بدخولها في ماهيّتها، كسائرالاُمور التي تعتبر فيها، وتكون التذكية مركّبة أو متحصّلة أو منتزعة عنها، أوبكونها أمراً خارجاً عنها، مؤثّراً في تأثيرها، بحيث لو لم تكن «القابليّة» لمتتحقّق التذكية، وإن اجتمعت سائر خصوصيّاتها المعتبرة.
- (1) قدّمه «مدّ ظلّه» في مقام التوضيح، لأجل اختصار بحثه، وإلاّ كان الإشكال الأوّل ـ لأجل ردّه أحد أركانالاستصحاب ـ أهمّ منه. م ح ـ ى.
ج4
فـ «القابليّة» جزء(1) للتذكية، والتعبّد بانتفاء الجزء يلازمه عقلاً انتفاءالكلّ، والميزان في حكومة الأصل السببي على المسبّبي كون الأصل في ناحيةالسبب منقّحاً للموضوع بالنسبة إلى الكبرى الشرعيّة، ولا يتمّ ذلك إلاّ إذكان الترتّب بينهما شرعيّاً لا عقليّاً.
فظهر أنّ استصحاب العدم الأزلي لا يجري في المقام، ولو فرض صحّته فيحدّ نفسه.
فلا مانع من إجراء أصالتي الحلّيّة والطهارة في لحم الحيوان الذي شكّ فيقابليّته وعدم قابليّته للتذكية، لعدم أصل حاكم عليهما.
وأمّا عدم كونه ذا حالة سابقة متيقّنة: فيتوقّف إثباته على بيان ما يتعقّل منصور أخذ الأمر العدمي في موضوع الدليل الشرعي(2)، فنقول:
الوجوه المتصوّرة في القيد العدمي المأخوذ في الدليل الشرعي ستّة:
1ـ أن يكون بنحو السالبة المحصّلة البسيطة التي يعبّر عنها بـ «ليس التامّة»مثل «ليس زيد» أو «زيد ليس بموجود» فمفادها سلبالموضوع وعدمه رأساً.
2ـ أن يكون بصورة السالبة المحصّلة المركّبة التي يعبّر عنها بـ «ليسالناقصة» وهي على نوعين:
أحدهما: أن يكون الموضوع أمراً محقّقاً يسلب عنه المحمول، مثل «زيدليس بقائم» و«هذا الحيوان ليس قابلاً للتذكية» و«هذه المرأة ليست قرشيّة».
ثانيهما: أن يكون السلب بسلب الموضوع، وفي هذا النوع لا يدخل حرف
- (1) هذا مبنيّ على دخلها في ماهيّة التذكية بأحد الأنحاء الثلاثة المتقدّمة، وأمّا بناءً على كونها أمراً خارجعنها، مؤثّراً في تأثيرها، فهي شرط لها، لكن لا فرق بينهما في كون الأصل مثبتاً، لأنّ التعبّد بانتفاء الشرطأيضاً يلازمه عقلاً انتفاء المشروط. م ح ـ ى.
- (2) كما إذا دلّ الدليل الشرعي على أنّ «غير المذكّى» أو «غير القابل للتذكية» من الحيوان حرام ونجس، وكمإذا دلّ على أنّ «غير القرشيّة» من المرأة ترى الحمرة إلى خمسين سنة. م ح ـ ى.
(صفحه488)
السلب على خصوص المحمول، بل يدخل على أصل القضيّة، فلا يقال: «زيدليس بقائم» لعدم صدقه إلاّ مع فرض وجود الموضوع، بل يقال: «ليس زيدبقائم» فإنّه يدلّ على عدم تحقّق قضيّة «زيد قائم» وعدم تحقّق هذه القضيّةيصدق مع عدم «زيد» ومع وجوده وعدم اتّصافه بالقيام.
3ـ أن يؤخذ بنحو الموجبة المعدولة(1)، بأن يجعل حرف السلب جزءً منالمحمول، كما إذا قيل: «زيد غير عالم» و«هذا الحيوان غير قابل للتذكية»و«هذه المرأة غير قرشيّة».
والفرق بينها وبين السالبة المحصّلة ـ مضافاً إلى الجهة اللفظيّة ـ أنّ الموجبةالمعدولة آكد في إفادة المعنى من السالبة المحصّلة، فإنّ قولنا: «زيد غير عالم»يدلّ على الاتّحاد والهوهويّة بين «زيد» و«غير عالم» بخلاف ما إذا قلنا: «زيدليس بعالم».
4ـ أن يكون من قبيل الموجبة السالبة المحمول، وهي القضيّة التي كانمحمولها قضيّة سالبة، مثل «زيد هو الذي ليس بقائم» و«هذا الحيوان هو الذيليس بقابل للتذكية» و«هذه المرأة هي التي ليست بقرشيّة».
5ـ أن يؤخذ القيد العدمي صفة للموضوع، مثل «زيد الغير(2) العالم»و«الحيوان الغير القابل للتذكية» و«المرأةالغير القرشيّة».
و لا بدّ من كون الموضوع موجوداً في هذه الصور الثلاث، لأنّ «ثبوتشيء لشيء فرع ثبوت المثبت له» فلا يمكن الحمل في الموجبة المعدولةوالموجبة السالبة المحمول بدون الموضوع، وكذلك لا يمكن الاتّصاف في القيد
- (1) والميزان في اعتبارها ـ كما قال الإمام الخميني قدسسره ـ أن يكون المعنى العدمي كأعدام الملكات، نحو «زيدلا بصير» المساوق لقولنا: «زيد أعمى» فيخرج مثل قولنا: «زيد لا عمرو» و«الجدار غير بصير». م ح ـ ى.
- (2) كلمة «ال» وإن لم تدخل على لفظ «غير» إلاّ أنّها دخلت عليه هنا للدلالة على شدّة الارتباط بينه وبينموصوفه. منه مدّ ظلّه.
ج4
العدمي المأخوذ وصفاً بدون الموصوف.
6ـ أن يكون الموضوع مركّباً من جزئين: أحدهما أمر عدمي، والآخروجودي(1).
لا ريب في عدم إمكان أخذ الصورة الاُولى في موضوع دليل شرعي أصلاً،لأنّ ما هو معدوم رأساً ـ كما هو قضيّة ليس التامّة ـ لا يمكن أن يترتّب عليهحكم من الأحكام الشرعيّة، لأنّ «ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له».
وكذلك النوع الثاني من الصورة الثانية، لأنّ السالبة المحصّلة المركّبةإذا كان انتفاء المحمول فيها لأجل انتفاء الموضوع فلميصلح أن تجعلموضوعاً للحكم الشرعي، لاختلال قاعدة «الفرعيّة» كالصورة الاُولى،فإذا انتفت قابليّة التذكية لأجل عدم وجود الحيوان فلم يعقل ترتّبالحرمة والنجاسة، وإذا انتفت القرشيّة لأجل عدم وجود المرأة فلم يتصوّرترتّب رؤية الدم إلى خمسين سنة. وأمّا الصور الأربعة(2) الأخيرة والنوعالأوّل(3) من الصورة الثانية فلاإشكال في إمكان جعل كلّ منها موضوعللحكم الشرعي فيما إذا كان الموضوع(4) أو الموصوف(5) أو الجزء الوجودي(6)محرز الثبوت.
إنّما الإشكال في إثباتها بالاستصحاب في المقام، لأنّ من أركانالاستصحاب اتّحاد القضيّتين المتيقّنة والمشكوكة في جميع الجهات إلاّ من حيث
- (1) كما إذا كان الموضوع الذي يترتّب عليه الحرمة والنجاسة مركّباً من «الحيوان» و«غير القابل للتذكية»والموضوع الذي يترتّب عليه رؤية الحمرة إلى خمسين سنة مركّباً من «المرأة» و«غير القرشيّة». م ح ـ ى.
- (2) وهي الموجبة المعدولة، والموجبة السالبة المحمول، وما كان القيد العدمي فيه صفة للموضوع، وما إذكان موضوع الحكم الشرعي مركّباً من أمر وجودي وقيد عدمي.
- (3) وهو القضيّة السالبة المحصّلة المركّبة التي فرض وجود الموضوع فيها.
- (4) في الصورة الثالثة والرابعة والنوع الأوّل من الصورة الثانية.