(صفحه488)
السلب على خصوص المحمول، بل يدخل على أصل القضيّة، فلا يقال: «زيدليس بقائم» لعدم صدقه إلاّ مع فرض وجود الموضوع، بل يقال: «ليس زيدبقائم» فإنّه يدلّ على عدم تحقّق قضيّة «زيد قائم» وعدم تحقّق هذه القضيّةيصدق مع عدم «زيد» ومع وجوده وعدم اتّصافه بالقيام.
3ـ أن يؤخذ بنحو الموجبة المعدولة(1)، بأن يجعل حرف السلب جزءً منالمحمول، كما إذا قيل: «زيد غير عالم» و«هذا الحيوان غير قابل للتذكية»و«هذه المرأة غير قرشيّة».
والفرق بينها وبين السالبة المحصّلة ـ مضافاً إلى الجهة اللفظيّة ـ أنّ الموجبةالمعدولة آكد في إفادة المعنى من السالبة المحصّلة، فإنّ قولنا: «زيد غير عالم»يدلّ على الاتّحاد والهوهويّة بين «زيد» و«غير عالم» بخلاف ما إذا قلنا: «زيدليس بعالم».
4ـ أن يكون من قبيل الموجبة السالبة المحمول، وهي القضيّة التي كانمحمولها قضيّة سالبة، مثل «زيد هو الذي ليس بقائم» و«هذا الحيوان هو الذيليس بقابل للتذكية» و«هذه المرأة هي التي ليست بقرشيّة».
5ـ أن يؤخذ القيد العدمي صفة للموضوع، مثل «زيد الغير(2) العالم»و«الحيوان الغير القابل للتذكية» و«المرأةالغير القرشيّة».
و لا بدّ من كون الموضوع موجوداً في هذه الصور الثلاث، لأنّ «ثبوتشيء لشيء فرع ثبوت المثبت له» فلا يمكن الحمل في الموجبة المعدولةوالموجبة السالبة المحمول بدون الموضوع، وكذلك لا يمكن الاتّصاف في القيد
- (1) والميزان في اعتبارها ـ كما قال الإمام الخميني قدسسره ـ أن يكون المعنى العدمي كأعدام الملكات، نحو «زيدلا بصير» المساوق لقولنا: «زيد أعمى» فيخرج مثل قولنا: «زيد لا عمرو» و«الجدار غير بصير». م ح ـ ى.
- (2) كلمة «ال» وإن لم تدخل على لفظ «غير» إلاّ أنّها دخلت عليه هنا للدلالة على شدّة الارتباط بينه وبينموصوفه. منه مدّ ظلّه.
ج4
العدمي المأخوذ وصفاً بدون الموصوف.
6ـ أن يكون الموضوع مركّباً من جزئين: أحدهما أمر عدمي، والآخروجودي(1).
لا ريب في عدم إمكان أخذ الصورة الاُولى في موضوع دليل شرعي أصلاً،لأنّ ما هو معدوم رأساً ـ كما هو قضيّة ليس التامّة ـ لا يمكن أن يترتّب عليهحكم من الأحكام الشرعيّة، لأنّ «ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له».
وكذلك النوع الثاني من الصورة الثانية، لأنّ السالبة المحصّلة المركّبةإذا كان انتفاء المحمول فيها لأجل انتفاء الموضوع فلميصلح أن تجعلموضوعاً للحكم الشرعي، لاختلال قاعدة «الفرعيّة» كالصورة الاُولى،فإذا انتفت قابليّة التذكية لأجل عدم وجود الحيوان فلم يعقل ترتّبالحرمة والنجاسة، وإذا انتفت القرشيّة لأجل عدم وجود المرأة فلم يتصوّرترتّب رؤية الدم إلى خمسين سنة. وأمّا الصور الأربعة(2) الأخيرة والنوعالأوّل(3) من الصورة الثانية فلاإشكال في إمكان جعل كلّ منها موضوعللحكم الشرعي فيما إذا كان الموضوع(4) أو الموصوف(5) أو الجزء الوجودي(6)محرز الثبوت.
إنّما الإشكال في إثباتها بالاستصحاب في المقام، لأنّ من أركانالاستصحاب اتّحاد القضيّتين المتيقّنة والمشكوكة في جميع الجهات إلاّ من حيث
- (1) كما إذا كان الموضوع الذي يترتّب عليه الحرمة والنجاسة مركّباً من «الحيوان» و«غير القابل للتذكية»والموضوع الذي يترتّب عليه رؤية الحمرة إلى خمسين سنة مركّباً من «المرأة» و«غير القرشيّة». م ح ـ ى.
- (2) وهي الموجبة المعدولة، والموجبة السالبة المحمول، وما كان القيد العدمي فيه صفة للموضوع، وما إذكان موضوع الحكم الشرعي مركّباً من أمر وجودي وقيد عدمي.
- (3) وهو القضيّة السالبة المحصّلة المركّبة التي فرض وجود الموضوع فيها.
- (4) في الصورة الثالثة والرابعة والنوع الأوّل من الصورة الثانية.
(صفحه490)
الزمان، مع أنّ القضيّة المتيقّنة في استصحاب «عدم قابليّة التذكية» و«عدمقرشيّة المرأة» كانت سالبة بانتفاء الموضوع، بخلاف القضيّة المشكوكة، فإنّثبوت الموضوع فيها مفروغ عنه، فإنّا وإن كنّا نعبّر بما يوهم الاتّحاد بينالقضيّتين، حيث نقول: «هذا الحيوان لم يكن قابلاً للتذكية» و«هذه المرأة لمتكن قرشيّة» والآن نشكّ في ذلك، إلاّ أنّ واقعه هكذا: «هذا الحيوان قبلانعقاد نطفته لم يكن قابلاً للتذكية» لأنّه لم يكن موجوداً كي يكون قابلاً لها،و«هذه المرأة قبل انعقاد نطفتها لم تكن قرشيّة» لأنّها لم تكن موجودة كيتكون قرشيّة، والآن بعد تحقّقهما نشكّ في ذلك، فالموضوع في القضيّة المتيقّنةمفروض الانتفاء وفي القضيّة المشكوكة مفروض الثبوت، فأين الاتّحاد بينهمكي يجري الاستصحاب وثبت به عدم قابليّة تذكية الحيوان المشارإليه وعدمقرشيّة المرأة المشار إليها؟!
وأمّا ما أفاده المحقّق الحائري رحمهالله ـ من أنّا نشير إلى ماهيّة المرأة المشكوكفيها ونقول: إنّ ماهيّة تلك المرأة قبل وجودها لم تكن متّصفة بالقرشيّة، ولكنعلمنا انتقاض اليقين بعدم وجودها إلى العلم بوجودها، ولكن نشكّ فيانتقاض العدم في ناحية القرشيّة، وهكذا يمكن أن يقال في ناحية «القابليّة»فنقول: إنّ الحيوان الكذائي، مشيراً إلى ماهيّته، لم يكن قابلاً للتذكية قبلوجوده، ونشكّ في أنّه حين تلبّس بالوجود هل عرض له القابليّة أو لا؟فالأصل عدم عروضها ـ .
ففيه: أنّه لا يلائم ما ذهب إليه المحقّقون من الفلاسفة من كون الوجودأصيلاً والماهيّة أمراً اعتباريّاً، إذ لا ثبوت للماهيّة قبل وجودها كي يصحّ قولنـ مشيراً إلى ماهيّة المرأة والحيوان ـ : «هذه المرأة لم تكن قرشيّة» أو «هذالحيوان لم يكن قابلاً للتذكية».
ج4
بل لا يلائم ما أفاده نفسه رحمهالله أيضاً من كون «القابليّة» و«القرشيّة» منعوارض الوجود الخارجي للحيوان والمرأة، لامن عوارض ماهيّتهما، فإنّالالتزام بكون الاتّصاف بالقرشيّة وغير القرشيّة، وبالقابليّة وغير القابليّةمختصّا بالوجود الخارجي للحيوان والمرأة ينافي القول بصحّة أن يقال: «ماهيّةهذه المرأة غير قرشيّة» و«ماهيّة هذا الحيوان غير قابل للتذكية».
وبالجملة: ما كان من عوارض وجود شيء كان انتفائه قبل وجود ذلكالشيء من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.
لا يقال: ما ذكرتم لا يفيد المنع عن جريان الاستصحاب في الصورةالأخيرة، وهي ما إذا كان موضوع الحكم الشرعي مركّباً من جزءين: أحدهموجودي والآخر عدمي من دون أن يكونا بصورة القضيّة أو الوصفوالموصوف، لأنّ الموضوع إذا كان مركّباً من جزئين لا يرتبط أحدهما بالآخريمكن إحراز أحد الجزئين بالوجدان والآخر بالأصل كما هو المعروفالمشهور، فلو كانت «الميتة» التي جعلت موضوعاً للحرمة في قوله تعالى:«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ» مركّبة من «الحيوان» و«عدم التذكية» لأجريناستصحاب عدم قابليّة التذكية(1)، ليثبت(2) به «عدم التذكية» ويكمل موضوعالحرمة.
فإنّه يقال: استقلال جزئي المركّب وعدم ارتباط أحدهما بالآخر وإن كانقابلاً للتصوّر في بعض الموضوعات المركّبة، إلاّ أنّه غير متصوّر في المقام، فإنّالقول بأنّ «عدم التذكية» لا يرتبط بحيوان أصلاً، أو يرتبط بحيوان آخر غيرماجعل جزءً آخر للموضوع ضروري البطلان، فلابدّ من إثبات عدم تذكية
- (1) لا استصحاب عدم قابليّة هذا الحيوان الكذائي للتذكية كي يرتبط بالجزء الآخر من موضوع الحرمة.منه مدّ ظلّه.
- (2) هذا مع قطع النظر عن الإشكال الأوّل، وهوكون هذا الأصل مثبتاً. منه مدّ ظلّه.
(صفحه492)
هذا الحيوان من طريق استصحاب عدم قابليّة تذكيته، ويعود حينئذٍ إشكالعدم الاتّحاد بين القضيّة المتيقّنة والمشكوكة.
والحاصل: أنّا إذا شككنا في قابليّة حيوان للتذكية فلا منع من إجراء أصالةالبرائة من حرمة لحمه وأصالة الطهارة في أجزاء بدنه إذا ذبح مع الشرائطالمعتبرة في التذكية الشرعيّة، لعدم وجود أصل حاكم عليهما.
هذا تمام الكلام في التنبيه الثالث.