(صفحه98)
تختصّ بالعالم بالوجوب.
والحاصل: أنّه يمتنع القطع بحكم في موضوع نفسه بنحو التقييد اللحاظي،كأن يقول: «إذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة تجب عليك صلاة الجمعة» لكنّهيمكن بنحو «متمّم الجعل» كأن يقول: «صلاة الجمعة واجبة» ثمّ يقول:«وجوب صلاة الجمعة يختصّ بالعالم به» وهذا لا يسمّى التقييد، لكنّه ينتجنتيجته(1).
هذا حاصل ما ذكره رحمهالله في المقام.
نقد كلام المحقّق النائيني رحمهالله
ويرد عليه أنّ ما ذكره من إمكان إبلاغ الواقع إلى المكلّف بمتمّم الجعلونتيجة التقييد وإن كان صحيحاً في بعض الانقسامات اللاحقة للحكم،كالإتيان بالواجب بقصد امتثال أمره، إلاّ أنّه لا يصحّ فيما نحن فيه، لأنّ متمّمالجعل لا يكاد يرفع غائلة الدور، فإنّ القطع بالحكم يتوقّف عليه، فلو كانموضوعاً له لكان الحكم أيضاً متوقّفاً عليه، وهو دور مصرّح، ولا فرق فيذلك بين تفهيم أخذه في الموضوع بدليل واحد أو بدليلين.
إن قلت: فكيف اختصّ وجوب الجهر والإخفات والقصر والإتمام بالعالمبها؟
قلت: لسان الروايات الواردة في هذين البابين وكذا الفتاوى عدم وجوبالإعادة على الجاهل بالقصر والإتمام أو الجهر والإخفات، لا خروجه عنتحت التكليف بها، فإنّ الشارع المقدّس سهّل الأمر على العباد أحياناً، سيّما فيباب الصلاة التي تتكرّر في كلّ يوم خمس مرّات، فرفع الإعادة عنهم إذا أخلّو
ج4
ببعض الأجزاء والشرائط نسياناً أو جهلاً.
ويؤيّده حديث «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور والوقت والقبلةوالركوع والسجود»(1) فإنّه لا يمكن أن يدلّ على انحصار أجزاء الصلاةوشرائطها بهذه الخمسة في صورة الجهل والنسيان، وإلاّ لزم تخصيصالأكثر(2)، فعدم وجوب الإعادة لا يلازم عدم الجزئيّة والشرطيّة.
ثمّ(3) إنّه رحمهالله عبّر عن التقييد بـ «التقييد اللحاظي»(4). فإن أراد أنّ في مقابله«الإطلاق اللحاظي» ففيه: أنّ الإطلاق والسريان لا يكون ملحوظاً للمولى،ولذا قلنا في الفرق بينه وبين العموم بأنّ العموم يستفاد من الوضع، والإطلاقمن طريق مقدّمات الحكمة، فإذا تمّت قرينة الحكمة حكم العقل بأنّ تمامالموضوع للحكم هو نفس الماهيّة.
ولا يمكن أن تكون الماهيّة حاكية عن الأفراد، لأنّ الفرد هو الماهيّةالموجودة المتشخّصة بالتشخّصات الفرديّة، فالفرديّة متأخّرة عن الوجودالذي هو متأخّر عن الماهيّة، فكيف يمكن أن تكون الماهيّة حاكيةً عمّا هومتأخّر عنها بمرحلتين؟!
فالتعبير بـ «التقييد اللحاظي» وإن كان صحيحاً، إلاّ أنّه ليس لنا فيمقابلهما نسمّيه بـ «الإطلاق اللحاظي».
سلّمنا، لكنّ الإطلاق لو كان بمعنى لحاظ متعلّق الحكم مطلقاً، كما أنّ
- (1) وسائل الشيعة 6: 91، كتاب الصلاة، الباب 29 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 5.
- (2) لأنّ للصلاة أجزاءً وشرائط كثيرة ثابتة بأدلّة شاملة بإطلاقها لصورة العلم والجهل والذكر والنسيان،فالقول بعدم وجوب غير هذه الخمسة على الجاهل والناسي يستلزم تخصيص الأكثر. م ح ـ ى.
- (3) لا دخل لهذا الإشكال الثاني بالجهة المبحوث عنها في المقام، بل هو تحقيق مستقلّ حول الإطلاق،وكيفيّة التقابل بينه وبين التقييد، والملازمة المدّعاة بين امتناع الوجود وامتناع العدم في جميع مواردالعدم والملكة. منه مدّ ظلّه.
- (4) حيث قال ما ملخّصه: إنّ إبلاغ خصوصيّات موضوع الحكم يكون بواسطة «التقييد اللحاظي» فيالانقسامات السابقة عليه، وبواسطة «متمّم الجعل» و«نتيجة التقييد» في الانقسامات اللاحقة به. م ح ـ ى.
(صفحه100)
التقييد يكون بمعنى لحاظه مقيّداً لكان التقابل بينهما تقابل التضادّ، لا تقابلالعدم والملكة، لكونهما حينذٍ أمرين وجوديّين.
وأمّا بناءً على المختار ـ من أنّ التقييد عبارة عن لحاظ متعلّق الحكم مقيّداً،والإطلاق عبارة عن عدم لحاظ شيء ـ كان التقابل بينهما تقابل الإيجابوالسلب.
نعم، إن كان «الإطلاق» الذي يقابله «التقييد اللحاظي» عبارة عمّا لميلاحظ فيه التقييد ـ بنحو كان عدم لحاظ التقييد قيداً له ـ كان التقابل بينهمتقابل العدم والملكة، لكون التقييد حينئذٍ عبارة عن لحاظ القيد، والإطلاقعبارة عن عدم لحاظه فيما كان قابلاً له.
ولكن يرد عليه حينئذٍ أنّه لا ملازمة بين امتناع الوجود وامتناع العدمفي جميع موارد العدم والملكة، لكي يقال: إذا امتنع التقييد امتنع الإطلاق،بل إن كان استحالة الوجود لأجل عدم قابليّة الموضوع له ذاتاً كانالعدم أيضاً مستحيلاً، كالبصر والعمى بالنسبة إلى الجدار مثلاً، فإنّ امتناعكون الجدار بصيراً إنّما هو لأجل عدم قابليّة ذاته للبصر، فيمتنع أيضكونه أعمى.
بخلاف ما إذا كان استحالة الوجود لأجل أمر خارجي، كما فيما نحنفيه، حيث إنّ امتناع تقييد الحكم بالعلم به إنّما هو لأجل استلزامه الدور،لا لأجل ذاته(1)، فالتقييد اللحاظي في المقام ـ بأن يقول المولى: «إذقطعت بوجوب صلاة الجمعة تجب عليك صلاة الجمعة» ـ وإن كان مستحيلاً،إلاّ أنّ التمسّك بالإطلاق فيما إذا قال: «صلاة الجمعة واجبة» لنفياحتمال تقيّد وجوبها بالعلم به بمكان من الإمكان، لعدم كون الإطلاق
- (1) فإنّ للحكم قابليّة تقيّده بالعلم به لولا مسألة الدور. م ح ـ ى.
ج4
واستنتاج شمول الحكم للعالم والجاهل مستلزماً للدور الذي كان التقييدممتنعاً لأجله.
فاشتراك التكليف بين العالم والجاهل لا يحتاج إلى التماس دليل من الأخباروالإجماع والضرورة؛ لإمكان إثباته بالتمسّك بإطلاق الكتاب والسنّة.
كلام الإمام رحمهالله في أخذ القطع بالحكم في موضوع نفسه
وفصّل سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام رحمهالله بين القطع المأخوذ تمام الموضوعوالمأخوذ جزئه، فقال بإمكان الأوّل وامتناع الثاني.
أمّا امتناع الثاني فلأنّ الحكم يتوقّف على موضوعه وبالعكس، أمّا توقّفالحكم على موضوعه فواضح، وأمّا عكسه فلأنّا فرضنا تركّب الموضوع منجزئين: القطع بالحكم، والواقع المقطوع الذي هو عبارة عن نفس هذا الحكمالمجعول بنفس هذا الدليل، إذ ليس لنا واقعيّة غيره فرضاً، فالموضوع أيضيتوقّف على الحكم، وهو دور مصرّح.
وأمّا إمكان الأوّل، فلأنّ القطع بالحكم إذا كان تمام الموضوع كان التوقّفمن طرف واحد فقط، لأنّ الحكم موقوف على موضوعه الذي هو القطع به،بخلاف العكس، لأنّ القطع إذا كان تمام الموضوع فلا فرق فيه بين ما وافقالواقع وما خالفه(1).
هذا حاصل ما أفاده الإمام رحمهالله في المقام.
بيان الحقّ في المسألة
وفيه: أنّ الواقع خالٍ عن الحكم مع قطع النظر عمّا جعل بواسطة نفس هذ
- (1) تهذيب الاُصول 2: 321.
(صفحه102)
الدليل، فإنّ النزاع إنّما هو في أخذ القطع بحكم في موضوع نفسه، فالحكم الذياُخذ القطع به موضوعاً في الدليل متّحد مع ما جعل فيه.
وبعبارة اُخرى: لو كان لصلاة الجمعة مع قطع النظر عن قوله: «إذا قطعتبوجوب صلاة الجمعة تجب عليك صلاة الجمعة» حكم في الواقع لصحّ ما قالهالإمام رحمهالله من أنّه لا فرق في القطع المأخوذ تمام الموضوع بين ما وافق الواقعوما خالفه.
لكنّ المفروض أنّها خالية عن الحكم مع قطع النظر عن هذا الدليل، ووقعالنزاع في إمكان أخذ القطع بوجوبها في موضوع نفس هذا الوجوب الذيتعلّق به القطع، فلنا حكم واحد تعلّق به القطع أوّلاً، ثمّ ترتّب على القطع ثانياً،وهل هذا إلاّ الدور المستحيل؟!
وهذا بخلاف ما إذا اُخذ القطع بحكم في موضوع ضدّه أو مثله، أو فيموضوع حكم آخر لا يضادّه ولا يماثله كما هو واضح.
والحاصل: أنّه لا يمكن أن يؤخذ القطع بحكم في موضوع نفسه، سواء كانتمام الموضوع أو جزئه.
قيام الأمارات والاُصول مقام القطع الطريقي
لا إشكال في قيام الأمارات والاُصول بدليل حجّيّتهما مقام القطع الطريقي،سواء تعلّقتا بالأحكام أو بالموضوعات، فكما أنّ وجوب صلاة الجمعة يثبتبواسطة القطع، كذلك يثبت بواسطة خبر العادل أو استصحاب الوجوب، وكمتثبت خمريّة مايع بواسطة القطع كذلك تثبت بواسطة البيّنة أو استصحابالخمريّة، ويترتّب عليه دليل حرمة الخمر.
ولولاذلك لكانجعلالحجّيّة للاُصولوالأمارات لغواً، فإنّدليلحجّيّتهمايدلّ