(صفحه342)
في الاُصول العمليّة
بيان ما هو المهمّ من الاُصول العمليّة
وهي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل ممّا دلّعليه حكم العقل أو عموم النقل.
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : والمهمّ منها أربعة، فإنّ مثل قاعدة الطهارة فيماشتبه طهارته بالشبهة الحكميّة وإن كان ممّا ينتهي إليها فيما لاحجّة علىطهارته ولا على نجاسته، إلاّ أنّ البحث عنها ليس بمهمّ، حيث إنّها ثابتةبلاكلام من دون حاجة إلى نقض وإبرام، بخلاف الأربعة، وهي البرائةوالاحتياط والتخيير والاستصحاب، فإنّها محلّ الخلاف بين الأصحاب،ويحتاج تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل أو مقتضى عموم النقل فيهإلى مزيد بحث وبيان ومؤنة حجّة وبرهان، هذا مع جريانها في كلّ الأبوابواختصاص تلك القاعدة ببعضها(1)، إنتهى كلامه رحمهالله .
وقد يتخيّل أنّ الوجه في عدم ذكر أصالة الطهارة في علم الاُصول أنّالطهارة والنجاسة من الاُمور الواقعيّة، فدائما يكون الشكّ فيهما من الشبهةالمصداقيّة، إذ بعد كونهما من الاُمور الواقعيّة لا من الأحكام الشرعيّة كانالشكّ فيهما شكّا في الانطباق، فتكون الشبهة مصداقيّة، ومن الواضح أنّالبحث عن الشبهات الموضوعيّة لا يكون من المسائل الاُصوليّة؛ لأنّ المسألة
ج4
الاُصوليّة ما تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الكلّي.
واُجيب عنه بأنّ الطهارة والنجاسة ـ على فرض كونهما من الاُمورالواقعيّة ـ كانتا من الواقعيّات التي طريق كشفها ينحصر في بيان الشارع؛ لعدمكون العقل مدركا لهما، وهذا يكفي في اُصوليّة المسألة(1).
على أنّ كون الطهارة والنجاسة أمرين واقعيّين غيرمجعولين لا ينافي جعلطهارة ظاهريّة بمقتضى أصالة الطهارة عند الشكّ فيهما، كما أنّ كون الخمر أمرواقعيّا لا ينافي الحكم بخمريّة مايع ظاهرا بمقتضى الاستصحاب عند الشكّ فيصيرورته خلاًّ.
فالحقّ ما ذهب إليه صاحب الكفاية رحمهالله من أنّ عدم ذكر أصالة الطهارة إنّمهو لأجل ثبوتها بلاكلام أوّلاً، واختصاصها ببعض أبواب الفقه ثانيا.
- (1) وبعبارة اُخرى: كما أنّ الشكّ في الأحكام الكلّيّة الاعتباريّة ـ كالشكّ في وجوب صلاة الجمعة وحرمةشرب التتن ـ يعدّ من الشبهات الحكميّة، كذلك الشكّ فيما هو من الواقعيّات التي لا يمكن الوصول إليهإلاّ ببيان الشارع، كالشكّ في طهارة عرق البقرة الجلاّلة ونجاسته، بناءً على كون الطهارة والنجاسة منالاُمور الواقعيّة. م ح ـ ى.
(صفحه344)
أصالة البرائة
ج4
(صفحه346)
في أصالة البرائة
أصالة البرائة
وكيف كان، فأوّل ما وقع محلاًّ للنزاع في الاُصول العمليّة هو البرائة، ولابدّقبل البحث فيها من تقديم أمرين:
الأوّل: أنّ الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله ـ بعد بيان أنّ مجرى البرائة هوالشكّ في التكليف ومجرى الاشتغال هو الشكّ في المكلّف به ـ قسّم الشكّ فيالتكليف إلى الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة، وقسّم كلاًّ منهما إلى الشبهة الحكميّةوالموضوعيّة، ثمّ قال: منشأ الشكّ في الشبهة الموضوعيّة هو اشتباه الاُمورالخارجيّة، وفي الشبهة الحكميّة تارةً يكون منشأه فقد النصّ واُخرى إجمالهوثالثة تعارض النصّين(1).
ثمّ جعل لكلّ قسم من الأقسام الثمانية بحثا مستقلاًّ.
و الحقّ ما اختاره المحقّق الخراساني رحمهالله في ذلك حيث لم يفرّق بين الأقسام،بل جعل للجميع بحثا واحدا، وذلك لوحدة الملاك في جميع أقسام الشكّ فيالتكليف، فما سلكه الشيخ الأعظم رحمهالله تطويل بلاطائل معتدّبه.
تحرير محلّ النزاع