ج4
هذا الأثر الشرعي، فيختصّ شرطيّتها بحال الذكر ويصحّ العقد الفارسي فيحال نسيان العربيّة.
المقام الثاني: في المسبّبات
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في ذلك:
قال المحقّق النائيني رحمهالله :
وأمّا المسبّبات: فهي على قسمين: فإنّها تارةً تكون من الاُمور الاعتباريّةليس لها ما بحذاء في وعاء العين، بل وعائها وعاء الاعتبار ـ كالملكيّةوالزوجيّة والرقّيّة ونحو ذلك من الوضعيّات الاعتباريّة التي أمضاها الشارع واُخرى تكون من الاُمور الواقعيّة التي كشف عنها الشارع كالطهارةوالنجاسة الخبثيّة على احتمال قوّاه الشيخ قدسسره وإن ضعّفناه نحن في محلّه، ويأتيبيانه في مبحث الاستصحاب.
أمّا القسم الأوّل: فهو بنفسه ممّا تناله يد الوضع والرفع التشريعى، على مهو الحقّ عندنا من أنّ هذا القسم من الأحكام الوضعيّة يستقلّ بالجعل وليسمنتزعا من الأحكام التكليفيّة، فلو فرض أنّه أمكن أن يقع المسبّب عن إكراهونحوه كان للتمسّك بحديث الرفع مجال، فينزّل المسبّب منزلة العدم، وكأنّه لميقع، ويلزمه عدم ترتيب الآثار المترتّبة على المسبّب، من حلّيّة الأكل وجوازالتصرّف في باب العقود والإيقاعات.
لا أقول: إنّ الرفع تعلّق بالآثار، بل تعلّق بنفس المسبّب، لأنّه بنفسه ممّتناله يد الرفع، ولكن رفعه يقتضي رفع الآثار، لارتفاع العرض بارتفاعموضوعه، ولكن فرض وقوع المسبّب عن إكراه ونحوه في غاية الإشكال، فإنّالإكراه إنّما يتعلّق بإيجاد الأسباب، وقد ذكرنا في كتاب البيع ما قيل وما يمكن
(صفحه400)
أن يقال في المقام.
وأمّا القسم الثاني: وهو ما إذا كان المسبّب من الاُمور الواقعيّة التي كشفعنها الشارع ـ كالطهارة والنجاسة ـ فهو ممّا لا تناله يد الرفع والوضعالتشريعي، لأنّه من الاُمور التكوينيّة وهي تدور مدار وجودها التكويني متىتحقّقت ووجدت، لا تقبل الرفع التشريعي، بل رفعها لابدّ وأن يكون من سنخوضعها تكوينا.
نعم، يصحّ أن يتعلّق الرفع التشريعي بها بلحاظ ما رتّب عليها من الآثارالشرعيّة. ولا يتوهّم أنّ لازم ذلك عدم وجوب الغسل على من اُكره علىالجنابة أو عدم وجوب التطهير على من اُكره على النجاسة، بدعوى أنّ الجنابةالمكره عليها وإن لم تقبل الرفع التشريعي، إلاّ أنّها باعتبار ما لها من الأثرـ وهو الغسل ـ قابلة للرفع، فإنّ الغسل والتطهير أمران وجوديّان قد أمرالشارع بهما عقيب الجنابة والنجاسة مطلقا، من غيرفرق بين الجنابة والنجاسةالاختياريّة وغيرها، فتأمّل، فإنّ المقام يحتاج إلى بسط من الكلام لا يسعهالمجال(1)، إنتهى كلامه.
و يرد على ذيل كلامه أنّ إطلاق أدلّة وجوب الغسل عقيب الجنابةوالتطهير عقيب النجاسة لا يقتضي عدم جريان حديث الرفع في موارد الإكراهعلى الجنابة أو النجاسة، ضرورة أنّ أدلّة الأحكام الأوّليّة في سائر مواردحديث الرفع أيضا مطلقة، ومع ذلك حديث الرفع حاكم عليها، ألا ترى أنّ مدلّ على حرمة شرب الخمر يعمّ الشرب الاختياري والإكراهي كليهما،وقوله صلىاللهعليهوآله : «رفع ما اُكرهوا عليه» حاكم عليه ويستنتج من مجموع الدليليناختصاص الحرمة بحال الاختيار؟
- (1) فوائد الاُصول 3: 357.
ج4
فالمقام أيضا كذلك، لأنّ ما دلّ فرضا على وجوب الغسل عقيب الجنابةوالتطهير عقيب النجاسة وإن كان مطلقا، إلاّ أنّ «رفع ما اُكرهوا عليه» حاكمعليه، فلازم ذلك عدم وجوب الغسل على من اُكره على الجنابة وعدم وجوبالتطهير على من اُكره على النجاسة، وهل يمكن الالتزام بذلك؟!
والجواب الصحيح عن هذا الإشكال: هو أنّا لانسلّم وجوب غسل الجنابة،فإنّه لو كان واجبا لكان وجوبه غيريّا مقدّميّا، وتقدّم البحث حول وجوبمقدّمة الواجب وثبت هناك عدم وجوبها.
نعم، غسل الجنابة شرط لصحّة الصلاة بمقتضى قوله عليهالسلام : «لا صلاة إلبطهور»(1) إلاّ أنّه لا يرتبط بما اُكره عليه، وهو الجنابة، لكي يرفع بحديثالرفع.
هذا تمام الكلام في الرواية الاُولى.
الاستدلال على البرائة بحديث «كل شيءٍ مطلق...»
ومن الأخبار التي تمسّكوا بها على البرائة ما رواه الصدوق رحمهالله بقوله: قالالصادق عليهالسلام : «كلّ شيءٍ مطلق حتّى يرد فيه نهي»(2).
وهذا الحديث وإن كان مرسلاً، إلاّ أنّ هذا النوع من الإرسال لا يسقطهعن الحجّيّة، لأنّ ظاهره أنّ الوسائط كانوا في كمال الوثوق عند الصدوق رحمهالله بحيث أسند الحديث إلى المعصوم عليهالسلام بنحو الجزم، فعبّر بـ «قال الصادق عليهالسلام »والذي لا يكون حجّة من المراسيل هو ما نقل بمثل «عن بعض أصحابنا»،«عن رجل»، «روي أنّه عليهالسلام قال كذا» ونحوها، فلامجال للمناقشة في سند
- (1) وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 1.
- (2) وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، الباب 19 من أبواب القنوت، الحديث 3.
(صفحه402)
الحديث.
فلابدّ من تركيز البحث على دلالته، ولابأس بالبحث في الوجوه المحتملةفيه بحسب مقام الثبوت أوّلاً، ثمّ في ما دلّ عليه بحسب مقام الاستظهاروالإثبات ثانيا، فنقول:
أمّا بحسب مقام الثبوت، فلابدّ من ملاحظة معاني الألفاظ المستعملة فيالحديث لكي يتّضح الوجوه المحتملة فيه.
فنقول:
ما المراد من كلمة «مطلق»؟
أمّا كلمة «مطلق» فحيث إنّه استعمل هاهنا في مقابل «النهي» فلامحالة كانبمعنى «مباح» وهل اُريد به «الإباحة الشرعيّة الواقعيّة» أو «الظاهريّة» أو«الإباحة العقليّة(1)»؟ فيه وجوه.
ولا ريب في أنّ الوجه الثاني هو الذي يرتبط بمسألة البرائة، لكونه عبارةًعن الإباحة الظاهريّة في مورد الشكّ في الحكم الواقعي.
وأمّا الإباحة الشرعيّة الواقعيّة ـ التي موضوعها هو الأشياء بعناوينهالأوّليّة لا بما هي مشكوكة الحكم ـ والإباحة العقليّة فأجنبيّتان عن المقام، كملا يخفى.
ما المراد من كلمة «يرد»؟
وللفظ «الورود» هاهنا احتمالان:
- (1) اختلفوا في أنّ الأصل الأوّلي في الأشياء ـ قبل جعل أحكامها الشرعيّة ـ هل هو الإباحة أو الحظر، بمعنىأنّ العقل هل يحكم بجواز التصرّف فيها أو بمنعه؟ واحتمال إرادة الإباحة العقليّة من الحديث بعيد، لكنّهصرف احتمال في مقام الثبوت. منه مدّ ظلّه.
ج4
أ ـ أن يكون بمعنى جعل الحكم.
ب ـ أن يكون بمعنى وصول الحكم إلى المكلّف.
و على هذا الاحتمال الثاني لا يصدق «الورود» على جعل الحكم واقعا ما لميصل إلى المكلّف.
ولا يخفى أنّ الاستدلال بالحديث لا يتمّ إلاّ على هذا الاحتمال، لأنّ الكلامفي باب البرائة إنّما هو في أنّ شرب التتن مثلاً لو كان في الواقع حراما، لكنّالمكلّف كان شاكّا في حكمه الواقعي، لعدم وصوله إليه، فهل يجوز له التمسّكبأصالة البرائة أم لا؟
ما المراد من كلمة «نهي»؟
لا ريب في أنّ كلّ نهي لابدّ من أن يتعلّق بشيءٍ، والمراد من النهي هاهنإمّا النهي المتعلّق بالعناوين الواقعيّة أو الأعمّ منه ومن الظاهري، كالمستفاد منالاحتياط.
ولا يخفى عليك أنّ النهي لو كان أعمّ لتقدّم أدلّة الاحتياط ـ على فرضتماميّتها ـ على هذا الحديث، لأنّه يدلّ على كون حلّيّة الأشياء مشروطة بعدمورود النهي، وأدلّة الاحتياط وإن لم تكن بلسان النهي، إلاّ أنّها بمعناه، حيث إنّالاحتياط في شرب التتن مثلاً هو الاجتناب عنه.
بخلاف ما إذا اُريد منه خصوص النهي المتعلّق بالعناوين الواقعيّة، فحينئذٍيقع التعارض بينه وبين أدلّة الاحتياط كما لا يخفى.
وقد أشرنا إلى أنّ الاستدلال بالحديث في مبحث البرائة مبنيّ على ما إذاُريد من «الإطلاق» الإباحة الظاهريّة، ومن «الورود» الوصول إلى المكلّف.
نعم، لافرق في ذلك بين كون «النهي» متعلّقا بالعناوين الواقعيّة وبين كونه