(صفحه152)
بداعي تحصيل ما هو المأمور به واقعاً على كلّ حال، بل يحكم بحسنه ومدحفاعله.
والحاصل: أنّ الاحتياط إذا كان لغرض عقلائي ـ كالفرار من صعوبةالاجتهاد أو تحصيل العلم الوجداني بوقوع المأمور به ـ لا يستلزم اللعبوالاستهزاء أصلاً.
وثانياً: أنّ هذا اللعب ليس لعباً بأمر المولى، بل في كيفيّة إطاعته، ولا ضيرفيه، ألا ترى أنّه إذا تحقّق قصد القربة في أصل العبادة فلا يضرّ دخل بعضالدواعي النفسانيّة في خصوصيّاتها، كالتوضّي بالماء البارد في الصيف وبالماءالمسخّن في الشتاء واختيار المكان الملائم للطبع للصلاة؟
والحاصل: أنّ الامتثال العلمي الإجمالي لا يتأخّر عن الامتثال التفصيلي،بل كلاهما عند العقل في رتبة واحدة.
هذا تمام الكلام في العلم الإجمالي، وبه تمّ مباحث القطع.
ج4
(صفحه154)
في إمكان التعبّد بالظنّ
الظنّ
وقد حان وقت التكلّم فيما هو المهمّ من عقد هذا المقصد، وهو الظنّ.
ولنبحث عنه في ذيل اُمور ثلاثة:
الأمر الأوّل: في إمكان التعبّد بالظنّ
لا ريب في أنّ الأمارة غير العلميّة ليست كالقطع في الحجّيّة الذاتيّة، فهليمكن(1) جعل الحجّيّة لها أم لا؟
ذهب المشهور إلى الأوّل، وابن قبة ومن تبعه إلى الثاني.
ما استدلّ به على الإمكان وكلام الشيخ الأنصاري رحمهالله في ذلك
قال الشيخ الأعظم رحمهالله في رسائله:
استدلّ المشهور على الإمكان بأنّا نقطع بأنّه لا يلزم من التعبّد به محال.
وفي هذا التقرير نظر، إذ القطع بعدم لزوم المحال في الواقع موقوف علىإحاطة العقل بجميع الجهات المحسّنة والمقبّحة وعلمه بانتفائها(2)، وهو غير
- (1) المراد بالإمكان هاهنا هو كون الشيء بحيث لا يلزم من فرض وقوعه محال، ويعبّر عنه بالإمكانالوقوعي، ويقابله الاستحالة الوقوعيّة التي هي عبارة عن كون الشيء غير ممتنع بحسب ذاته وماهيّته، إلأنّه يلزم من فرض وقوعه محال. منه مدّ ظلّه.
- (2) أي انتفاء الجهات المقبّحة. م ح ـ ى.
ج4
حاصل فيما نحن فيه.
فالأولى أن يقرّر هكذا: إنّا لا نجد في عقولنا بعد التأمّل ما يوجبالاستحالة، وهذا(1) طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالإمكان(2)، إنتهى كلامه.
كلام المحقّق صاحب الكفاية رحمهالله في المقام
وناقش فيه المحقّق الخراساني رحمهالله بثلاثة اُمور:
أ ـ منع استقرار سيرة العقلاء على الحكم بإمكان الشيء عند احتمالامتناعه.
ب ـ منع اعتبار هذه السيرة؛ لعدم قيام دليل قطعي عليه، والتمسّك بالظنّلإثبات اعتبارها يستلزم الدور؛ لأنّ الكلام الآن في إمكان وامتناع التعبّدبالمظنّة التي من مصاديقها هذا الظنّ.
ج ـ أنّه لا يترتّب على النزاع في إمكان التعبّد بالظنّ واستحالته ثمرة عمليّةما لم يثبت وقوعه، وإذا ثبت وقوعه فلم نحتج لإثبات إمكانه إلى أمر آخر،لأنّ أدلّ دليل على إمكان شيء وقوعه.
وأمّا الإمكان في كلام الشيخ الرئيس: «كلّما قرع سمعك من الغرائبفذره في بقعة الإمكان ما لم يذدك(3) عنه واضح البرهان» فلا يرتبطبالمقام، لأنّا نبحث في أنّ التعبّد بالظنّ هل يتّصف واقعاً بالإمكانالوقوعي، فلا يترتّب عليه تالٍ باطل، أو بالاستحالة الوقوعيّة، فيترتّبعليه ذلك.
- (1) هذه الجملة جواب عن سؤال مقدّر، كأنّ قائلاً يقول: عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود، فأجابعنه: بأنّ العقلاء لا يلتزمون لإثبات إمكان الشيء بلزوم قيام دليل قطعي عليه، بل يحكمون به بمجرّد عدموجدان برهان على امتناعه. منه مدّ ظلّه.
- (2) فرائد الاُصول 1: 106.
- (3) ذاده: دفعه وطرده. م ح ـ ى.
(صفحه156)
بخلاف «الإمكان» في كلام الشيخ الرئيس، فإنّه بمعنى الاحتمال الذي يكونمن الأوصاف القائمة بالنفس، يعني: «كلّما قرع سمعك من الاُمور العجيبةالغريبة فلا تكذّبه، بل احتمل في نفسك صدقه وكذبه، إلاّ أن يقوم عندكبرهان قاطع على دفعه ومنعه، فلك أن تكذّبه حينئذٍ»(1).
هذا حاصل ما اعترض به المحقّق الخراساني رحمهالله على ما استدلّ به الشيخالأعظم لإثبات إمكان التعبّد بالظنّ.
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في ذلك
واعترض عليه المحقّق النائيني رحمهالله بإشكال آخر، وهو أنّ مورد بناءالعقلاء هو الإمكان التكويني، والمراد من الإمكان المبحوث عنه في المقامهو الإمكان التشريعي، يعني أنّ من التعبّد بالأمارات هل يلزم محذور فيعالم التشريع: من تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة واستلزامه الحكمبلا ملاك واجتماع الحكمين المتنافيين، وغير ذلك من التوالي الفاسدةالمتوهّمة في المقام، أو أنّه لا يلزم شيء من ذلك؟ وليس المراد من الإمكانهو الإمكان التكويني بحيث يلزم من التعبّد بالظنّ أو الأصل محذور في عالمالتكوين، فإنّ الإمكان التكويني لا يتوهّم البحث عنه في المقام،وذلك واضح(2).
نقد كلام المحقّق النائيني رحمهالله
وفيه: أنّ البحث وإن كان في الإمكان التشريعي، إلاّ أنّه ليس نوعاً ثالثاً من
- (2) فوائد الاُصول 3: 88 .