(صفحه280)
منها: ما عن الصادقين عليهماالسلام أنّهما قالا: «لا تصدّق علينا إلاّ ما وافق كتاباللّه وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله »(1).
ومنها: ما عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال: «إذا جاءكم عنّا حديثفوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب اللّه فخذوا به، وإلاّ فقفوا عنده ثمّردّوه إلينا حتّى يستبين لكم»(2).
ومنها: ما عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: خطب النبيّ صلىاللهعليهوآله بمنى، فقال: «أيُّها الناسما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللّه فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلمأقله»(3).
إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة فيها أمثال هذه التعابير.
الجواب عن الاستدلال بالأخبار
وفيه: أنّهم لابدّ من أن يدّعوا تواتر هذه الروايات، ضرورة عدم جوازالتمسّك بالخبر الواحد لإثبات عدم حجّيّته.
ولا يمكن دعوى تواترها لفظاً، لاختلاف تعابيرها، ولا معنىً، لاختلافمضامينها سعةً وضيقاً.
نعم، تواترها إجمالاً لا يمكن أن يُنكر، فلابدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن منمجموع هذه المضامين المختلفة، والقول بعدم حجّيّته، وهو الخبر المخالفللكتاب.
لكن لا تعدّ المخالفة بالعموم والخصوص أو بالإطلاق والتقييد ونحوهممخالفة في مقام التقنين، وإن عدّت مخالفةً عند المنطقيّين، فإنّ الموجبة الكلّيّة
- (1) وسائل الشيعة 27: 123، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 47.
- (2) وسائل الشيعة 27: 112، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 18.
- (3) وسائل الشيعة 27: 111، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15.
ج4
تناقض السالبة الجزئيّة، والسالبة الكلّيّة تناقض الموجبة الجزئيّة عندهم، وأمّالعرف فلا يرى بينهما مناقضة، بل يحمل العامّ على الخاصّ والمطلق على المقيّد.
فغاية ما يستفاد من الأخبار المذكورة هو عدم جواز العمل بخبر يخالفالكتاب بحيث لا يمكن بينهما الجمع العرفي، وهذا ما لا ينكره أحد من القائلينبحجّيّة الخبر الواحد.
وبهذا يندفع ما ربما يقال، من أنّ القول بحجّيّة الخبر الواحد يستلزم الأخذبكلّ واحد من هذه الأخبار التي اُقيمت على عدم حجّيّة الخبر الواحد، وليتوقّف التمسّك بها على إثبات التواتر والأخذ بالقدر المتيقّن منها.
وجه الاندفاع أنّ كلّ واحد من هذه الروايات وإن كانت حجّة عندنا، إلأنّها ـ كما عرفت ـ تختلف سعةً وضيقاً، فلابدّ من الجمع بينها بتخصيص العامّبالخاصّ وحمل المطلق على المقيّد، ويلزمه أيضاً الأخذ بالقدر المتيقّن منهوالقول بعدم حجّيّة خصوص الخبر المخالف للكتاب.
والحاصل: أنّ نتيجة الأخبار المانعة هي عدم جواز الأخذ بالخبر المخالفللكتاب، ومن قال بحجّيّة الخبر الواحد لا يقول بها بنحو الموجبة الكلّيّة،بل بنحو الموجبة الجزئيّة التي لا تنافي عدم حجّيّته فيما إذا خالف كتاب اللّهعزّ وجلّ.
استدلال المانعين بالإجماع ونقده
وأمّا الإجماع: فقد ادّعاه السيّد المرتضى رحمهالله في مواضع من كلامه، وجعله فيبعضها بمنزلة القياس في كون ترك العمل به معروفاً من مذهب الشيعة.
وفيه: أنّه لم يتحقّق لنا هذا الإجماع، والاعتماد على نقله تعويل على خبرالواحد، مع معارضته بدعوى الشيخ الطوسي رحمهالله الإجماع على حجّيّة الخبر
(صفحه282)
الواحد في الجملة(1).
استدلال المانعين بدليل العقل وجوابه
وأمّا العقل: فما تقدّم عن ابن قبة ومن تبعه من الدليلين المتقدِّمين في مبحثإمكان التعبّد بالمظنّة، وقد عرفت المناقشة فيهما. فراجع(2).
والحاصل: أنّ جميع ما استدلّ به المنكرون مخدوش، لكنّك قد عرفت أنّهملا يحتاجون إلى إقامة البرهان لإثبات عدم الاعتبار، بل يكفيهم أنّ الأصلحرمة العمل بالمظنّة، فالمهمّ ملاحظة ما تمسّك به المثبتون.
براهين القائلين بحجّيّة الخبر الواحد
وهي الأدلّة الأربعة:في براهين القائلين بحجّيّة الخبر الواحد
أمّا الكتاب: فقد استدلّ بآيات منه:
آية «النبأ»
منها: قوله تعالى في سورة الحجرات: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
ج4
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ»(1).
قال الطبرسي: قوله: «إن جاءكم فاسق» نزل في الوليد بن عقبة بن أبيمعيط، بعثه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله في صدقات بني المصطلق فخرجوا يتلقّونه فرحاً بهوكانت بينهم عداوة في الجاهليّة، فظنّ أنّهم همّوا بقتله، فرجع إلىرسول اللّه صلىاللهعليهوآله وقال: إنّهم منعوا صدقتهم، وكان الأمر بخلافه، فغضب النبيّ صلىاللهعليهوآله وهمَّ أن يغزوهم، فنزلت الآية(2)، إنتهى.
استدلّ بهذه الآية من طريق مفهوم الوصف تارةً ومن طريق مفهومالشرط اُخرى.
البحث حول مفهوم الوصف من آية «النبأ»
أمّا الأوّل: فتقريبه أنّ الحكم في الآية ـ أعني وجوب التبيّن ـ علّق علىوصف «الفاسق» وتعليق حكم على صفة يدلّ على انتفاء سنخه بانتفائها، فإذلم يكن المخبر فاسقاً، بل كان عادلاً، أو كان غير عادل ولا فاسق ـ بناءً علىثبوت الواسطة بينهما ـ فلم يجب التبيّن في خبره، وإذا لم يجب التبيّن عن خبرالعادل، فإمّا أن يردّ وإمّا أن يقبل، ولا سبيل إلى الأوّل، لأنّه يلزم أن يكونالعادل أسوء حالاً من الفاسق، فيتعيّن الثاني، وهو المطلوب، لأنّا لا نعنيبحجّيّة الخبر الواحد إلاّ قبوله.
والحاصل: أنّ الآية تدلّ بمنطوقها على عدم حجّيّة خبر الفاسق، وبمفهوموصفها على حجّيّة خبر العادل فقط بناءً على كونهما ضدّين لا ثالث لهما،وعلى حجّيّة خبر من ليس بفاسق ولا عادل أيضاً بناءً على ثبوت الواسطة
- (2) مجمع البيان في تفسير القرآن 9: 132.
(صفحه284)
بينهما.
وفيه: أنّك قد عرفت(1) أنّه لا مفهوم للجملة الوصفيّة، بل أنكر دلالتها علىالمفهوم كثير ممّن قال بدلالة الجملة الشرطيّة عليه، وذلك لأنّ دلالتها علىالانتفاء عند الانتفاء تبتني على كون الوصف علّة منحصرة للحكم، ولا يمكنالالتزام به، ضرورة أنّ الوصف لا يدلّ عليه لا بمادّته ولا بهيئته، ولا دلالةلمجموع الجملة الوصفيّة أيضاً عليه.
على أنّ المفهوم لا يختصّ بالحكم الإنشائي، فلو كان للوصف مفهوم فلابدّمن أن يكون الجملة الخبريّة أيضاً دالّةً عليه، وهو خلاف الوجدان السليم،ضرورة أنّك إذا قلت: «جاءني رجل عالم» فلا يفيد أنّ العلّة المنحصرة لمجيئههي كونه عالماً، فكذلك إذا قلت: «أكرم رجلاً عالماً».
إن قلت: الأصل في القيد أن يكون احترازيّاً، لا غالبيّاً(2) أو توضيحيّاً(3).
قلت: إن اُريد باحترازيّة القيد ثبوت المفهوم للجملة المشتملة له فهو أوّلالكلام، وإن اُريد كونه دخيلاً في ثبوت الحكم فهو مسلّم، لكن دخله فيه ليسبمعنى علّيّته المنحصرة التي يتوقّف ثبوت المفهوم عليها، ضرورة أنّ الحكميمكن أن يكون له علّتان مستقلّتان، فحينئذٍ كلّ منهما دخيل في الحكم من دونأن يدلّ دخله فيه على انتفائه عند انتفائه، بل انتفاء الحكم يتوقّف على انتفاءكلتا العلّتين كما لا يخفى.
البحث حول مفهوم الشرط من آية «النبأ»
- (1) راجع ص231 ـ 234 من الجزء الثالث.
- (2) كقوله تعالى: «وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ» النساء: 23.
فإنّ قيد «اللآتي في حجوركم» لا دخل له في حرمة «الربائب» لكنّ الربائب يعشن في حجور بعولةاُمّهاتهنّ غالباً. منه مدّ ظلّه.
- (3) كقوله تعالى: «وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً» النور: 33.
فإنّ قيد «إن أردن تحصّناً» توضيح لـ «الإكراه» لأنّ قوام «الإكراه على البغاء» إرادتهنّ التحصّن. م ح ـ ى.