ج4
بأنّها مرفوعة غيرموجودة، فلامحالة كان إسناد الرفع إليها مجازا بلحاظآثارها، فلا يلزم من شمول حديث الرفع للشبهات الحكميّة كون الإسنادحقيقيّا ومجازيّا.
والحاصل: أنّ الاستدلال بفقرة «ما لا يعلمون» من حديث الرفع علىالبرائة صحيح لا غبار عليه.
ثمّ إنّه لا بأس بالبحث عن سائر فقرات الحديث إجمالاً، فنقول:
ما هو معنى رفع الخطأ والنسيان؟
عبّر في أوّل الحديث بـ «رفع الخطأ والنسيان» ولا يمكن توجيهه بظاهره،لأنّ الأمر دائر بين إسناد الرفع إلى نفس هذين العنوانين حقيقةً، وبين إسنادهإليهما مجازا بلحاظ آثارهما.
ويرد على الأوّل أنّا نجد الخطأ والنسيان كثيرا في الاُمّة الإسلاميّة، فكيفيمكن الحكم بأنّهما مرفوعان عنهم حقيقةً؟!
وعلى الثاني ما عرفت(1) من عدم شمول حديث الرفع للأثر المترتّب علىنفس هذه العناوين التسعة، لاستلزامه كونها مقتضية لثبوت ذلك الأثر ورفعهكليهما، وهذا جمع بين المتنافيين.
فعلى هذا ما معنى «رفع الخطأ والنسيان»؟
أقول: المراد به هو «رفع ما أخطأوا وما نسوا».
ويؤيّده أنّه عبّر به في بعض الأحاديث المرويّة عن الأئمّة عليهمالسلام الناقلة لكلامالنبيّ صلىاللهعليهوآله (2)، فإنّه يدلّ إمّا على أنّ اللفظ الصادر عن النبيّ صلىاللهعليهوآله كان مشتملاً على
- (2) مستدرك الوسائل 12: 24، كتاب الجهاد، الباب 56 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، الحديث 2.
(صفحه384)
الموصول من أوّل الأمر، أو على أنّ اللفظ وإن كان بدون الموصول كما نقل فيكتاب «الخصال» إلاّ أنّه بمعنى ما اشتمل عليه.
ويؤيّده أيضا استدلال الفقهاء بحديث الرفع على عدم بطلان الصلاةبنسيان سجدة واحدة أو بنسيان التشهّد مثلاً، فإنّ نسيان مثل التشهّد أوالسجدة الواحدة لا يرتبط بـ «رفع النسيان» إلاّ إذا كان بمعنى «رفع ما نسوا»أي رفع جزئيّة التشهّد المنسيّ والسجدة المنسيّة، فكانت الصلاة الفاقدة لهمصحيحة تامّة الأجزاء.
والحاصل: أنّ الرفع اُسند في هذه الفقرة من الحديث أيضا إلى الموصولبلحاظ آثاره وأحكامه.
نسيان الأجزاء والشرائط
ثمّ إنّه لابأس بصرف عنان الكلام إلى حكم نسيان جزء العبادة أو شرطهوأنّه هل هو داخل تحت حديث الرفع أم لا؟ فإنّه أمر مختلف فيه وله آثاركثيرة في الفقه، فنقول:
لا يخفى عليك أنّ النسيان تارةً يتعلّق بالحكم الشرعي، كما إذا نسي حرمةالخمر أو جزئيّة التشهّد للصلاة، واُخرى بموضوعه، كما إذا نسي كون مايعخمرا وشربه مع العلم والذكر بكون الخمر حراما، أو نسي الإتيان بالتشهّد فيالصلاة مع العلم ـ في خزانة ذاكرته ـ بجزئيّته لها.
لا فرق بين نسيان الحكم والموضوع في جريان حديث الرفع في الأحكامالتكليفيّة، فيجري في موارد نسيان الخمريّة وفي موارد نسيان حرمة الخمركليهما. وأمّا الأحكام الوضعيّة فلابدّ من إفراد كلّ من الحكم والموضوع ببحث
ج4
مستقلّ.
البحث حول نسيان الجزئيّة والشرطيّة
فنقول:
إذا نسينا جزئيّة شيءٍ أو شرطيّته لعبادة ـ كما إذا نسينا جزئيّة السورةأو شرطيّة الطهارة مثلاً للصلاة ـ كان حديث الرفع حاكما على إطلاقأدلّة الجزئيّة والشرطيّة، كما كان حاكما على إطلاق أدلّة الأحكامالتكليفيّة، فيحكم بصحّة الصلاة الفاقدة للتشهّد المنسيّ جزئيّته أو الطهارةعن الخبث المنسيّ شرطيّتها(1)، فلا تجب الإعادة أو القضاء إذا تذكّر في الوقتأو في خارجه، وذلك لعدم تغاير الأمر المتوجّه إلى الناسي مع الأمر المتوجّهإلى الذاكر، بل هاهنا أمر واحد شامل لجميع المكلّفين، وهو «أقيموا الصلاة»مثلاً، وسائر الأدلّة تبيّن حدود المأمور به وثغوره، فما دلّ على وجوب أربعركعات على الحاضر وركعتين على المسافر إنّما يدلّ على حدود الماهيّة المأموربها في ذلك الدليل الكلّي الشامل لجميع المكلّفين، وكذا ما دلّ على كيفيّة صلاةالقائم، والقاعد العاجز عن القيام، والمضطجع العاجز عنهما، والغريق المشرفعلى الموت، وصلاة واجد الساتر وفاقده، وغيرها من حالات المكلّفينالمختلفة.
فالأمر بالنسبة إلى جميع هؤلاء الأشخاص واحد، وهو «أقيموا الصلاة»والأدلّة الاُخرى في مقام بيان مقدار أجزاء المأمور به وشرائطه بالنسبة إلى
- (1) ولا يخفى أنّ حديث «لاتعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود»ـ وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، الباب 3 من أبواب الوضوء، الحديث 8 ـ ميّز بلحاظ المستثنىوالمستثنى منه الأجزاء والشرائط التي تجب إعادة الصلاة الفاقدة لها ممّا لا تجب الإعادة منها، لكنّالبحث لا ينحصر في الصلاة، بل يعمّ جميع العبادات، على أنّ التمثيل بمثل التشهّد والطهارة عن الخبثيكون مع قطع النظر عن حديث «لا تعاد». منه مدّ ظلّه.
(صفحه386)
كلّ واحد منهم. والأمر هكذا في المقام، فإنّ ما دلّ على وجوب الصلاة مثلعلى كلّ مكلّف يعمّ الذاكر والناسي، وحديث الرفع الذي هو حاكم علىإطلاق دليل جزئيّة التشهّد مثلاً يدلّ على عدم جزئيّته في حقّ من نسيالجزئيّة، فيتحقّق الامتثال بالصلاة المأتيّ بها الفاقدة للتشهّد، لانطباق المأموربه عليها، فلا تجب الإعادة والقضاء إذا تذكّر في الوقت أو خارجه.
البحث حول نسيان الجزء أو الشرط
وهكذا الأمر في باب نسيان الجزء أو الشرط، فإنّ حديث الرفع كما كانحاكما على إطلاق أدلّة الجزئيّة والشرطيّة عند نسيانهما، كذلك كان حاكمعليه في مورد نسيان الجزء أو الشرط.
بل الأمر هاهنا أولى بناءً على ما تقدّم(1) من توهّم اختصاص الحديثبالموضوعات وعدم شموله للأحكام بملاحظة وحدة السياق مع مثل فقرتي«ما اُكرهوا عليه» و«مااضطرّوا إليه».
والحاصل: أنّ حديث الرفع بلحاظ فقرة «رفع النسيان» يكون حاكما علىإطلاق أدلّة الجزئيّة والشرطيّة في مورد نسيان الحكم والموضوع كليهما،فتكون العبادة الفاقدة للجزء أو الشرط المنسيّ تامّة الأجزاء والشرائط.
لكن استشكل شمول حديث الرفع لنسيان الجزء أو الشرط تارةً: بأنّالمكلّف إذا كان عالما ذاكرا بجزئيّة السورة أو شرطيّة الطهارة فلا يمكن الحكمبصحّة صلاته الفاقدة لهما.
واُخرى: بأنّه لا يمكن الحكم بصحّة صلاة الناسي للجزء أو الشرط إلاّ إذتعلّق الأمر بالنسبة إليه بالصلاة الفاقدة لهما، كأن يقول الشارع ـ فيما إذا كانت
ج4
الصلاة مركّبة من عشرة أجزاء مثلاً ـ : «أيّها الناسي للسورة يكفيك الإتيانبالصلاة الفاقدة لها المشتملة على الأجزاء التسعة الباقية» مع أنّ توجيهالخطاب إليه بهذا النحو يستلزم زوال نسيانه.
ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّه خلط بين التمسّك بفقرة «رفع ما لا يعلمون»و«رفع النسيان» فإنّا لانتمسّك في المقام بفقرة «رفع ما لا يعلمون» كي يقالبأنّه لا يلائم العلم والذكر بالجزئيّة والشرطيّة، بل نتمسّك بفقرة «رفعالنسيان» التي تكون بمعنى «رفع ما نسوا» والمكلّف وإن كان ذاكرا بجزئيّةالسورة للصلاة مثلاً، بحث لو سئل: «هل السورة جزء لها أم لا؟» يجيب بقوله:«نعم، هي جزء لها» إلاّ أنّه نسي الإتيان بها في مقام الامتثال، فيعمّه قوله صلىاللهعليهوآله :«رفع النسيان» ويحكم بعدم جزئيّتها.
وعن الثاني بأنّ تكليف كلّ من الذاكر والناسي لا يجب أن يكون مستقلعن الآخر، بأن يقول:«أيّها الذاكر صلاتك مركّبة من عشرة أجزاء، أحدهالسورة» و«أيّها الناسي صلاتك مركّبة من تسعة أجزاء ولا يجب عليكالسورة» بل للمولى طرق اُخرى لذلك سليمة عن هذا الإشكال، منها أن يأمرالكلّ بخطاب واحد، ثمّ يأمر الذاكر بخطاب آخر لأجل إيجاب ما زاد علىالتكليف العامّ عليه، فيقول: «أيّها الناس يجب عليكم الصلاة المركّبة من أجزاءتسعة» ثمّ يقول للذاكر: «أيّها الذاكر للسورة يجب عليك الإتيان بها أيضا فيصلاتك».
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المسألة
والمحقّق النائيني رحمهالله أورد في المقام إشكالات عديدة بقوله:
إنّ الوضع يتوجّه على المعدوم، فيجعله موجودا ويلزمه ترتيب آثار