عدديّا ـ فهو من كيفيّات الفعل، فلا يمكن أن يكون موجودا قبله.
و قد أجاب بعض الأكابر عن هذه الشبهة.
لكنّ الإنصاف أنّه يمكن أن يراد من «الموصول» الأعمّ من التكليفوموضوعه، ولا يلزم أن يكون المراد من الموصول الأعمّ من المفعول بهوالمفعول المطلق، بل يراد منه خصوص المفعول به، فإنّ المفعول المطلق النوعيوالعددي يصحّ جعله مفعولاً به بنحو من العناية، مثلاً الوجوب والتحريم وإنكان وجودهما بنفس الإيجاب والإنشاء، وليس لهما نحو تحقّق في المرتبةالسابقة، إلاّ أنّهما باعتبار ما لهما من المعنى الاسم المصدري(1) يصحّ تعلّقالتكليف بهما. نعم، هما بمعنى المصدر لا يصحّ تعلّق التكليف بهما(2)، إنتهىملخّصا.
زيدا» كان زيد مفروض التحقّق قبل وقوع الضرب عليه، ثمّ يصير متّصفبالمضروبيّة بعده.
ويعكس الأمر في المفعول المطلق، فإنّ المفعول المطلق النوعي أو العددييكون صفة للمصدر، لكون الأوّل مبيّنا لكيفيّته والثاني لكمّيّته، فيكونالمصدر متقدّما على المفعول المطلق رتبةً تقدّم الموصوف على صفته.
و لا يمكن أن يكون شيء بالنسبة إلى شيء آخر صفة له متأخّرا عنهوموصوفا له متقدّما عليه ولو بالعناية والمسامحة، لامتناع الجمع بين أمرينمتباينين ولو تجوّزا.
فكيف يمكن أن يجعل «الموصول» في الآية الشريفة أعمّ من التكليفوموضوعه بجعل المفعول المطلق مفعولاً به مسامحة مع أنّه يستلزم أن يكونمصدر قوله: «لاَ يُكَلِّفُ» وصفا للموصول متأخّرا عنه رتبةً بلحاظ كونالموصول مفعولاً به، وموصوفا له متقدّما عليه بلحاظ كونه مفعولاً مطلقا؟!
كلام المحقّق العراقي رحمهالله في المسألة
و منهم المحقّق العراقي رحمهالله ، حيث قال في الجواب عن الشبهة:
و أنت خبير بما في هذا الإشكال، فإنّه يرد ذلك في فرض إرادةالخصوصيّات المزبورة من شخص الموصول، وإلاّ فبناءً على استعمال الموصولفي معناه الكلّي العامّ(1) وإرادة الخصوصيّات المزبورة من دوالّ اُخر خارجيّةفلا يتوجّه محذور، لا من طرف «الموصول»، ولا في لفظ «الإيتاء» ولا منجهة تعلّق الفعل بالموصول.
وذلك أمّا من جهة الموصول فظاهر، فإنّه لم يستعمل إلاّ في معناه الكلّي
- (1) وهو ما يعبّر عنه بالفارسيّة بـ «چيزى كه». منه مدّ ظلّه في توضيح كلام المحقّق العراقي رحمهالله .
(صفحه356)
العامّ وأنّ إفادة الخصوصيّات إنّما كان بتوسيط دالّ آخر خارجي.
وكذلك الأمر في لفظ «الإيتاء» فإنّه أيضا مستعمل في معناه، وهو الإعطاء،غير أنّه يختلف مصاديقه من كونه تارةً هو الإعلام عند إضافته إلى الحكم،واُخرى الملكيّة أو الإقدار عند إضافته إلى المال أو الفعل.
و هكذا في تعلّق الفعل بالموصول، حيث لا يكون له إلاّ نحو تعلّق واحد به،ومجرّد تعدّده بالتحليل إلى نحو التعلّق بالمفعول به والتعلّق بالمفعول المطلق ليقتضي تعدّده بالنسبة إلى الجامع الذي هو مفاد الموصول(1).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
نقد ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله من قبل الإمام الخميني قدسسره
واستشكل عليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام رحمهالله بقوله:
وأنت خبير بما فيه، فإنّ مباينة نحو تعلّق الفعل بمفعول به ـ أي المبعوثإليه ـ وبمفعول مطلق، بحيث يكون أحدهما مفروض الوجود قبل الفعل،والآخر من كيفيّات نفس الفعل، تمنع عن إرادتهما باستعمال واحد، والمرادمن تعدّد الدالّ والمدلول إن كان دالّين آخرين ومدلولين آخرين غير مفادالآية، فهو كماترى، وإن كان القرينتين الدّالّتين على المعنى المراد منها، فمع عدمإمكان إرادتهما منها معا لا معنى لإقامة القرينة والجامع بينهما مفقود، بل غيرممكن، حتّى تكون الخصوصيّات من مصاديقه(2).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
وحاصله: أنّ كلاًّ من «الموصول» ولفظ «الإيتاء» وإن أمكن أن يكون
- (1) نهاية الأفكار 3: 202.
ج4
بمعناه العامّ، إلاّ أنّ تعلّق الفعل بالموصول لابدّ من أن يكون إمّا بنحو تعلّقهبالمفعول به أو بنحو تعلّقه بالمفعول المطلق، ولا يمكن الجمع بينهما، لتباينالنسبتين، فإنّ نسبة الفعل إلى المفعول به من قبيل نسبة الشيء إلى أمر متقدّمعليه رتبةً، وإلى المفعول المطلق من قبيل نسبته إلى أمر متأخّر عنه.
والحقّ أنّ كلام الإمام رحمهالله دقيق متين.
فلا يمكن دفع إشكال الاستحالة عن الوجه الرابع بما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله أيضا.
البحث بحسب مقام الإثبات
ثمّ إنّ المحقّق العراقي رحمهالله وإن التزم بإمكان الوجه الرابع، إلاّ أنّه استشكل فيهبحسب مقام الإثبات، فإنّه قال:
وحينئذٍ بعد إمكان إرادة الأعمّ من الحكم والفعل والمال ولو بنحو تعدّدالدالّ والمدلول، أمكن التمسّك بإطلاق الآية على مطلوب القائل بالبرائة، منعدم وجوب الاحتياط عند الشكّ وعدم العلم بالتكليف.
ثمّ قال:
هذا، ويمكن المناقشة فيه بعدم تماميّة إطلاق الآية مع وجود القدر المتيقّنفي مقام التخاطب، حيث إنّ القدر المتيقّن منه بقرينة السياق إنّما هو خصوصالمال، ومثله يمنع عن الأخذ بإطلاق الموصول لما يعمّ المال والتكليف(1)، إنتهىموضع الحاجة من كلامه.
ويرد عليه أنّ جريان أصالة الإطلاق لا يتوقّف على انتفاء القدر المتيقّن فيمقام التخاطب، كما تقدّم في مبحث المطلق والمقيّد(2).
- (1) نهاية الأفكار 3: 203.