(صفحه338)
ثمّ الظاهر أنّه تثبت الوثاقة بالتوثيقات العامّة كما تثبت بالتوثيقات الخاصّة،فلافرق بين شهادة علماء الرجال ـ كالنجاشي ـ بوثاقة زرارة بن أعين وأبيبصير ومحمّد بن مسلم وأضرابهم بالخصوص، وبين شهادة جعفر بن قولويهبوثاقة جميع من وقع في أسانيد أحاديث كتابه «كامل الزيارات» أو شهادةعليّ بن إبراهيم القمي بوثاقة جميع من وقع في أسانيد روايات تفسيره،فيحكم بوثاقة كلّ من كان في أسانيد أخبار هذين الكتابين، وإن لم يذكر فيكتب الرجال بمدح ولا ذمّ.
والتوثيق الخاصّ وإن كان أقوى دلالةً من التوثيق العامّ، إلاّ أنّه لا يوجبعدم ترتّب الأثر على الثاني، كما أنّ قول المولى: «أكرم زيداً العالم» يكونأقوى ظهوراً من قوله: «أكرم كلّ عالم» في دلالته على وجوب إكرام زيد، لكنوجوب إكرامه يثبت بالثاني أيضاً كالأوّل.
نعم، ثبوت الوثاقة بالتوثيق العامّ مشروط بعدم الجرح الصريح من قبلعلماء الرجال، فإن اشتمل أسانيد تفسير القمي مثلاً على شخص ضُعِّفصريحاً في كتب الرجال يحكم بضعفه لا بوثاقته، كما أنّه لا يحكم بوجوبإكرام زيد باستناد قول المولى: «أكرم كلّ عالم» إذا قال في دليل آخر: «لتكرم زيداً العالم»، لتقدّم الخاصّ على العامّ.
عدم حجّيّة الخبر الواحد في الموضوعات
ثمّ لا يخفى عليك أنّ حجّيّة الخبر الواحد تختصّ بالأحكام ولا تعمّالموضوعات، لا لأجل نقص في سيرة العقلاء، فإنّهم يعملون بخبر الثقة فيالموضوعات كما يعملون به في الأحكام، بل لردع الشارع عنه، فإنّه جعلالبيّنة طريقاً إلى الموضوعات، وهي خبر واحد مشتمل على خصوصيّتين:
ج4
إحداهما: تعدّد المخبر، الثانية: عدالته التي هي فوق الوثاقة، فاعتبار البيّنة فيالموضوعات يكون بمعنى ردع حجّيّة الخبر الواحد فيها، إذ لا معنى لجعلخصوص البيّنة طريقاً إلى الموضوعات لو كان صرف خبر الثقة ـ وإن لم يكنمتعدّداً ولا عادلاً ـ حجّة فيها.
نعم، يمكن أن تثبت الموضوعات باُمور اُخر أيضاً، كالاستصحاب الذيليس من سنخ الخبر الواحد، وقول صاحب المنزل، وإخبار ذي اليد.
هذا تمام الكلام في الخبر الواحد، وحاصله: أنّه حجّة في الأحكام دونالموضوعات.
ثمّ إنّ الاُصوليّين أقاموا وجوهاً لإثبات حجّيّة مطلق الظنّ، ووقع بينهمأبحاث طويلة حولها، لكن ينبغي الإضراب عنها؛ لأنّ أهمّها هو الدليلالمعروف بدليل الانسداد، وله مقدّمات، منها: انسداد باب العلم والعلميإلىكثير من التكاليف الإلهيّة، ولا مجال لهذه المقدّمة بعد إثبات حجّيّة الخبرالواحد، لورود أخبار كثيرة معتبرة مثبتة للتكاليف، فباب العلم إليها وإن كانمنسدّاً، إلاّ أنّ باب العلمي مفتوح، فلا يتمّ دليل الانسداد، فضلاً عن سائرالوجوه التي أقاموها لإثبات حجّيّة مطلق الظنّ.
هذا تمام الكلام في مباحث الظنّ.
(صفحه340)
المقصد السابع
في الاُصول العمليّة
ج4
(صفحه342)
في الاُصول العمليّة
بيان ما هو المهمّ من الاُصول العمليّة
وهي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل ممّا دلّعليه حكم العقل أو عموم النقل.
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : والمهمّ منها أربعة، فإنّ مثل قاعدة الطهارة فيماشتبه طهارته بالشبهة الحكميّة وإن كان ممّا ينتهي إليها فيما لاحجّة علىطهارته ولا على نجاسته، إلاّ أنّ البحث عنها ليس بمهمّ، حيث إنّها ثابتةبلاكلام من دون حاجة إلى نقض وإبرام، بخلاف الأربعة، وهي البرائةوالاحتياط والتخيير والاستصحاب، فإنّها محلّ الخلاف بين الأصحاب،ويحتاج تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل أو مقتضى عموم النقل فيهإلى مزيد بحث وبيان ومؤنة حجّة وبرهان، هذا مع جريانها في كلّ الأبوابواختصاص تلك القاعدة ببعضها(1)، إنتهى كلامه رحمهالله .
وقد يتخيّل أنّ الوجه في عدم ذكر أصالة الطهارة في علم الاُصول أنّالطهارة والنجاسة من الاُمور الواقعيّة، فدائما يكون الشكّ فيهما من الشبهةالمصداقيّة، إذ بعد كونهما من الاُمور الواقعيّة لا من الأحكام الشرعيّة كانالشكّ فيهما شكّا في الانطباق، فتكون الشبهة مصداقيّة، ومن الواضح أنّالبحث عن الشبهات الموضوعيّة لا يكون من المسائل الاُصوليّة؛ لأنّ المسألة