ج4
قال اللّه تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْتَطْهِيرا»(1).
لا إشكال في أنّ الإرادة في هذه الآية الشريفة هي الإرادة التكوينيّة، لأنّإرادة التطهير وإذهاب الرجس تشريعاً لا تختصّ بأهل البيت عليهمالسلام ، بل اللّهتعالى يريدهما في مقام التشريع من جميع العباد، وما يختصّ بهم عليهمالسلام إنّما هوإرادة عصمتهم تكويناً.
فهل هذا لا يقتضي كون العصمة أمراً جبريّاً اضطراريّاً؟
قلت: لا، فإنّ تركهم عليهمالسلام المحرّمات جبراً لا يوجب فضيلة لهم كي تكونالآية الشريفة في مقام بيانها.
بل إنّهم عليهمالسلام يتركون المحرّمات مع كونهم قادرين عليها.
توضيح ذلك: أنّ العصمة أمر متحقّق في جميع أفراد الإنسان في الجملة، ولوبأقلّ مراتبها، فإنّا نقطع بأنّ الإنسان العاقل المتشخّص لا يكشف عورتهبمرأى الناس ومنظرهم، مع أنّه قادر عليه، لوضوح قبحه عنده، وهذه مرتبةنازلة من العصمة، وكلّما ازدادت معرفة الناس بحقائق الاُمور وقبح المعاصيازدادت عصمتهم، وحيث إنّ قبح جميع المحرّمات وما يترتّب عليها من الآثاروالتبعات كان واضحاً عند أهل البيت وسائر المعصومين عليهمالسلام لم يحوموا حولها،بل ولا حول المكروهات، مع كونهم قادرين عليها، فتعلّق إرادة اللّه التكوينيّةبكونهم عليهمالسلام معصومين لا يوجب سلب اختيارهم في باب الإطاعة والعصيان.
والحاصل: أنّ الكتاب والسنّة والعقل والوجدان تحكم بأنّ الكفر والإيمانوالإطاعة والعصيان تكون تحت حاكميّة الاختيار، فلا يصحّ قياسها بمثلطول القامة وقصرها من الصفات المتحقّقة بالاضطرار، وإن كان كلا الفريقين
(صفحه82)
من عوارض الوجود الخارجي للإنسان، كما لا يصحّ قياسها بأجزاء الماهيّةولوازمها. فلا يترتّب استحقاق العقوبة والمثوبة إلاّ على ما يصدر عن الإنسانبإرادته واختياره.
هذا تمام الكلام في الانقياد والتجرّي وما يتعلّق بهما.
ج4
(صفحه84)
في أقسام القطع وقيام الأمارات والاُصول مقامه
الأمر الثالث: في أقسام القطع وقيام الأمارات والاُصول مقامه
القطع على قسمين:
الأوّل: ما يكون طريقاً صرفاً إلى الحكم الشرعي، وهو ما لم يؤخذموضوعاً لحكم أصلاً، بل الحكم تعلّق بالعنوان الواقعي، كما إذا قال: «الخمرحرام» ثمّ نحن قطعنا بحرمة الخمر أو بخمريّة مايع.
الثاني: ما جعل موضوعاً للحكم، وهو على قسمين؛ لأنّه تارةً: يكون تمامالموضوع، كما إذا قال: «إذا قطعت بخمريّة شيء يجب عليك التصدّق» واُخرى:جزئه، كما إذا قال: «إذا قطعت بخمريّة مايع وكان خمراً في الواقع يجب عليكالتصدّق» فوجوب التصدّق يترتّب في الأوّل على صرف القطع بالخمريّة،سواء أصاب أو أخطأ، بخلاف الثاني، فإنّ وجوب التصدّق فيه يتوقّف علىاجتماع أمرين:
أ ـ القطع بخمريّة مايع، ب ـ كونه خمراً في الواقع أيضاً، وأمّا إذا تحقّق أحدهمدون الآخر فلا يجب التصدّق.
وفي كل من القسمين إمّا أن يؤخذ القطع في الموضوع بما هو صفة خاصّة(1)قائمة بنفس القاطع، أو بما هو كاشف عن الواقع، وعلى الثاني، فإمّا أن يكونمأخوذاً فيه بلحاظ كاشفيّته التامّة أو بلحاظ مطلق الكاشفيّة.
- (1) في مقابل سائر الصفات النفسانيّة. م ح ـ ى.
ج4
فجميع أقسام القطع الموضوعي ستّة حاصلة من ضرب القسمينالحاصلين من التقسيم الأوّل إلى الأقسام الثلاثة الحاصلة من التقسيم الثاني،وبضميمة القطع الطريقي المحض إليها يصير جميع أقسام القطع سبعة.
كلام المحقّق الاصفهاني رحمهالله في المقام ونقده
وذهب المحقّق الاصفهاني رحمهالله إلى عدم إمكان أخذ القطع بما هو صفة قائمةبالنفس ـ بإلغاء جهة كشفه ـ في موضوع الحكم، لعدم إمكان انفكاك الكاشفيّةعن القطع، بل حقيقته عين الكشف، فملاحظة القطع بنفسه ـ مع قطع النظر عنحيثيّة كشفه ـ قطع النظر عن حقيقته(1).
هذا حاصل كلام المحقّق الاصفهاني رحمهالله .
وينقدح المناقشة فيه لمن أمعن النظر فيما قدّمناه(2) في مسألة كاشفيّة القطع،من أنّها ليست من لوازم ذاته، فضلاً عن كونها عين حقيقته، فإنّ القطع كثيرما يخالف الواقع، مع أنّ الكاشفيّة لو كانت عين القطع أو من لوازم ذاتهلاستحال انفكاكها عنه، كما يستحيل انفكاك الإنسانيّة عن الإنسان، أوالزوجيّة عن الأربعة.
سلّمنا كونها عينه، لكنّه لا يستلزم أن يمتنع أخذه في موضوع الحكمبلحاظ خصوص جهة كونه صفةً خاصّةً قائمةً بالنفس.
توضيح ذلك: أنّ الكلّ ـ حتّى من قال بكونه عين الكشف ـ يتسالمون علىأنّ للقطع جهتين:
أ ـ جهة قيامه بنفس القاطع، ب ـ جهة كشفه عن الواقع، وأخذ القطع في