ولا ينبغي الإشكال في دلالة الحديث على البرائة في الجملة، سواء جعلن«ما» موصولة وأضفنا كلمة «سعة» إليها، أو جعلناها مصدريّة زمانيّة وقرأنكلمة «سعة» بالتنوين.
إنّما الإشكال في أنّه هل يعارض أدلّة الاحتياط ـ على فرضتماميّتها وشمولها للشبهات البدويّة ـ أو لا يتمكّن من مقابلتها، بل هيمتقدّمة عليه؟
فعلى الأوّل يكون مفاده أنّ الناس من جهة الجهل بالحكم الشرعييكونون في سعة، فيعارض به أخبار الاحتياط الدالّة على كون الناس فيالضيق من جهة الحكم الشرعي المجهول، وعلى الثاني يكون مفاده أنّ الناسمادام لا يعلمون يكونون في سعة، فيكون أخبار الاحتياط حاكمة عليه علىتقدير تماميّة دلالتها(2).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه رحمهالله .
الأخير منه، لأنّ الحديث ـ بناءً على كون «ما» مصدريّة ـ يدلّ على كونالناس في السعة مادام كونهم غير عالمين، ولا ريب في أنّ أدلّة الاحتياط لتبدّل جهل المكلّف إلى العلم.
على أنّ أصالة الاحتياط التي مجراها هو الشكّ والجهل لا يعقل أن تكونرافعةً لشكّ المكلّف وجهله كما لا يخفى.
و بالجملة: حديث «السعة» يكون في عرض أدلّة الاحتياط، من دون أنيكون بينهما تقدّم وتأخّر أصلاً، سواء كانت «ما» موصولة أو مصدريّة، فيقعبينهما التعارض.
إن قلت: فما وجه تقدّم أدلّة الاحتياط على قاعدة «قبح العقاب بلابيان»؟
قلت: ليس المراد بـ «البيان» في القاعدة خصوص بيان التكليف، بل المرادهو البيان المصحّح للعقاب على المخالفة، ولا ريب في أنّ البيان المصحّح للعقابتارةً يتحقّق في ضمن بيان التكليف، كما إذا قال: «شرب التتن حرام» واُخرىفي ضمن إيجاب الاحتياط، كما إذا قال: «إذا شككت في حلّيّة شرب التتنوحرمته يجب عليك الاحتياط».
وبالجملة: إيجاب الاحتياط لا يصيّر غير العالم بالتكليف عالما به، فليتقدّم على قوله صلىاللهعليهوآله : «الناس في سعة ما لم يعلموا» لكنّه بيان مصحّح للعقوبةعلى المخالفة، فيتقدّم على قاعدة «قبح العقاب بلابيان».
كلام صاحب الكفاية رحمهالله في المقام
وفصّل المحقّق الخراساني رحمهالله بين كون الاحتياط واجبا طريقيّا، وبين كونهواجبا نفسيّا، فيعارض حديث «السعة» على الأوّل، ويتقدّم عليه على الثاني.
توضيح ذلك: أنّ وجوب الاحتياط لو كان طريقيّا لما ترتّب على موافقته
(صفحه414)
ثواب ولا على مخالفته عقاب، بل شرّع لأجل التحفّظ على الواقع المشكوك،فلو كان شرب التتن مثلاً في الواقع حراما وارتكبه المكلّف كان معاقبا عليه،لا على ترك الاحتياط، ولو لم يكن حراما لما كان عليه شيء.
و حينئذٍ قوله صلىاللهعليهوآله : «الناس في سعة ما لم يعلموا» يدلّ على كون المكلّف فيسعة وعدم كونه في ضيق لأجل مخالفة التكليف المجهول، ودليل وجوبالاحتياط يدلّ على كونه في ضيق ومستحقّا للعقوبة عليها، وهذا هو معنىالتعارض كما هو واضح.
نعم، لو كان الاحتياط واجبا نفسيّا لترتّب على صرف مخالفته استحقاقالعقوبة ولو لم تستلزم مخالفة تكليف واقعي، فيتقدّم على حديث «الناس فيسعة ما لم يعلموا» لأنّ هذا الحديث يدلّ على عدم كون المكلّف في ضيق ماداملم يكن عالما بالتكليف، ودليل الاحتياط يدلّ على التكليف النفسي الذييترتّب عليه المثوبة والعقوبة، فإذا علم به المكلّف علم بالتكليف ولم يبق مجاللحديث «السعة» لارتفاع الجهل وتبدّله إلى العلم، وهذا معنى تقدّم أدلّةالاحتياط على حديث «السعة»(1).
هذا توضيح ما أفاده رحمهالله في المقام.
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله
وهو متين على فرض كون وجوب الاحتياط طريقيّا.
وأمّا بناءً على كونه نفسيّا فلانسلّم تقدّمه على حديث «السعة» بل يقعالتعارض بينهما في هذا الفرض أيضا.
و ذلك لأنّ وجوب الاحتياط ـ ولو كان نفسيّا ـ شرّع في مورد الشكّ في