وكأنّ الشيخ رحمهالله لم يقدر على جواب هذه المناقشة حقيقةً، فإنّه اكتفى في مقامالجواب بأنّ قبول هذه الشبهة يستلزم القول بعدم حجّيّة الإجماع رأساً(1).
ما يقتضيه التحقيق في الإجماع اللطفي
ويرد عليه أوّلاً: أنّ وجه حجّيّة الإجماع المحصّل لا ينحصر في قاعدةاللطف كي يلزم من الخدشة فيها عدم حجّيّته رأساً.
نعم، من وظائفه بيان حكم اللّه الواقعي لو سئل عنه ولم يكن في مضيقةالتقيّة.
وأمّا في عصر الغيبة فلا دليل على وجوب بيان حكم اللّه من قبلالإمام عليهالسلام فيما إذا أجمع فقهاء العصر على حكم مخالف للواقع، سيّما أنّ استتارهيستند إلينا.
البحث حول كشف الإجماع عن وجود دليل معتبر
ومنها: أنّ الإجماع لا يكون كاشفاً عن رأي المعصوم عليهالسلام ، لكنّه كاشف عنكون آراء المجمعين مستندةً إلى دليل معتبر لو وصل إلينا لأفتينا نحن أيضاً علىطبقه.
ولا يخفى أنّ هذا الوجه يبتني على أمرين:
أ ـ اتّفاق جميع الفقهاء ولو في عصر واحد، كقاعدة اللطف.
ب ـ أن لا يكون الحكم المجمع عليه ممّا يوافق القاعدة، كما إذا أفتوا بحرمةشيء في مورد يكون مجرى أصالة البراءة أو الحلّيّة أو استصحاب عدمالحرمة، فإنّ اتّفاق الجميع على حكم مخالف للقاعدة يوجب القطع بكونهناشئاً عن دليل معتبر لم يصل إلينا.
بخلاف ما إذا كان على وفق القاعدة؛ لأنّ الإجماع حينئذٍ يمكن أن يكونمستنداً إليها لا إلى دليل خفي علينا.
وفيه أوّلاً: أنّ استناد الجميع في فتاواهم إلى دليل معتبر لم يصلإلينا بعيد جدّاً، إذ كيف يمكن أن يتّفق جميع الفقهاء في عصر على حكممخالف للقاعدة ويكون بأيديهم حجّة معتبرة ولم يذكرها واحد منهم لتصلإلينا؟!
وثانياً: سلّمنا، ولكن ما استندوا إليه في فتاواهم يمكن أن يكون تامّعندهم سنداً ودلالةً، ومخدوشاً عندنا لو وصل إلينا، ألا ترى أنّ المتأخّرين
(صفحه248)
أفتوا بعصمة ماء البئر باستناد قوله عليهالسلام : «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ أنيتغيّر به»(1) وهذه الرواية كانت بأيدي القدماء أيضاً، ولكنّهم مع ذلك كانويفتون بتنجّس ماء البئر بصرف ملاقاته للنجاسة؟
والحاصل: أنّ الإجماع لا يكاد يكشف عن وجود حجّة معتبرة لو وصلتإلينا لأفتينا نحن أيضاً بالحكم المجمع عليه.
البحث حول الملازمة العاديّة بين الإجماع وبين رضا المعصوم عليهالسلام
ومنها: الحدس برأي المعصوم عليهالسلام ورضاه من طريق اتّفاق العلماء في جميعالأعصار والأمصار على حكم، بدعوى الملازمة العاديّة بين اتّفاق المرؤوسينعلى شيء وبين رضا الرئيس به.
وهو قريب جدّاً، ضرورة أنّ من ورد في مملكة، فرأى في كلّ بلد وقريةوكورة وناحية منها أمراً رائجاً بين أجزاء الدولة ـ كقانون النظام(2) مثلاً يحدس بأنّ هذا قانون المملكة وممّا يرضى به رئيس الدولة.
ولا يخفى أنّ هذا الوجه يختصّ بأمرين:
أ ـ أنّ الملازمة المدّعاة هي الملازمة العاديّة التي لا تفيد أزيد من الاطمئنانالذي يعامل معه معاملة العلم، بخلاف قاعدة اللطف، فإنّها لو تمّت لأفادتعلماً باتّاً برأي المعصوم عليهالسلام .
ب ـ أنّه لا يكفي في الكشف عن موافقة المعصوم عليهالسلام اتّفاق علماء عصرواحد، بل لابدّ من اتّفاقهم في جميع الأعصار من زماننا هذا إلى زمنالمعصومين عليهمالسلام .
- (1) الكافي 3: 5، كتاب الطهارة، باب البئر وما يقع فيها، الحديث 2.
- (2) يقال له بالفارسيّة: «سربازى». م ح ـ ى.
ج4
ولاريب في أنّ فقهاء الشيعة ـ الذين يرتبطون كمال الارتباط بأهلالبيت عليهمالسلام ورواياتهم وينظرون في حلالهم وحرامهم ويعرفون الأحكامالصادرة منهم عليهمالسلام (1) ويتحمّلون المشاقّ الكثيرة في طريق استنباط أحكامالشريعة ـ إذا اتّفقوا على مسألة في جميع الأعصار والأمصار، امتنع عادةً أنيكون رأي رئيسهم وإمامهم عليهالسلام على خلافها، وإن لم يمتنع عقلاً.
ولعلّه أجود وجه لإثبات حجّيّة الإجماع المحصّل وكشف رأي المعصوم عليهالسلام به.
إشكال المحقّق النائيني رحمهالله على الملازمة العاديّة
ولكن ناقش فيه المحقّق النائيني رحمهالله بقوله:
وأمّا مسلك الملازمة العاديّة: فاتّفاق المرؤوسين على أمر إن كان نشأ عنتواطئهم على ذلك كان لتوهّم الملازمة العاديّة بين إجماع المرؤوسين ورضالرئيس مجال، وأمّا إذا اتّفق الاتّفاق بلا تواطئ منهم على ذلك، فهو ممّا ليلازم عادةً رضا الرئيس ولا يمكن دعوى الملازمة(2)، إنتهى كلامه.
نقد كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
وهو من الغرائب، ضرورة أولويّة إنكار الملازمة في صورة تواطئهم علىشيء، لإمكان أن يكون تواطئهم عليه معلّلاً بأمر غير ما هو واقع، وأمّا مععدمه فلا احتمال في البين، ويستلزم الاطمئنان برضا الرئيس.
كلام السيّد البروجردي رحمهالله في المسألة
- (1) كما ورد بهذا المضمون مقبولة عمر بن حنظلة. الكافي 1: 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث،الحديث 10.
- (2) فوائد الاُصول 3: 150.