ج4
وجوب إعادة العبادة الفاقدة للجزء أو الشرط لأجل الإكراه.
قلت: كلاّ، فإنّ البطلان ووجوب الإعادة من الآثار العقليّة لترك الجزء أوالشرط، لا من آثاره الشرعيّة، فلا يمكن رفعه بحديث الرفع(1).
البحث حول جريان «حديث الرفع» في الأسباب والمسبّبات
و هاهنا مقامان من البحث:
المقام الأوّل: في الأسباب
وليعلم أنّ النسيان والإكراه والاضطرار تارة يرتبط بنفس السبب، واُخرىبخصوصيّة من خصوصيّاته.
لا إشكال في أنّ نسيان أصل السبب مساوق لعدم تحقّق المعاملة، ولإشكال أيضا في بطلان المعاملة المكره عليها، فلا يقع البيع أو النكاح أوالطلاق عن إكراه.
نعم، لا يمكن القول بعدم وقوع المعاملة المضطرّ إليها، فإنّ التمسّك بـ «رفع ماضطرّوا إليه» للحكم ببطلان هذا النوع من المعاملة خلاف الامتنان الذيلأجله ورد حديث الرفع، فإنّ من اضطرّ إلى بيع داره لأجل صرف ثمنها فيمعالجة مرضه مثلاً لوقع في صعوبة ومشقّة شديدة لو قلنا ببطلان البيع وعدمتملّكه للثمن.
وأمّا إذا ارتبط النسيان أو الإكراه أو الاضطرار بإحدى خصوصيّاتالسبب ـ كما إذا باع داره اختيارا وبطيب نفسه من دون وقوع نسيان أو إكراهأو اضطرار في مورد نفس البيع، إلاّ أنّا قلنا باعتبار العربيّة في صيغته، والبايع
- (1) نعم، يمكن التمسّك بحديث «لا تعاد» في خصوص الصلاة. منه مدّ ظلّه.
(صفحه398)
نسي ذلك فأوقعها بالفارسيّة، أو اُكره عليه أو لم يتمكّن من التلفّظ بالعربيّةفاضطرّ إلى الفارسيّة ـ فما هو حكمه؟
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في ذلك
ذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى عدم اندراجه في حديث الرفع حيث قال:
أمّا الأسباب: فمجمل الكلام فيها، هو أنّ وقوع النسيان والإكراه أوالاضطرار في ناحية السبب لا تقتضي تأثيرها في المسبّب ولا تندرج في«حديث الرفع» لما تقدّم في باب الأجزاء والشرائط من أنّ حديث الرفع ليتكفّل تنزيل الفاقد منزلة الواجد ولا يثبت أمرا لم يكن، فلو اضطرّ إلى إيقاعالعقد بالفارسيّة أو اُكره عليه أو نسي العربيّة كان العقد باطلاً بناءً على اشتراطالعربيّة في العقد، فإنّ رفع العقد الفارسي لا يقتضي وقوع العقد العربي، وليسللعقد الفارسي أثر يصحّ رفعه بلحاظ رفع أثره، وشرطيّة العربيّة ليست هيالمنسيّة حتّى يكون الرفع بلحاظ رفع الشرطيّة(1)، إنتهى كلامه.
نقد ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله
والحقّ هو التفصيل بين الإكراه والاضطرار وبين النسيان.
وذلك لما تقدّم في مسألة أجزاء العبادات وشرائطها، فإنّ المكره عليهوالمضطرّ إليه هو ترك العربيّة الذي ليس له أثر شرعي قابل للارتفاع بحديثالرفع كما قال المحقّق النائيني رحمهالله .
بخلاف النسيان، فإنّ المنسيّ هو نفس العربيّة التي لها أثر شرعي، وهوالشرطيّة لصحّة العقد، فيمكن شمول عنوان «رفع ما نسوا» للعربيّة بلحاظ
- (1) فوائد الاُصول 3: 356.
ج4
هذا الأثر الشرعي، فيختصّ شرطيّتها بحال الذكر ويصحّ العقد الفارسي فيحال نسيان العربيّة.
المقام الثاني: في المسبّبات
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في ذلك:
قال المحقّق النائيني رحمهالله :
وأمّا المسبّبات: فهي على قسمين: فإنّها تارةً تكون من الاُمور الاعتباريّةليس لها ما بحذاء في وعاء العين، بل وعائها وعاء الاعتبار ـ كالملكيّةوالزوجيّة والرقّيّة ونحو ذلك من الوضعيّات الاعتباريّة التي أمضاها الشارع واُخرى تكون من الاُمور الواقعيّة التي كشف عنها الشارع كالطهارةوالنجاسة الخبثيّة على احتمال قوّاه الشيخ قدسسره وإن ضعّفناه نحن في محلّه، ويأتيبيانه في مبحث الاستصحاب.
أمّا القسم الأوّل: فهو بنفسه ممّا تناله يد الوضع والرفع التشريعى، على مهو الحقّ عندنا من أنّ هذا القسم من الأحكام الوضعيّة يستقلّ بالجعل وليسمنتزعا من الأحكام التكليفيّة، فلو فرض أنّه أمكن أن يقع المسبّب عن إكراهونحوه كان للتمسّك بحديث الرفع مجال، فينزّل المسبّب منزلة العدم، وكأنّه لميقع، ويلزمه عدم ترتيب الآثار المترتّبة على المسبّب، من حلّيّة الأكل وجوازالتصرّف في باب العقود والإيقاعات.
لا أقول: إنّ الرفع تعلّق بالآثار، بل تعلّق بنفس المسبّب، لأنّه بنفسه ممّتناله يد الرفع، ولكن رفعه يقتضي رفع الآثار، لارتفاع العرض بارتفاعموضوعه، ولكن فرض وقوع المسبّب عن إكراه ونحوه في غاية الإشكال، فإنّالإكراه إنّما يتعلّق بإيجاد الأسباب، وقد ذكرنا في كتاب البيع ما قيل وما يمكن
(صفحه400)
أن يقال في المقام.
وأمّا القسم الثاني: وهو ما إذا كان المسبّب من الاُمور الواقعيّة التي كشفعنها الشارع ـ كالطهارة والنجاسة ـ فهو ممّا لا تناله يد الرفع والوضعالتشريعي، لأنّه من الاُمور التكوينيّة وهي تدور مدار وجودها التكويني متىتحقّقت ووجدت، لا تقبل الرفع التشريعي، بل رفعها لابدّ وأن يكون من سنخوضعها تكوينا.
نعم، يصحّ أن يتعلّق الرفع التشريعي بها بلحاظ ما رتّب عليها من الآثارالشرعيّة. ولا يتوهّم أنّ لازم ذلك عدم وجوب الغسل على من اُكره علىالجنابة أو عدم وجوب التطهير على من اُكره على النجاسة، بدعوى أنّ الجنابةالمكره عليها وإن لم تقبل الرفع التشريعي، إلاّ أنّها باعتبار ما لها من الأثرـ وهو الغسل ـ قابلة للرفع، فإنّ الغسل والتطهير أمران وجوديّان قد أمرالشارع بهما عقيب الجنابة والنجاسة مطلقا، من غيرفرق بين الجنابة والنجاسةالاختياريّة وغيرها، فتأمّل، فإنّ المقام يحتاج إلى بسط من الكلام لا يسعهالمجال(1)، إنتهى كلامه.
و يرد على ذيل كلامه أنّ إطلاق أدلّة وجوب الغسل عقيب الجنابةوالتطهير عقيب النجاسة لا يقتضي عدم جريان حديث الرفع في موارد الإكراهعلى الجنابة أو النجاسة، ضرورة أنّ أدلّة الأحكام الأوّليّة في سائر مواردحديث الرفع أيضا مطلقة، ومع ذلك حديث الرفع حاكم عليها، ألا ترى أنّ مدلّ على حرمة شرب الخمر يعمّ الشرب الاختياري والإكراهي كليهما،وقوله صلىاللهعليهوآله : «رفع ما اُكرهوا عليه» حاكم عليه ويستنتج من مجموع الدليليناختصاص الحرمة بحال الاختيار؟
- (1) فوائد الاُصول 3: 357.
ج4
فالمقام أيضا كذلك، لأنّ ما دلّ فرضا على وجوب الغسل عقيب الجنابةوالتطهير عقيب النجاسة وإن كان مطلقا، إلاّ أنّ «رفع ما اُكرهوا عليه» حاكمعليه، فلازم ذلك عدم وجوب الغسل على من اُكره على الجنابة وعدم وجوبالتطهير على من اُكره على النجاسة، وهل يمكن الالتزام بذلك؟!
والجواب الصحيح عن هذا الإشكال: هو أنّا لانسلّم وجوب غسل الجنابة،فإنّه لو كان واجبا لكان وجوبه غيريّا مقدّميّا، وتقدّم البحث حول وجوبمقدّمة الواجب وثبت هناك عدم وجوبها.
نعم، غسل الجنابة شرط لصحّة الصلاة بمقتضى قوله عليهالسلام : «لا صلاة إلبطهور»(1) إلاّ أنّه لا يرتبط بما اُكره عليه، وهو الجنابة، لكي يرفع بحديثالرفع.
هذا تمام الكلام في الرواية الاُولى.
الاستدلال على البرائة بحديث «كل شيءٍ مطلق...»
ومن الأخبار التي تمسّكوا بها على البرائة ما رواه الصدوق رحمهالله بقوله: قالالصادق عليهالسلام : «كلّ شيءٍ مطلق حتّى يرد فيه نهي»(2).
وهذا الحديث وإن كان مرسلاً، إلاّ أنّ هذا النوع من الإرسال لا يسقطهعن الحجّيّة، لأنّ ظاهره أنّ الوسائط كانوا في كمال الوثوق عند الصدوق رحمهالله بحيث أسند الحديث إلى المعصوم عليهالسلام بنحو الجزم، فعبّر بـ «قال الصادق عليهالسلام »والذي لا يكون حجّة من المراسيل هو ما نقل بمثل «عن بعض أصحابنا»،«عن رجل»، «روي أنّه عليهالسلام قال كذا» ونحوها، فلامجال للمناقشة في سند
- (1) وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 1.
- (2) وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، الباب 19 من أبواب القنوت، الحديث 3.