(صفحه226)
فخذوه وما خالف كتاب اللّه فدعوه»(1)، وقوله عليهالسلام : «إذا ورد عليكم حديثفوجدتم له شاهداً من كتاب اللّه أو من قول رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وإلاّ فالذي جاءكمبه أولى به»(2)، وقوله عليهالسلام : «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف»(3)،وقوله صلىاللهعليهوآله : «ما جائكم عنّي يوافق كتاب اللّه فأنا قلته، وما جائكم يخالفكتاب اللّه فلم أقله»(4)، إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بهذا المضمون.
فلو لم تكن ظواهر الكتاب حجّة فلم يقدر المكلّف على تمييز ما يوافقالكتاب من الأحاديث عمّا يخالفه.
إن قلت: لعلّ المراد من هذه الروايات عرض الأخبار على نصوص القرآن،وتمييز صحيحها عن سقيمها بها.
قلت: هذا الاحتمال مردود، لأنّ نصوص القرآن قليلة جدّاً، ولا يمكنمعرفة جميع الأخبار الموافقة والمخالفة للكتاب بها.
على أنّ جعّال الحديث كانوا أفطن من أن يضعوا أحاديث تنافي نصوصالقرآن، فإنّها ـ لوضوح كذبها ـ تفضحهم ولا يقبلها الناس منهم، ولكنّهم كانويجعلون ما يخالف ظاهر القرآن كي يتمكّنوا من توجيهه.
ثمّ لا يخفى عليك أمران:
أ ـ أنّه لا تعارض بين مثل العامّ والخاصّ أو المطلق والمقيّد كي نحتاجللجمع بينهما إلى التمسّك بالأخبار العلاجيّة.
ب ـ أنّه لا منافاة بين ما تقدّم من عدم اعتبار الروايات المخالفة لظهورالقرآن وبين ما ثبت من أنّ الأحاديث الصادرة من المعصومين عليهمالسلام حجّة حتّى
- (1) وسائل الشيعة 27: 109، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.
- (2) وسائل الشيعة 27: 110، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 11.
- (3) وسائل الشيعة 27: 110، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 12.
- (4) وسائل الشيعة 27: 111، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15.
ج4
في موارد حمل الآيات على خلاف ظاهرها، فإنّهم هم المفسِّرون للقرآنحقيقةً.
وذلك لأنّ الأخبار الدالّة على كون الحديث المخالف لظاهر القرآن مردوداً،زخرفاً، ولم يقله الأئمّة عليهمالسلام وردت في مورد الأحاديث التي شكّ(1) في صدورهعنهم عليهمالسلام ، وأمّا إذا ثبت أنّه قول الإمام عليهالسلام ـ ولو بواسطة خبر الثقة ـ كانمفسّراً للقرآن ودالاًّ على أنّ إرادة اللّه تعالى تعلّقت بخلاف الظاهر.
وبالجملة: إذا شككنا في صدور خبر عن المعصوم عليهالسلام عرضناه علىالكتاب، فإن كان موافقاً له أخذناه وإن كان مخالفاً له رددناه بمقتضى الأخبارالمتقدِّمة.
كما أنّ الأمر كذلك في مورد الشروط، حيث قال عليهالسلام : «المسلمون عندشروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ وجلّ، فلا تجوز»(2).
والحاصل: أنّ الروايات التي تأمرنا بأخذ الأخبار الموافقة للكتاب وردّ مخالفه، وكذلك الروايات التي تأمرنا بوجوب الوفاء بالشروط إلاّ ما خالفكتاب اللّه، تدلّ على حجّيّة ظواهر الكتاب.
الخامس: استدلال الأئمّة عليهمالسلام في أبواب الفقه بالقرآن في مقابل علماء العامّةوالخاصّة، كما ورد أنّ زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليهالسلام : ألا تخبرني من أينعلمت وقلت: إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك ثمّ قال:«يازرارة قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ونزل به الكتاب من اللّه، لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول:«فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ» فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يُغسل، ثمّ قال:«وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ»ثمّ فصّل بين الكلام فقال: «وَامْسَحُواْ
- (1) ولو كان الشكّ ناشئاً عن التعارض. م ح ـ ى.
- (2) من لا يحضره الفقيه 3: 202، باب الشرط والخيار في البيع، الحديث 3765.
(صفحه228)
بِرُءُوسِكُمْ»فعرفنا حين قال: «برؤسكم» أنّ المسح ببعض الرأس، لمكان الباء،ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه، فقال: «وَأَرْجُلَكُمْ إِلَىالْكَعْبَيْنِ»فعرفنا حين وصلها بالرأس أنّ المسح على بعضها»(1). الحديث.
فإنّ هذا الجواب المقرون بالاستدلال بالقرآن يدلّ على أنّ مثل زرارةأيضاً لو تأمّل في الآية لاستفاد منها الحكم، لا أنّه جواب تعبّدي صرف،فكان حجّيّة ظواهر الكتاب أمراً مسلّماً معهوداً بين الأئمّة عليهمالسلام وأصحابهم.
أدلّة المنكرين لحجّيّة الكتاب العزيز ونقده
تمسّك الأخباريّون بعدّة شبهات: بعضها في مقام منع الكبرى، أي حجّيّةظواهر القرآن بعد الاعتراف بالظهور، وبعضها الآخر في مقام منع الصغرى،أي أصل الظهور.
أمّا الطائفة الاُولى
فمنها: ما يدلّ على حرمة تفسير القرآن بالرأي من الروايات العديدة بلالمتواترة، مثل النبوي صلىاللهعليهوآله : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار»(2)،وفي رواية اُخرى أنّه صلىاللهعليهوآله قال: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده منالنار»(3)، وفي نبوي ثالث: «من فسّر القرآن برأيه فقد افترى على اللّهالكذب»(4) إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا المقام.
تقريب الاستدلال بهذه الأخبار أنّها نصّ في منع تفسير مجملات القرآن
- (1) الكافي 3: 30، كتاب الطهارة، باب مسح الرأس والقدمين، الحديث 4.
- (2) عوالي اللآلي 4: 104، الحديث 154.
- (3) وسائل الشيعة 27: 189، كتاب القضاء، الباب 13 من أبواب صفات القاضي، الحديث 35.
- (4) وسائل الشيعة 27: 190، كتاب القضاء، الباب 13 من أبواب صفات القاضي، الحديث 37.
ج4
وظاهر في منع تفسير ظواهره، فإنّ حمل اللفظ على ما هو ظاهر فيه من المعنىيكون من مصاديق التفسير بالرأي المحرّم.
وفيه أوّلاً: أنّ حمل اللفظ على ظاهره لا يعدّ تفسيراً، فإنّ التفسير عبارة عنكشف القناع وإظهار ما هو مستور، وحمل اللفظ على ظاهره ليس من هذالقبيل.
وثانياً: سلّمنا أنّه نوع من التفسير، إلاّ أنّه ليس تفسيراً بالرأي، فإنّ التفسيربالرأي عبارة عن حمل اللفظ على غير ما هو المتفاهم عند العرف، وأمّا حملهعلى ظاهره الذي يحمله جميع العقلاء عليه فلا يعدّ تفسيراً بالرأي وبعقيدةشخص خاصّ.
وثالثاً: أنّه لو فرض صدق التفسير بالرأي عليه ودخوله تحت إطلاقالروايات الناهية عنه فلابدّ من تقييد هذه الأخبار بما تقدّم من الأحاديثالدالّة على حجّيّة ظواهر الكتاب، لحكومتها عليها، فتختصّ الأخبار الناهيةـ بحسب الإرادة الجدّيّة ـ بمصداقها المتيقّن، وهو تفسير مجملات القرآن.
ومنها: أنّ الكتاب نفسه نهى عن اتّباع متشابهاته بقوله: «فأمّا الَّذِينَ فِىقُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـبَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهى»(1).
والاستدلال بهذه الآية يتوقّف على أمرين:
أ ـ أن تكون نصّاً في حرمة اتّباع «المتشابه» وإلاّ فلو كانت ظاهرة فيهلاستلزم الاستدلال بها أن يكون وجود الشيء موجباً لعدمه، وهو محال.
ب ـ أن يكون للمتشابه مصداقان: أحدهما: المجمل، وهو مصداقه البيّنالواضح، والآخر: حمل اللفظ على ظاهره، فكما أنّ اتّباع المجملات محرّم بحكمالآية فكذلك اتّباع الظواهر.
(صفحه230)
ويرد عليه أنّ الخصم لو أراد أنّ «المتشابه» نصّ في المجمل والظاهر كليهمبلا فرق بينهما، ففيه: أنّه يستلزم أن يكون قولنا: «رأيت أسداً» مثل قولنا:«رأيت عيناً» فكما أنّ «رأيت عيناً» يكون من الألفاظ المتشابهة قطعاً ولنفهم منه شيئاً، فكذلك «رأيت أسداً» وهل يمكن الالتزام بذلك؟! فلو لم يمكنتفهيم المعنى الحقيقي من طريق استعمال اللفظ الموضوع لمعنى واحد فيما وضع لهبدون قرينة المجاز فبأيّ لفظ يمكن تفهيمه إذا أراده المتكلّم؟!
ولو أراد أنّه نصّ في شمول المجمل وظاهر في شمول الظاهر، ففيه أوّلاً: أنّنمنع ظهوره فيه بالبيان المتقدّم، وثانياً: أنّ إثبات عدم حجّيّة ظاهر الكتاببظاهره محال، لاستلزامه أن يكون وجود الشيء موجباً لعدمه كما تقدّم.
ولو أراد احتمال شموله له، ففيه: أنّه كيف يتمكّن من أنكر حجّيّة ظواهرالكتاب أن يثبت مدّعاه بآية يحتمل كون الظواهر من مصاديقها(1)؟!
وأمّا الطائفة الثانية(2)
فمنها: أنّ الكتاب العزيز يشتمل على مطالب عالية غامضة في فنون كثيرة،ولا يتمكّن البشر العادي بأفكاره السطحيّة من صعود تلك القلل الرفيعةوالوصول إلى مضامين القرآن الشامخة.
ويشهد عليه بعض ما ورد في محاورات الأئمّة عليهمالسلام مع مخالفيهم.
ففي مرسلة شبيب بن أنس عن أبي عبداللّه عليهالسلام أنّه قال لأبي حنيفة: «أنتفقيه العراق؟ قال: نعم، قال: فبِمَ تفتيهم؟ قال: بكتاب اللّه وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله ، قال:ياأبا حنيفة تعرف كتاب اللّه حقّ معرفته؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال:
- (1) وبعبارة اُخرى: إذا امتنع التمسّك بظاهر الكتاب لإثبات عدم حجّيّة ظواهره فالتمسّك باحتمالاته لإثباتذلك ممتنع بطريق أولى. م ح ـ ى.
- (2) وهي ما كان ناظراً إلى منع أصل الظهور. م ح ـ ى.