ج4
وإن كان حدسه حدساً قطعيّاً.
ب ـ أن لا يكون المخبر به أمراً غريباً غير متعارف، كالإخبار برؤيةشخص طول قامته أربعة أمتار، فإنّ العقلاء لا يقبلون مثل هذه الأخبار وإنكان مخبرها ثقة.
إذا عرفت ذلك فنقول:
نقل الإجماع وإن كان إخباراً برأي المعصوم عليهالسلام عندنا، إلاّ أنّه ليس منالأخبار المحسوسة المتعارفة، فإنّ ناقل الإجماع إن حصّل رأي الإمام عليهالسلام بمثلقاعدة اللطف أو الملازمة العاديّة بين الإجماع وبين موافقته عليهالسلام فلم يكن المخبربه ـ أعني رأي الإمام عليهالسلام ـ أمراً محسوساً، ولا قريباً من الحسّ، وإن حصّلهبمثل مسألة التشرّف والدخول فهو وإن كان محسوساً إلاّ أنّه أمرٌ غير متعارففي عصر الغيبة، وبناء العقلاء على العمل بالأخبار غير المحسوسة أو غيرالمتعارفة، مشكوكٌ فيه لو لم نقل بأنّه مقطوع العدم.
وهذا بخلاف ما رواه مثل زرارة وابن أبي عمير ومحمّد بن مسلم عنالإمام عليهالسلام فإنّهم حيث كانوا يعيشون في زمن الأئمّة عليهمالسلام كانوا يأخذون أقوالهموأفعالهم وتقريراتهم بالحسّ وبنحو عادي، فكان ما أخبروا به عنهم عليهمالسلام منالاُمور المحسوسة المتعارفة.
والحاصل: أنّه لا يصحّ القول بحجّيّة الإجماع المنقول بالخبر الواحد بدليلحجّيّته بدعوى كونه من مصاديقه.
قيمة الإجماعات المنقولة
نعم، إذا كان نقل الإجماع بمعنى نقل السبب كان حجّة بدليل حجّيّة الخبر.
توضيح ذلك: أنّ ناقل الإجماع يكون تارةً: في مقام نقل ما هو سبب
(صفحه254)
لانكشاف رأي المعصوم عليهالسلام فيريد بقوله: «هذه المسألة إجماعيّة» بيان آراءالفقهاء، واُخرى: في مقام نقل خصوص المسبّب، فيريد بيان رأي المعصوم عليهالسلام ،وثالثة: في مقام نقل كليهما.
فإن كان في مقام نقل السبب، وكان المنقول إليه موافقاً له في وجه حجّيّةالإجماع، كان حجّة(1)، لكون المخبر به ـ وهو آراء الفقهاء ـ أمراً محسوسمتعارفاً، فكأنّ المنقول إليه نفسه حصّل الإجماع الذي هو كاشف عنده عنموافقة المعصوم عليهالسلام .
نعم، بينهما فرق من جهة أنّه لو حصّل الإجماع بنفسه كان سبباً قطعيّلانكشاف رأي الإمام عليهالسلام ، بخلاف الإجماع المنقول بالخبر الواحد، فإنّه لا يفيدالقطع، بل ربما لا يفيد الظنّ أيضاً، لكن لا تشترط في حجّيّة الخبر الواحدإفادته الظنّ الشخصي.
ولو توافق الناقل والمنقول إليه في أصل السبب(2) لكنّهما اختلفا فيما يتحقّقبه السبب ـ كما إذا اكتفى الناقل في سببيّة السبب بآراء خمسين من الفقهاءوالتزم المنقول إليه بلزوم اتّفاق مائة منهم مثلاً ـ فهل هذا الإجماع المنقول أيضحجّة بالنسبة إلى جزء السبب، بحيث إنّ المنقول إليه لو أتمّه بتحصيل فتاوىخمسين آخرين من الفقهاء، لكان كاشفاً عن رأي الإمام عليهالسلام ، أم لا؟
كلام المحقّق الاصفهاني رحمهالله في ذلك
قال المحقّق الاصفهاني رحمهالله :
يمكن أن يناقش فيه بأنّ الخبر لا يكاد يكون حجّة شرعاً إلاّ إذا كان المخبر
- (1) بخلاف ما إذا كان المنقول إليه مخالفاً للناقل في وجه اعتبار الإجماع، كأن يرى الناقل أنّه من باب اللطفوالملازمة العقليّة، والمنقول إليه أنّه من باب الحدس والملازمة العاديّة. م ح ـ ى.
- (2) كأن يعتقد كلاهما بانكشاف رأي الإمام عليهالسلام بالإجماع من طريق قاعدة اللطف. م ح ـ ى.
ج4
به حكماً شرعيّاً أو موضوعاً ذا أثر شرعي، والمخبر به في المقام ليس كذلك،لعدم كون الحكم الشرعي من مدلولاته المطابقيّة ولا الالتزاميّة، أمّا الأوّل:فلأنّ المخبر به المطابقي هو آراء جمع من الفقهاء لا رأي المعصوم عليهالسلام ، وأمّالثاني: فلأنّ المفروض أنّ المنقول هو جزء السبب الذي لا يستلزم الكشفعن موافقة المعصوم عليهالسلام إلاّ إذا صار سبباً تامّاً بتحصيل فتاوى عدّة اُخرىمن الفقهاء وضمّها إليه(1).
هذا حاصل كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده المحقّق الاصفهاني رحمهالله في المقام
وفيه: أنّه يكفي في حجّيّة الخبر ترتّب حكم شرعي تعليقي عليه،والمقام من هذا القبيل، لأنّ جزء السبب المنقول بلفظ «الإجماع» إذا انضمّإليه الجزء المكمّل صار سبباً تامّاً لانكشاف رأي المعصوم عليهالسلام ولا يجبفي الأحكام المنكشفة بالدلالات الالتزاميّة أن تكون أحكامتنجيزيّة.
هذا كلّه فيما إذا كان ناقل الإجماع في مقام نقل السبب.
وأمّا إذا كان في مقام نقل المسبّب وحده أو مع السبب فلا يعمّه دليل حجّيّةخبر الثقة(2)، لأنّ الناقل إن استكشف موافقة المعصوم عليهالسلام بمثل الحدسوقاعدة اللطف ونحوهما لم يكن المخبر به محسوساً، وإن حصّله بمثل مسألةالتشرّف والدخول لم يكن متعارفاً، وقد عرفت عدم بناء العقلاء على العملبالأخبار إلاّ إذا كانت محسوسة متعارفة.
- (1) نهاية الدراية 3: 190.
- (2) نعم، يعمّه بالنسبة إلى نقل السبب في الصورة الثانية، أعني ما إذا أراد المخبر نقل السبب والمسبّبكليهما. م ح ـ ى.
(صفحه256)
والحاصل: أنّ الإجماع المنقول المتضمّن لنقل تمام السبب يكون حجّة،وكذلك المتضمّن لنقل جزئه بالنسبة إليه، بخلاف ما إذا اُريد نقل المسبّب، فإنّهلا يكاد يكون معتبراً بواحد من الوجوه الخمسة التي ذكرناها في ملاك حجّيّةالإجماع المحصّل.
ج4
في الشهرة الفتوائيّة
الفصل الثالث: في الشهرة الفتوائيّة
الشهرة في الاصطلاح على ثلاثة أقسام:
أ ـ «الشهرة الروائيّة» وهي عبارة عن شيوع نقل الخبر من قبل الرواة، كأنينقل في كثير من المجاميع الروائيّة، سواء اشتهر العمل به أيضاً أم لا.
ب ـ «الشهرة العمليّة» وهي عبارة عن شيوع العمل بحديث خاصّ منقبل الفقهاء، كما إذا أفتى المشهور بحكم خاصّ واستندوا فيه إلى خبر خاصّ،سواء اشتهر ذلك الخبر من حيث الرواية أيضاً أم لا.
فالنسبة بين الشهرة الروائيّة والعمليّة عموم من وجه، إذ ربّ حديث كانمشهوراً بحسب الرواية متروكاً من حيث العمل، وربّ حديث لم ينقله إلاّ راوٍواحد واشتهر الفتوى على طبقه، ومادّة الاجتماع بينهما ما إذا شاع نقل الخبرمن قبل الرواة واشتهر العمل به أيضاً، كما تحقّق في كثير من الأحاديث.
ج ـ «الشهرة الفتوائيّة» وهي عبارة عن شيوع الفتوى عند الفقهاء بحكمشرعي(1) من دون أن يستندوا في ذلك إلى حديث خاصّ(2).
وهذا القسم الثالث هو محلّ الكلام في المقام، فإنّهم اختلفوا في أنّ الشهرةفي الفتوى هل هي حجّة بالخصوص أم لا؟
- (1) على وجه لا تبلغ الشهرة درجة الإجماع الموجب للقطع أو الاطمئنان بقول المعصوم عليهالسلام . م ح ـ ى.
- (2) سواء لم يكن هناك حديث، أو كان ولكنّهم لم يستندوا إليه فيما أفتوا به. م ح ـ ى.