(صفحه120)
أحدهما: أنّ «لا تنقض اليقين بالشكّ» يدلّ على التعبّد ببقاء «المتيقّن» فيزمن الشكّ. وبعبارة اُخرى: يجعل الشارع في موارد استصحاب الحكم حكمظاهريّاً مماثلاً للمتيقّن كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله .
الثاني: أنّه يدلّ على التعبّد ببقاء نفس «اليقين» في زمن الشكّ، كأنّه قال:«الشكّ المقرون باليقين بالحالة السابقة يكون يقيناً شرعاً».
وظاهر روايات الاستصحاب هو الأوّل، ومقتضاه أنّه حجّة منجّزة عندالإصابة ومعذّرة عند الخطأ كالقطع الطريقي، ولا يقوم مقام القطع الموضوعيأصلاً، لأنّ الشارع إذا قال مثلاً: «إذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة يجب عليكالتصدّق» فلابدّ من إحراز القطع بوجوبها لكي يترتّب عليه وجوب التصدّق،ولا ريب في أنّ الاستصحاب يقتضي التعبّد بأصل الوجوب لا بالقطع به،فليس لنا القطع به تكويناً ولا تعبّداً.
ولا فرق في ذلك بين ما إذا اُخذ القطع في الموضوع بنحو الصفتيّة أوالكاشفيّة التامّة أو المطلقة، ولا بين ما إذا اُخذ تمام الموضوع أو جزئه.
نعم، بناءً على الاحتمال الثاني ـ أعني دلالة روايات الاستصحاب علىالتعبّد ببقاء نفس اليقين في زمن الشكّ ـ يقوم الاستصحاب مقام القطعالموضوعي بجميع أقسامه الستّة ويترتّب عليه آثارها، كما يترتّب عليه آثارالقطع الطريقي المحض.
لكن هذا الاحتمال خلاف ظاهر أخبار الاستصحاب.
ج4
وأمّا قاعدة التجاوز والفراغ(1) فلا يجري فيها هذا الاحتمال الثاني، لأنّأدلّتها تدلّ على أنّ المكلّف إذا شكّ في إتيان ما يعتبر في المأمور به بعد التجاوزعن محلّه أو بعد الفراغ من العمل فليمض وليبن على إتيانه، وهو معذور لوكان في الواقع فاقداً له، ولا تدلّ على أنّ الشارع يراه متيقّناً بإتيانه تعبّداً.
فقاعدة التجاوز والفراغ تقوم مقام القطع الطريقي في المعذّريّة، ولا تقوممقام القطع الموضوعي أصلاً.
هذا تمام الكلام في أقسام القطع، وقيام الأمارات والاُصول مقامه.
- (1) اختلفوا في أنّ قاعدة الفراغ هل تكون قاعدة مستقلّة أو من مصاديق قاعدة التجاوز؟ منه مدّ ظلّه.
(صفحه122)
ج4
في الموافقة الالتزاميّة
الأمر الرابع: في الموافقة الالتزاميّة(1)
لا إشكال في وجوب موافقة تكاليف المولى عملاً، إنّما الإشكال في وجوبهالتزاماً، بأن يجب على المكلّف الاعتقاد بوجوب الواجبات وحرمة المحرّمات.
وفي هذه المسألة ثلاث مراحل من البحث:
المرحلة الاُولى: في إمكان لزوم الموافقة الالتزاميّة
كلام الإمام الخميني رحمهالله في ذلك
ذهب سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره إلى الاستحالة، بدعوى أنّ الأفعالالنفسانيّة ليست اختياريّة، بل وجودها يدور مدار مباديها، فإن تحقّقتالمبادئ تحقّقت قهراً وإلاّ فلا يمكن تحقّقها أصلاً، مثلاً العلم بوجود الباريوعظمته وقهّاريّته يوجب الخضوع والخشوع لدى حضرته جلّت كبريائه،والخوف من مقامه، والعلم برحمته الواسعة وجوده الشامل وقدرته النافذة
- (1) لا يخفى أنّ هذه المسألة غير قصد القربة المعتبر في الواجبات التعبّديّة، فإنّ الموافقة الالتزاميّة لووجبت لوجبت في جميع الواجبات حتّى في التوصّليّات، بل وجب الالتزام بحرمة المحرّمات أيضاً.م ح ـ ى.
(صفحه124)
يوجب الرجاء والوثوق والتطلّب والتذلّل، وكلّما كملت المبادئ كملت النتائجبلا ريب.
فظهر أنّ الأفعال النفسانيّة نتائج قهريّة لوجود مباديها المقرّرة في محلّهوعند أهله، ولا تتبع إرادة ولا اختياراً.
وعليه فالتسليم القلبي والانقياد الجناني والاعتقاد الجزمي لأمر من الاُمورلا تحصل بالإرادة والاختيار من دون حصول مقدّماتها ومباديها، ولو فرضنحصول عللها وأسبابها لامتنع تخلّفها والاعتقاد بأضدادها، فتخلّفها عنالمبادئ ممتنع، كما أنّ حصولها بدونها أيضاً ممتنع.
وبذلك يظهر أوّلاً: أنّ المراد بالجحد في قوله تعالى: «وَجَحَدُوا بِها(1) وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا»(2) الجحد اللساني والإنكار الظاهري، فما يقالمن أنّ الكفر الجحودي يرجع إلى الالتزام القلبي على خلاف اليقين الحاصل فينفسه، فاسد جدّاً.
وثانياً: أنّ ما اشتهر في تعريف التشريع بأنّه «إدخال ما ليس من الدين فيالدين» لابدّ من أن يكون بمعنى أنّ المكلّف لو علم أنّ شيئاً ليس من الدينلكنّه أظهر لفظاً أنّه منه كان تشريعاً، وأمّا الالتزام القلبي على كون حكم منالشارع مع العلم بأنّه لم يكن من الشرع أو لم يعلم كونه منه فهو أمر غيرمعقول لا يتحقّق من القاطع حتّى يتعلّق به النهي.
وثالثاً: ما قيل في توجيه القضايا الكاذبة ـ من أنّ العلم كما يتحقّق في النفسبوجود أسبابه كذلك قد تخلق النفس حالة وصفة على نحو العلم حاكية عنالخارج، فالقضايا الكاذبة وإن كانت فاقدة للنسبة واقعاً، إلاّ أنّ المخبر الكاذب
- (1) الضمير راجع إلى «آياتنا». م ح ـ ى.