(صفحه24)
وعلى هذا يدخل الظنّ الانسدادي على الحكومة في القسم الأوّل، من دونأن يستلزم تقدّمه على الأمارات أو الاُصول الشرعيّة، لعدم اقتضاء تقدّم ذكرهفي التقسيم ذلك، بل للبحث عن المتقدّم والمتأخّر من الأقسام محلّ آخر.
ج4
(صفحه26)
في لزوم متابعة القطع وحجّيّته وكشفه عن الواقع
أحكام القطع وأقسامه
وكيف كان، فبيان أحكام القطع وأقسامه يستدعي رسم اُمور:
الأمر الأوّل: في لزوم متابعة القطع وحجّيّته وكشفه عن الواقع
إنّ هاهنا عناوين ربما وقع الخلط بينها في الكلمات، فلا بدّ لنا من البحثحولها في ضمن ثلاث مسائل:
الاُولى: في لزوم العمل على وفق القطع
قال شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله : لا إشكال في وجوب متابعة القطعوالعمل عليه مادام موجوداً(1).
وهو وإن كان ظاهراً في الوجوب الشرعي(2)، إلاّ أنّه لابدّ من أن يكونمراده اللزوم العقلي.
توضيح ذلك: أنّ المقصود من «وجوب متابعة القطع» هو لزوم اتّباع الحكمالشرعي الذي تعلّق به القطع، وإلاّ فلا يتصوّر وجوب متابعة نفس القطعالذي هو من الصفات النفسانيّة.
وعليه فلو اُريد منه الوجوب الشرعي لاجتمع في مورد القطع حكمان:
- (2) حيث لم يقيّده بالعقلي. منه مدّ ظلّه.
ج4
أحدهما: نفس الحكم الذي تعلّق به القطع، والثاني: وجوب العمل على وفقه،وهذا يستلزم أن يكون تارك الصلاة القاطع بوجوبها أو شارب الخمر القاطعبخمريّتها مثلاً مستحقّاً لعقوبتين، لمخالفته حكمين إلزاميّين، وفساده واضح.
ولأجل هذا المحذور حملوا الأمر في قوله تعالى: «أَطِيعُوا اللّهَ»(1) علىالإرشاد(2) الذي لم يترتّب على موافقته ومخالفته ثواب وعقاب، فإنّه لو كانأمراً مولويّاً لكان تارك الصلاة مثلاً مستحقّاً لعقوبتين، لأجل مخالفته وجوبين:أحدهما: ما تعلّق بالصلاة، والثاني: ما تعلّق بإطاعة اللّه، وهو ضروريالفساد.
فحاصل كلام الشيخ رحمهالله بعدما عرفت من التوضيح والتصحيح أنّه «لإشكال في لزوم متابعة ما تعلّق به القطع والعمل على وفقه عقلاً مادام القطعموجوداً».
الثانية: في حجّيّة القطع
لايخفى عليك أنّ للحجّيّة شعبتين(3): المنجّزيّة عند الإصابة، والمعذّريّة عندالخطأ.
ولا إشكال في صحّة إسناد المنجّزيّة إلى القطع المصادف للواقع.
إنّما الإشكال في صحّة إسناد المعذّريّة إلى القطع المخالف له، فإنّ من قطعبعدم وجوب صلاة الجمعة مع كونها واجبةً في الواقع وإن كان معذوراً في
- (2) ولعلّ السرّ في تكرار الأمر في قوله تعالى: «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ»تغايرهما بحسب الإرشاديّة والمولويّة. منه مدّ ظلّه.
- (3) يحتجّ بإحداهما ـ أعني المنجّزيّة ـ المولى على العبد ويؤاخذه على مخالفة التكليف الواقعي الذي قامتالحجّة على ثبوته، ويحتجّ بالاُخرى ـ أعني المعذّريّة ـ العبد على المولى في مخالفة التكليف الذي قامتالحجّة على عدمه. منه مدّ ظلّه.
(صفحه28)
تركها، إلاّ أنّ العذر إنّما هو لأجل عدم العلم بحكم المولى، لا لأجل العلمبعدمه، ولذا لو كان شاكّاً في الحكم لكان معذوراً أيضاً.
والحاصل: أنّ إسناد المنجّزيّة إلى القطع صحيح حقيقةً، وأمّا إسناد المعذّريّةإليه فلا يصحّ إلاّ بنحو من المسامحة والتجوّز.
الثالثة: في كون القطع طريقاً إلى الواقع
كلام صاحب الكفاية والمحقّق النائيني رحمهماالله فيه
ظاهر كلام المحقّق الخراساني رحمهالله أنّ الكاشفيّة من لوازم ماهيّة القطع(1).
وبه صرّح المحقّق النائيني رحمهالله حيث قال في مسألة وجوب متابعة القطع:وهذا الوجوب ليس وجوباً شرعيّاً، لأنّ طريقيّة القطع ذاتيّة له لا تنالها يدالتشريع، إذ لا معنى لتشريع ما هو حاصل بذاته ومنجعل بنفسه، فإنّ الجعلالتشريعي إنّما يتعلّق بما يكون تكوينه عين تشريعه، لا ما يكون متكوّنبنفسه، وطريقيّة القطع تكون كذلك... فإنّها من لوازم ذات القطع، كزوجيّةالأربعة، بل بوجه يصحّ أن يقال: إنّها عين القطع، وما يكون شأنه ذلك كيفيصحّ أن تناله يد الجعل التشريعي؟!
وبعبارة اُخرى: طريقيّة كلّ شيء لابدّ وأن تنتهي إلى العلم، وطريقيّة العلملابدّ وأن تكون ذاتيّة له، لأنّ كل ما بالغير لابدّ وأن ينتهي إلى ما بالذات، وإللزم التسلسل(2)، إنتهى موضع الحاجة من كلامه رحمهالله .
- (1) حيث قال بعد بيان حجّيّة القطع: ولا يخفى أنّ ذلك لا يكون بجعل جاعل، لعدم جعل تأليفي حقيقةً بينالشيء ولوازمه، بل عرضاً بتبع جعله بسيطاً، ولذلك انقدح امتناع المنع عن تأثيره أيضاً. كفايةالاُصول: 297.