«ما لا يعلمون» أيضا كلّ فردٍ من أفراد هذا العنوان، ألا ترى أنّه إذا قيل:«ما يؤكل وما يرى» في قضيّة واحدة لا يوجب انحصار أفراد الأوّل فيالخارج ببعض الأشياء تخصيص الثاني أيضا بذلك البعض، وهذا واضحجدّا(1)، إنتهى كلامه رحمهالله .
وهو جيّدٌ متين.
والحاصل: أنّه لا يمكن إخراج الشبهات الحكميّة عن تحت «حديث الرفع»من طريق وحدة السياق.
وبما تقدّم من كلام المحقّق الحائري رحمهالله يمكن الجواب عن هذا الإشكالأيضا، لأنّ شمول الموصول للفعل والحكم المجهولين كليهما لا يستلزم استعمالهفي أكثر من معنى، لأنّ الموصول من المبهمات، وسعة دائرته وضيقها تابعةلمقدار دلالة صلته، فقوله صلىاللهعليهوآله : «ما لا يعلمون» عبارة عمّا نعبّر عنه بالفارسيّةبـ «آنچه كه نمىدانند» ولا ريب في أنّ هذا المعنى يعمّ الفعل والحكم المجهولينمن دون أن يكون اللفظ مستعملاً في خصوص هذين المعنيين.
الاتّفاق على دخولها في الحديث ـ على قسمين: وجوبيّة ترتبط بوجود الفعل،وتحريميّة ترتبط بعدمه، فالذي ادّعي أنّه ثقيل هل هو وجود الفعل أو عدمه أوكلاهما؟!
على أنّا نمنع أن يكون الفعل ثقيلاً إلاّ باعتبار تعلّق التكليف به، فإنّالواجب لو لم يكن واجبا لما كان ثقيلاً، وهذا هو وجه تسمية التكليف تكليفا،فإنّ فيه كلفة ومشقّة، فالتعبير بـ «الرفع» في الحديث وإن كان يشعر بكونالمرفوع أمراثقيلاً، إلاّأنّهيستدعي دخولالشبهاتالحكميّة فيه لاخروجها عنه.
4ـ أنّ شمول «حديث الرفع» للشبهات الحكميّة يستلزم أن يكون إسناد«الرفع» إلى العناوين المذكورة سيّما فقرة «ما لا يعلمون» حقيقيّا ومجازيّا.
توضيح ذلك: أنّ «الرفع» بالنسبة إلى الموضوعات لا يمكن أن يكونحقيقيّا، ضرورة أنّ شرب الخمر مثلاً لا يكاد يكون مرفوعا حتّى فيما إذا ليعلم، فإسناد الرفع إليه مجازي بلحاظ رفع آثاره كما تقدّم.
بخلاف ما إذا اُسند إلى الأحكام، فإنّ وضع الحكم ورفعه بيد الشارع، فإذكان مجهولاً كان مرفوعا حقيقةً لو شمله حديث الرفع.
ولا يخفى عليك أنّ هذا الإشكال مبنيّ على كون الموصول مستعملاً في كلّمن الفعل والحكم، مع أنّك عرفت أنّه من المبهمات بمعنى «شيء» واستعمل فيجميع فقرات الحديث في هذا المعنى المبهم.
نعم، موارد استعماله تختلف سعة وضيقا بحسب مقدار دلالة صلته، فهوينطبق في «ما لا يعلمون» على الفعل والحكم كليهما، ولا ينطبق في «ما اُكرهوعليه» إلاّ على الفعل فقط، لكنّ الانطباق غير الاستعمال، فإنّه استعمل في جميعهذه الموارد في ذلك المعنى المبهم الذي وضع له، وإسناد الرفع إليه في جميعهمجازي؛ لأنّا نرى وجود الأشياء غير المعلومة والمكره عليها، فلا يمكن الحكم
ج4
بأنّها مرفوعة غيرموجودة، فلامحالة كان إسناد الرفع إليها مجازا بلحاظآثارها، فلا يلزم من شمول حديث الرفع للشبهات الحكميّة كون الإسنادحقيقيّا ومجازيّا.
والحاصل: أنّ الاستدلال بفقرة «ما لا يعلمون» من حديث الرفع علىالبرائة صحيح لا غبار عليه.
ثمّ إنّه لا بأس بالبحث عن سائر فقرات الحديث إجمالاً، فنقول:
ما هو معنى رفع الخطأ والنسيان؟
عبّر في أوّل الحديث بـ «رفع الخطأ والنسيان» ولا يمكن توجيهه بظاهره،لأنّ الأمر دائر بين إسناد الرفع إلى نفس هذين العنوانين حقيقةً، وبين إسنادهإليهما مجازا بلحاظ آثارهما.
ويرد على الأوّل أنّا نجد الخطأ والنسيان كثيرا في الاُمّة الإسلاميّة، فكيفيمكن الحكم بأنّهما مرفوعان عنهم حقيقةً؟!
وعلى الثاني ما عرفت(1) من عدم شمول حديث الرفع للأثر المترتّب علىنفس هذه العناوين التسعة، لاستلزامه كونها مقتضية لثبوت ذلك الأثر ورفعهكليهما، وهذا جمع بين المتنافيين.
فعلى هذا ما معنى «رفع الخطأ والنسيان»؟
أقول: المراد به هو «رفع ما أخطأوا وما نسوا».
ويؤيّده أنّه عبّر به في بعض الأحاديث المرويّة عن الأئمّة عليهمالسلام الناقلة لكلامالنبيّ صلىاللهعليهوآله (2)، فإنّه يدلّ إمّا على أنّ اللفظ الصادر عن النبيّ صلىاللهعليهوآله كان مشتملاً على
- (2) مستدرك الوسائل 12: 24، كتاب الجهاد، الباب 56 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، الحديث 2.