ج4
حرمته واستحقّ مرتكبه العقوبة على ذلك الحرام الواقعي، وأمّا لو كان مباحلما كان على مرتكبه شيء غير ما على المتجرّي، فيجب الاحتياط على المكلّفبترك محتمل الحرمة، حذرا من أن يكون في الواقع حراما ويستحقّ العقوبةبارتكابه.
و بالجملة: شرّع وجوب الاحتياط عند الأخباريّين لأجل التحفّظ علىالواقع في نفس المورد المشتبه، لا لأجل تسهيل الأمر على ترك المحرّماتالمعلومة.
و منها: مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في الخبرين المتعارضين، فإنّ الإمامالصادق عليهالسلام ـ بعد الحكم بوجوب الأخذ بالمجمع عليه وترك الشاذّ الذي ليسبمشهور معلّلاً بأنّ المجمع عليه لا ريب فيه ـ قال: «وإنّما الاُمور ثلاثة: أمر بيّنرشده فيتّبع، وأمر بيّن غيّه فيجتنب، وأمر مشكل يردّ علمه إلى اللّه وإلىرسوله، قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك، فمن تركالشبهات نجا من المحرّمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك منحيث لا يعلم».
ثمّ بيّن عليهالسلام مرجّحات باب تعارض الخبرين، وإذا فرض عمر بن حنظلةتساويهما من جميع الجهات قال عليهالسلام : «إذا كان ذلك فأرجه(1) حتّى تلقى إمامك،فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات»(2).
وهذه الرواية مشتملة على فقرات ثلاث يمكن أن يتمسّك الأخباري بكلّمنها على وجوب الاحتياط.
أ ـ قوله عليهالسلام : « إنّما الاُمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتّبع، وأمر بيّن غيّه
- (1) أي: قف، واَرجَهَ الأمر: أخّره عن وقته. م ح ـ ى.
- (2) الكافي 1: 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، الحديث 10، ووسائلالشيعة 27: 157، كتابالقضاء، الباب 12 من أبواب صفات القاضى، الحديث 9.
(صفحه448)
فيجتنب، وأمر مشكل يردّ علمه إلى اللّه وإلى رسوله».
وانقدح جوابه ممّا سبق في جواب الطائفة الاُولى من الأخبار، فإنّالاُصولي لا يقول بالإباحة الواقعيّة في الشبهات التحريميّة البدويّة، بل يقولبإباحتها الظاهريّة باستناد الحجّة الشرعيّة، فلا يصدق عليها «الأمر المشكل».
ب ـ ما نقله عليهالسلام عن النبيّ صلىاللهعليهوآله بقوله: قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : «حلال بيّن وحرامبيّن وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ومن أخذبالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم».
وظهر جوابه أيضا ممّا تقدّم آنفا في جواب خبري الصدوق وسلام بنالمستنير، من أنّ هذا النوع من الأحاديث يأمرنا بترك الشبهات لأجلالتسهيل على ترك المحرّمات المعلومة، فلابدّ من حمله على الاستحباب، لعدموجوب تحصيل التسهيل عليه، ضرورة أنّه لا يمكن الالتزام بتوجّه حكمينإلزاميّين على المكلّف: أحدهما يقتضي ترك الحرام الواقعي، والآخر يقتضيسهولة تركه.
ج ـ ما ورد في ذيل الحديث من قوله عليهالسلام : «إذا كان ذلك فأرجه حتّى تلقىإمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات».
ومورد هذه الفقرة من الحديث صورة تمكّن المكلّف من التشرّف بحضورالإمام المعصوم عليهالسلام وحصول العلم بحكم الواقعة، مع أنّ النزاع إنّما هو فيالشبهات الحكميّة التحريميّة التي لا يتمكن المكلّف من تحصيل العلم فيموردها.
على أنّ هذه المقبولة مبتلاة بالمعارض، حيث إنّها تدلّ في مورد تساويالخبرين من جميع الجهات على لزوم الإرجاء والتأخير إلى لقاء الإمام عليهالسلام وبعض الروايات تدلّ على أنّ علاجهما هو التخيير.
ج4
هذا تمام الكلام في أحاديث الاحتياط، وقد عرفت المناقشة في جميعها.
(صفحه450)
ج4
البحث حول حكم العقل بالاحتياط
وممّا استدلّ به الأخباريّون في المقام هو دليل العقل، ويمكن تقريبهبوجوه:
الاءوّل: «أصالة الحظر»:
وهي أنّ العقل يحكم بكون الأشياء غير الضروريّة على الحظر ما لميأذن الشارع في التصرف فيها(1)، فإنّ الإنسان عبد مملوك على الإطلاق،وقال اللّه تعالى: «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدا مَمْلُوكا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ»(2)فإذا اقتضت الملكيّة الاعتباريّة أن لا يقدر المملوك على التصرّف فيشيء حتّى في نفسه بدون إذن مالكه، فالملكيّة الحقيقيّة كانت مقتضيةلذلك بطريق أولى، فلا يجوز شرب التتن مثلاً ما لم يحرز إذن الشارع فيه،لأنّه تصرّف في ملكه، ولا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلبإذنه(3).
ردّ الاستدلال بـ «أصالة الحظر» على الاحتياط
- (1) وأمّا الأشياء الضروريّة فلا يحتاج الحكم بإباحتها إلى إذن الشارع، كالتنفّس وأكل الطعام وشرب الماءونحوها. منه مدّ ظلّه توضيحا لكلام الأخباريّين.
- (3) كما هو مفاد بعض الأخبار. فراجع وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، الباب 3 من أبواب الأنفال وميختصّ بالإمام، الحديث 7.