ج4
به حكماً شرعيّاً أو موضوعاً ذا أثر شرعي، والمخبر به في المقام ليس كذلك،لعدم كون الحكم الشرعي من مدلولاته المطابقيّة ولا الالتزاميّة، أمّا الأوّل:فلأنّ المخبر به المطابقي هو آراء جمع من الفقهاء لا رأي المعصوم عليهالسلام ، وأمّالثاني: فلأنّ المفروض أنّ المنقول هو جزء السبب الذي لا يستلزم الكشفعن موافقة المعصوم عليهالسلام إلاّ إذا صار سبباً تامّاً بتحصيل فتاوى عدّة اُخرىمن الفقهاء وضمّها إليه(1).
هذا حاصل كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده المحقّق الاصفهاني رحمهالله في المقام
وفيه: أنّه يكفي في حجّيّة الخبر ترتّب حكم شرعي تعليقي عليه،والمقام من هذا القبيل، لأنّ جزء السبب المنقول بلفظ «الإجماع» إذا انضمّإليه الجزء المكمّل صار سبباً تامّاً لانكشاف رأي المعصوم عليهالسلام ولا يجبفي الأحكام المنكشفة بالدلالات الالتزاميّة أن تكون أحكامتنجيزيّة.
هذا كلّه فيما إذا كان ناقل الإجماع في مقام نقل السبب.
وأمّا إذا كان في مقام نقل المسبّب وحده أو مع السبب فلا يعمّه دليل حجّيّةخبر الثقة(2)، لأنّ الناقل إن استكشف موافقة المعصوم عليهالسلام بمثل الحدسوقاعدة اللطف ونحوهما لم يكن المخبر به محسوساً، وإن حصّله بمثل مسألةالتشرّف والدخول لم يكن متعارفاً، وقد عرفت عدم بناء العقلاء على العملبالأخبار إلاّ إذا كانت محسوسة متعارفة.
- (1) نهاية الدراية 3: 190.
- (2) نعم، يعمّه بالنسبة إلى نقل السبب في الصورة الثانية، أعني ما إذا أراد المخبر نقل السبب والمسبّبكليهما. م ح ـ ى.
(صفحه256)
والحاصل: أنّ الإجماع المنقول المتضمّن لنقل تمام السبب يكون حجّة،وكذلك المتضمّن لنقل جزئه بالنسبة إليه، بخلاف ما إذا اُريد نقل المسبّب، فإنّهلا يكاد يكون معتبراً بواحد من الوجوه الخمسة التي ذكرناها في ملاك حجّيّةالإجماع المحصّل.
ج4
في الشهرة الفتوائيّة
الفصل الثالث: في الشهرة الفتوائيّة
الشهرة في الاصطلاح على ثلاثة أقسام:
أ ـ «الشهرة الروائيّة» وهي عبارة عن شيوع نقل الخبر من قبل الرواة، كأنينقل في كثير من المجاميع الروائيّة، سواء اشتهر العمل به أيضاً أم لا.
ب ـ «الشهرة العمليّة» وهي عبارة عن شيوع العمل بحديث خاصّ منقبل الفقهاء، كما إذا أفتى المشهور بحكم خاصّ واستندوا فيه إلى خبر خاصّ،سواء اشتهر ذلك الخبر من حيث الرواية أيضاً أم لا.
فالنسبة بين الشهرة الروائيّة والعمليّة عموم من وجه، إذ ربّ حديث كانمشهوراً بحسب الرواية متروكاً من حيث العمل، وربّ حديث لم ينقله إلاّ راوٍواحد واشتهر الفتوى على طبقه، ومادّة الاجتماع بينهما ما إذا شاع نقل الخبرمن قبل الرواة واشتهر العمل به أيضاً، كما تحقّق في كثير من الأحاديث.
ج ـ «الشهرة الفتوائيّة» وهي عبارة عن شيوع الفتوى عند الفقهاء بحكمشرعي(1) من دون أن يستندوا في ذلك إلى حديث خاصّ(2).
وهذا القسم الثالث هو محلّ الكلام في المقام، فإنّهم اختلفوا في أنّ الشهرةفي الفتوى هل هي حجّة بالخصوص أم لا؟
- (1) على وجه لا تبلغ الشهرة درجة الإجماع الموجب للقطع أو الاطمئنان بقول المعصوم عليهالسلام . م ح ـ ى.
- (2) سواء لم يكن هناك حديث، أو كان ولكنّهم لم يستندوا إليه فيما أفتوا به. م ح ـ ى.
(صفحه258)
وعمدة ما استدلّ به المثبتون مقبولة عمر بن حنظلة.
وهي ما رواه داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبعبداللّه عليهالسلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث... فكيفيصنعان؟ قال: «ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر فيحلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكمحاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه وعلينا ردّ،والرادّ علينا الرادّ على اللّه وهو على حدّ الشرك باللّه».
قلت: فإن كان كلّ رجل اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونالناظرين في حقّهما، واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟
قال: «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهمولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر».
قال: قلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضّل واحد منهما علىالآخر؟
قال: فقال: «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمععليه من أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهورعند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه، وإنّما الاُمور ثلاثة: أمرٌ بيّن رشدهفيتّبع، وأمرٌ بيّن غيّه فيُجتنب، وأمرٌ مشكل يردّ علمه إلى اللّه وإلى رسوله، قالرسول اللّه صلىاللهعليهوآله : حلالٌ بيّن وحرامٌ بيّن وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجمن المحرّمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيثلا يعلم»(1). الحديث.
تقريب الاستدلال بها أنّ المراد بـ «المجمع عليه» في الموضعين هو المشهور،
- (1) الكافي 1: 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، الحديث 10.
ج4
بقرينة إطلاقالمشهور عليه في قوله عليهالسلام : «ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور»(1).
إن قلت: إنّ الشهرة في المقبولة هي الشهرة الروائيّة، بقرينة كونها في مقامبيان ترجيح الخبر المشهور على الخبر الشاذّ عند تعارضهما، فلا ترتبطبالشهرة الفتوائيّة التي هي المتنازع فيها.
قلت: كلمة «ال» في قوله عليهالسلام : «المجمع عليه» وإن كانت تشير إلى الرواية،فالمراد به «الرواية المشهورة» إلاّ أنّ في نفس المقبولة قرينتين على عدم إرادةالشهرة من حيث الرواية:
1ـ قوله عليهالسلام : «فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عندأصحابك» فإنّه يدلّ على أنّ المشهور هو حكمهم عليهمالسلام ، مع أنّه لا ملازمة بينالشهرة الروائيّة وبين كون الحكم المستفاد من الرواية حكم اللّه الواقعي،لإمكان أن يكون الرواية المشهورة المذكورة في غالب المجاميع الروائيّة صادرةعلى وجه التقيّة، لا لبيان الحكم الواقعي.
فيعلم أنّ المسألة لا ترتبط بنقل الرواية، بل ترتبط بمفادها الذي يستند إليهحكم القاضي، فالحكم المستند إلى الرواية المشهورة بحسب المفاد والمضمونراجح على الحكم المستند إلى الرواية الشاذّة بحسبه.
2ـ قوله عليهالسلام : «وإنّما الاُمور ثلاثة: أمرٌ بيّن رشده فيتّبع، وأمرٌ بيّن غيّهفيُجتنب، وأمرٌ مشكل يردّ علمه إلى اللّه وإلى رسوله» فإنّه لا يكاد يرتبط بمقبله إلاّ إذا اُريد بـ «المجمع عليه» الحديث المشهور من حيث الحكم المستفادمنه، فإنّه هو الذي رشده بيّن، وأمّا المشهور من حيث الرواية والنقل فقطفليس من مصاديق بيّن الرشد كما لا يخفى.
- (1) ويؤيّده أنّ السائل أيضاً فهم أنّ الإجماع في كلام الإمام عليهالسلام بمعنى الشهرة، ولذا سأله بقوله: «فإن كانالخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟». م ح ـ ى.