لا أقول: إنّ الرفع التشريعي تعلّق بنفس المذكورات، فإنّ المذكورات فيالحديث غير «مالايعلمون» لا تقبل الرفع التشريعي، لأنّها من الاُمورالتكوينيّة الخارجيّة، بل رفع المذكورات تشريعا إنّما يكون برفع آثارهالشرعيّة ـ على ما سيأتي بيانه ـ ولكن ذلك لا ربط له بدلالة الاقتضاء وصونكلام الحكيم عن اللغويّة والكذب، بل ذلك لأجل أنّ رفع المذكورات في عالمالتشريع هو رفع ما يترتّب عليها من الآثار والأحكام الشرعيّة، كما أنّ معنى«نفي الضرر» هو نفي الأحكام الضرريّة، فتأمّل جيّدا(1)، إنتهى كلامه.
نقد ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله
نعم، ورد في خصوص الصلوات الرباعيّة والثلاثيّة أنّ الركعتين الاُوليينفرض اللّه، وما زاد عليهما فرض النبيّ صلىاللهعليهوآله (2)، وأمّا سائر الأحاديث المتضمّنة
للأحكام فليست إلاّ في مقام الإخبار عمّا حكم به اللّه تعالى.
وعليه فالرافع للاُمور المذكورة في حديث الرفع هو اللّه تعالى، والنبيّ صلىاللهعليهوآله أخبر عن ذلك بقوله: «رفع عن اُمّتي تسعة...».
وثانيا: سلّمنا أنّه إنشاء للحكم، ـ وتقريبه أن لا يكون الحديث كلامالنبيّ صلىاللهعليهوآله ، بل كلام اللّه الذي وصل إلينا بواسطته صلىاللهعليهوآله ، فكأنّه تعالى قال: «رفعتعن الاُمّة الإسلاميّة تسعة...» ـ إلاّ أنّا لا نسلّم الفرق بين الإخبار والإنشاء فيالاحتياج إلى التقدير وعدمه، بل إسناد الرفع إلى الاُمور التسعة يحتاج إلىالتقدير، سواء كان إخبارا أو إنشاءا.
والحاصل: أنّه لا يمكن الالتزام بأنّ إسناد الرفع إلى المذكورات يكون علىوجه الحقيقة بلاتقدير ولا إضمار.
ما هو المقدّر المصحّح للإسناد؟
ثمّ إنّ في المضاف المقدّر احتمالات:
1ـ أن يقدّر «المؤاخذة»، لسنخيّتها مع الرفع المتعلّق بالعناوين المذكورة،فإنّ شرب الخمر مثلاً محرّم يستتبع العقوبة والمؤاخذة، وأمّا إذا وقع خطأو نسيانا أو إكراها ونحوها رفعت مؤاخذته، فكأنّه صلىاللهعليهوآله قال: «رفع عن اُمّتيتسعة: مؤاخذة الخطأ إلخ».
ويمكن المناقشة في هذا الاحتمال بوجوه:
أ ـ أنّ ظاهر الرفع في الحديث الشريف هو الرفع التشريعي، والمؤاخذة أمرتكويني، لكونها عبارةً عن عمل المولى وعقوبته، ولا يمكن تعلّق الرفعالتشريعي بأمرٍ تكويني.
(صفحه368)
بل لا يمكن تقدير «استحقاق المؤاخذة» أيضا، لكونه ممّا حكم به العقل،فلا يمكن رفعه في جوّ الشرع.
ب ـ أنّ الرفع اُسند إلى نفس العناوين التسعة ادّعاءً، ولا يمكن تصحيح هذالادّعاء بصرف كون المرفوع خصوص «المؤاخذة».
ج ـ أنّ تقدير «المؤاخذة» لا يلائم بعض الروايات الواردة عنأهل البيت عليهمالسلام ، مثل ما روي عن أبي الحسن عليهالسلام قال: «سألته عن الرجليستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك؟فقال: لا، ثمّ قال: قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : وضع عن اُمّتي ما اُكرهوا عليه، وما لميطيقوا، وما أخطأوا»(1).
فإنّ الحلف بالطلاق والعتاق وصدقة مايملك في حال الاختيار وطيبالنفس ليس محرّما مستلزما لاستحقاق العقوبة لكي ترفع عند الإكراه.
فسؤال الراوي ليس عن وجود المؤاخذة على هذا اليمين، بل عن صحّتهوترتّب الأثر عليه.
ثمّ إنّ الحديث يحتاج إلى توجيه وتوضيح، فإنّ مثل الطلاق والعتاقوالصدقة لا تكاد تتحقّق بصرف الحلف عليها وإن لم يكن الحالف مكرها،فالقضيّة فرضيّة، بمعنى أنّ الحلف بهذه الاُمور لا يصحّ ولا يؤثّر في حالالإكراه، ولو فرض صحّته في حال الاختيار وطيب النفس.
2ـ أن يجعل المقدّر في كلّ من هذه الاُمور التسعة ما هو المناسب من أثرهبلحاظ مصاديقه، فلو اُكره على شرب الخمر مثلاً كان المرفوع هو الحدّ، ولواُكره على الطلاق كان المرفوع حصول البينونة بين الزوجين، فإذا رفع الحدّ فيالمثال الأوّل والبينونة في المثال الثاني فكأنّه لم يتحقّق شرب الخمر أو الطلاق،
- (1) وسائل الشيعة 23: 237، كتاب الأيمان، الباب 16 من أبواب الأيمان، الحديث 6.
ج4
فاُسند الرفع إليهما ادّعاءً وتجوّزا.
وهذا الاحتمال وإن كان أقرب من الاحتمال الأوّل، إلاّ أنّه أيضا لا يخلو منإشكال، لأنّ القول بكون المرفوع الأثر الظاهر يستلزم القول ببقاء غيره منالأثر الشرعي، وهذا يستلزم فرض وجود العناوين المذكورة في الحديثوفرض عدمها شرعا، فكأنّ الشارع يقول: العمل المكره عليه معدوموموجود، فإنّه بلحاظ أثره الظاهر معدوم، بحيث اُسند الرفع إليه، وبلحاظغيره من الآثار موجود، وهل يمكن الالتزام بذلك؟!
على أنّه يرد عليه نظير ما أوردناه على الاحتمال الأوّل، وهو أنّه لا يمكنتصحيح إسناد الرفع إلى نفس العناوين التسعة ادّعاءً بمجرّد كون المرفوعخصوص الأثر الشرعي الظاهر.
الحقّ في المقام
3ـ مقتضى التحقيق الذي هو الظاهر عرفا أن يكون المقدّر جميع الآثارالشرعيّة المترتّبة على هذه الاُمور التسعة، ولا فرق في ذلك بين الأثر الظاهروغيره.
ويؤيّده أوّلاً: أنّه يلائم إسناد الرفع إلى نفس هذه العناوين، فإنّ ما رفعجميع آثاره، فكأنّه رفع بنفسه.
وثانيا: أنّه يناسب الامتنان الذي صدر الحديث في مقامه.
هل الحديث يختصّ بالاُمور الوجوديّة أو يعمّ الاُمور العدميّة؟
الأمر الثالث: ذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى اختصاص الحديث بالاُمورالوجوديّة، حيث قال:
وإن اُكره المكلّف على الترك أو اضطرّ إليه أو نسي الفعل، ففي شمول