في حكم الماء المتغيّر بالنجاسة مثلاً يحصل له اليقين بنجاسته، وبعد زوالتغيّره من قبل نفسه وعدم ظفره بدليل يقتضي طهارته أو نجاسته حينئذٍ يشكّفي بقاء نجاسته السابقة، كذلك العامّي، فإنّه برجوعه إلى الفقيه في حكم الماءالمتغيّر بالنجاسة وإفتائه إيّاه بالنجاسة يحصل له اليقين بنجاسته، لأنّ فتوىالفقيه بالنسبة إليه بعينه كالأمارة القائمة لدى المجتهد على النجاسة في الحجّيّةبمقتضى أدلّة الإفتاء والاستفتاء، وحينئذٍ لو زال تغيّره من قبل نفسه يشكّقهراً في بقاء ذلك الحكم الكلّي ـ أعني النجاسة ـ وبعد رجوعه ثانياً إلى الفقيهفي حكم المسألة وعدم إفتائه بالنجاسة الواقعيّة، بل وإعلامه بعدم ظفره فيهذا الحال بدليل يقتضي طهارته أو نجاسته، يستقرّ شكّه قهراً، فيتوجّه إليهحينئذٍ خطاب «لا تنقض» من جهة تحقّق كلا ركنيه بالنسبة إليه، وهما «اليقينالسابق» و«الشكّ اللاحق» غير أنّه لمّا كان غير عارف بمضمون هذا الخطابوما يقتضيه من الوظيفة الفعليّة ينوب عنه المجتهد بمقتضى أدلّة الإفتاءوالاستفتاء، كنيابته عنه في التكاليف الواقعيّة، فيفتيه حينئذٍ بنفسالاستصحاب الذي هو مفاد «لاتنقض» كإفتائه إيّاه بالحكم الواقعي.
ونتيجة ذلك: هو تخيّر المجتهد عند رجوع العامّي إليه بين الإفتاء بالواقعبمقتضى الاستصحاب الجاري في حقّ نفسه، وبين إقراره على شكّه وإفتائهبالأخذ باليقين السابق وعدم نقضه بالشكّ بالخلاف.
وهذابخلاف مبنى تخصيص تلك الخطابات بالمجتهد، فإنّه يتعيّن عليه الإفتاءبنفس الواقع حسب الاستصحاب الجاري بالنسبة إليه، وليس له الإفتاءبالاستصحاب والأخذ باليقين السابق(1)، إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
بالنجاسة، ثمّ يشكّ في بقائها بعد زوال تغيّره من قبل نفسه، فيقلّده ثانياً فيعدم الظفر في هذا الحال بدليل يقتضي طهارته أو نجاسته، فيستقرّ شكّه،فيحصل بالنسبة إليه كلا ركني الاستصحاب، وهما «اليقين السابق» و«الشكّاللاحق» فيتوجّه إليه خطاب «لا تنقض اليقين بالشكّ».
غاية الأمر ينوب عنه المجتهد في بيان مضمون هذا الخطاب، ويفتيه بنفسالاستصحاب الذي هو مفاد «لا تنقض» لا بالحكم ببقاء النجاسة.
نقد ما ذكره المحقّق العراقي رحمهالله في المقام
وفيه أوّلاً: أنّ التفرقة بين المراحل الثلاث ـ بتحقّق التقليد في المرحلتينالاُوليين والنيابة في المرحلة الأخيرة ـ أمر غير مأنوس في نفسه.
وثانياً: أنّ السيرة العمليّة عند المتشرّعة على خلاف ذلك، فإنّ المقلّدينيرجعون إلى المجتهدين أو إلى رسالتهم العمليّة ويأخذون منهم نفس الأحكامالفرعيّة، ولم يعهد من الفقهاء ـ عند رجوع العامّي إليهم ـ الإفتاء بالحكمالاُصولي.
وثالثاً: أنّ النيابة خلاف القاعدة، فلا يمكن الالتزام بها ما لم يقم دليل علىمشروعيّتها، ألا ترى أنّه لا يجوز النيابة في مثل الصلاة والصيام مادام المنوبعنه حيّاً؟
والحاصل: أنّ المراد بـ «المكلّف» خصوص المجتهد، كما صرّح به المحقّقالنائيني تبعاً لظاهر كلام المحقّق الخراساني رحمهماالله .
البحث حول أنّ التقسيم الصحيح هل يكون ثلاثيّاً أو ثنائيّاً
الثانية: أنّالتقسيمالثلاثي الذي ذهب إليه الشيخ رحمهالله يستلزم تداخل الأقسام.
توضيح ذلك: أنّ الظاهر من «الظنّ» في كلامه هو الظنّ الشخصي، لكونه في
(صفحه18)
مقابل القطع والشكّ الذين لا يتصوّر نوعيّتهما.
وحينئذٍ فإن حصل الظنّ الشخصي من طريق غير معتبر اقتضى كلامه أنيجري عليه أحكام الظنّ، وهو خلاف ما عليه الاُصوليّون من أنّه بحكم الشكّ،فلابدّ من إجراء الاُصول العمليّة فيه.
ولو انعكس الأمر، بأن قام عند شخص أمارة معتبرة على حكم، لوجبعليه العمل بها وإن لم يحصل له الظنّ به، لأنّ من قال بحجّيّة الأمارات بملاكالظنّ أراد الظنّ النوعي لا الشخصي.
وبعبارة اُخرى: إن قام دليل على اعتبار الظنّ فهو ملحق بالعلم، وإلفملحق بالشكّ، فلا يصحّ تثليث الأقسام.
جواب المحقّق النائيني رحمهالله عن الإشكال
وأجاب عنه المحقّق النائيني رحمهالله بأنّ عقد البحث في الظنّ إنّما هو لأجل تميّزالظنّ المعتبر الملحق بالعلم عن الظنّ الغير المعتبر الملحق بالشكّ، فلابدّ منتثليث الأقسام، ثمّ البحث عن حكم الظنّ من حيث الاعتبار وعدمه، نعم،لازم اعتباره هو أن يكون كالعلم، كما أنّ لازم عدم اعتباره هو أن يكونكالشكّ(1)، إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
وحاصله: أنّ تثليث الأقسام في كلام الشيخ رحمهالله إنّما هو توطئة للدخول فيالمباحث الثلاثة للكتاب، ولم يرد به تقسيماً واقعيّاً.
نقد ما ذكره المحقّق النائيني دفاعاً عن الشيخ رحمهماالله
وفيه: أنّ التقسيم المذكور في بداية الكتاب بمنزلة أساس البحث، فلا يجوز