فحاصل كلام الشيخ رحمهالله بعدما عرفت من التوضيح والتصحيح أنّه «لإشكال في لزوم متابعة ما تعلّق به القطع والعمل على وفقه عقلاً مادام القطعموجوداً».
ولا إشكال في صحّة إسناد المنجّزيّة إلى القطع المصادف للواقع.
إنّما الإشكال في صحّة إسناد المعذّريّة إلى القطع المخالف له، فإنّ من قطعبعدم وجوب صلاة الجمعة مع كونها واجبةً في الواقع وإن كان معذوراً في
تركها، إلاّ أنّ العذر إنّما هو لأجل عدم العلم بحكم المولى، لا لأجل العلمبعدمه، ولذا لو كان شاكّاً في الحكم لكان معذوراً أيضاً.
والحاصل: أنّ إسناد المنجّزيّة إلى القطع صحيح حقيقةً، وأمّا إسناد المعذّريّةإليه فلا يصحّ إلاّ بنحو من المسامحة والتجوّز.
الثالثة: في كون القطع طريقاً إلى الواقع
كلام صاحب الكفاية والمحقّق النائيني رحمهماالله فيه
ظاهر كلام المحقّق الخراساني رحمهالله أنّ الكاشفيّة من لوازم ماهيّة القطع(1).
وبه صرّح المحقّق النائيني رحمهالله حيث قال في مسألة وجوب متابعة القطع:وهذا الوجوب ليس وجوباً شرعيّاً، لأنّ طريقيّة القطع ذاتيّة له لا تنالها يدالتشريع، إذ لا معنى لتشريع ما هو حاصل بذاته ومنجعل بنفسه، فإنّ الجعلالتشريعي إنّما يتعلّق بما يكون تكوينه عين تشريعه، لا ما يكون متكوّنبنفسه، وطريقيّة القطع تكون كذلك... فإنّها من لوازم ذات القطع، كزوجيّةالأربعة، بل بوجه يصحّ أن يقال: إنّها عين القطع، وما يكون شأنه ذلك كيفيصحّ أن تناله يد الجعل التشريعي؟!
وبعبارة اُخرى: طريقيّة كلّ شيء لابدّ وأن تنتهي إلى العلم، وطريقيّة العلملابدّ وأن تكون ذاتيّة له، لأنّ كل ما بالغير لابدّ وأن ينتهي إلى ما بالذات، وإللزم التسلسل(2)، إنتهى موضع الحاجة من كلامه رحمهالله .
- (1) حيث قال بعد بيان حجّيّة القطع: ولا يخفى أنّ ذلك لا يكون بجعل جاعل، لعدم جعل تأليفي حقيقةً بينالشيء ولوازمه، بل عرضاً بتبع جعله بسيطاً، ولذلك انقدح امتناع المنع عن تأثيره أيضاً. كفايةالاُصول: 297.
ج4
البحث حول نظريّة كون الطريقيّة من لوازم ماهيّة القطع
لعلّ قائلاً يقول: إنّ القطع كثيراً ما يخالف الواقع، فكيف تكون الطريقيّة منلوازم ذاته مع أنّه لا يمكن انفكاك لازم الماهيّة عنها؟!
إن قلت: لعلّ المراد هو الكاشفيّة بنظر القاطع وعقيدته.
قلت: لا تتفاوت الأنظار في لوازم الماهيّة، ألا ترى أنّ الأربعة زوجباعتقاد الجميع ولا ينكر زوجيّتها أحد من الناس؟ بخلاف القطع، فإنّ بعضالناس يقطعون مثلاً بوجوب صلاة الجمعة وبعضهم بعدم وجوبها، فهل يمكنالقول بكاشفيّة كلا القطعين عن الواقع مع أنّها تستلزم كون صلاة الجمعةواجبة وغير واجبة واقعاً؟!
اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ القطع وإن لم يكن كاشفاً عن الواقع الذي هو المعلومبالعرض أحياناً، إلاّ أنّه كاشف عن المعلوم بالذات دائماً.
توضيح ذلك: أنّ للعلم ـ سواء كان تصوّراً أو تصديقاً ـ معلوماً بالذاتومعلوماً بالعرض، فالأوّل: هو الصورة الحاصلة من الشيء الخارجي لدىالنفس، والثاني: هو نفس الشيء الخارجي.
وذلك لأنّ ما في الخارج لا يعقل أن يكون معلوماً لنا بلا واسطة، فإنّالمعلوميّة عبارة عن حضور المعلوم في نفس العالم، وما في الخارج بوصفكونه كذلك يستحيل أن يوجد في الذهن(1)، ولو انسلخ عن ذلك الوصفلا نسلخ عن حقيقته، فإنّك إذا تصوّرت زيداً مثلاً مجرّداً عن وجوده الخارجيلم يكن المتصوّر زيداً، لأنّ الخارجيّة من أركان حقيقة الزيديّة.
فلابدّ من القول بأنّ ما في الخارج ـ سواء كان أمراً تصوّريّاً أو تصديقيّاً ـ ل
- (1) وإلاّ فلم يكن قسيماً للوجود الذهني، بل كان عينه ومتّحداً معه. منه مدّ ظلّه.