يوجب الرجاء والوثوق والتطلّب والتذلّل، وكلّما كملت المبادئ كملت النتائجبلا ريب.
فظهر أنّ الأفعال النفسانيّة نتائج قهريّة لوجود مباديها المقرّرة في محلّهوعند أهله، ولا تتبع إرادة ولا اختياراً.
وعليه فالتسليم القلبي والانقياد الجناني والاعتقاد الجزمي لأمر من الاُمورلا تحصل بالإرادة والاختيار من دون حصول مقدّماتها ومباديها، ولو فرضنحصول عللها وأسبابها لامتنع تخلّفها والاعتقاد بأضدادها، فتخلّفها عنالمبادئ ممتنع، كما أنّ حصولها بدونها أيضاً ممتنع.
يخلق في نفسه على خلاف معتقده علماً حاكياً عن تحقّق النسبة في الخارج،فيصدق على كلامه تعريف القضيّة بأنّها «كلام مشتمل على نسبة يصحّالسكوت عليها» ـ فاسد(1)، لأنّ العلم ليس من الاُمور الجعليّة الاختياريّة، بلهو من الاُمور التكوينيّة التي لا توجد في النفس إلاّ بعللها وبأسبابهالتكوينيّة، وإلاّ لزم جواز العلم والجزم في النفس بأنّ الواحد ليس نصفالإثنين، بل هو نصف الثلاثة، وأنّ النقيضين يجتمعان ويرتفعان؟!
وأمّا الإخبارات الكاذبة فإنّما تكون بصورة الجزم، وليس في واحد منهحقيقة الجزم الجعلي، بل إظهاره، والمناط في صحّة السكوت هو الإخبارالجزمي، أي الإخبار الذي بصورة الجزم، ولا ربط للجزم القلبي في صحّةالسكوت وعدمه، ولهذا لو أظهر المتكلّم ما هو مقطوع به بصورة الترديد لتصير القضيّة ممّا يصحّ السكوت عليها.
وبالجملة: الموافقة الالتزاميّة أمر غير اختياري، لأنّها توجد قهراً إذتحقّقت مباديها ولا يمكن أن توجد بدونها، فلا يصحّ تعلّق التكليف بها، لأنّمتعلّق التكليف لابدّ من أن يكون مقدوراً(2).
هذا حاصل ما أفاده قدسسره .
نقد كلام الإمام رحمهالله
ونحن وإن تلقّيناه بالقبول في الدورة السابقة، إلاّ أنّه يمكن المناقشة فيه أوّلاً:بالنقض بورود تكاليف كثيرة في الشريعة متعلّقة بالإيمان ونحوه من الأفعالالنفسانيّة. قال اللّه سبحانه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا(3) بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ
- (1) خبر لقولنا: «ما قيل». م ح ـ ى.
- (2) تهذيب الاُصول 2: 343، وأنوار الهداية 1: 142.
- (3) يريد بهذا الأمر إمّا بيان المتعلّق، أو الإيمان بالدرجات العليا. منه مدّ ظلّه.
(صفحه126)
الْكِتابِ الذي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الذي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ»(1).
ولا ريب في أنّ الإيمان إمّا صرف الاعتقاد بالجنان أو مركّب منه ومنالإقرار باللسان والعمل بالأركان، فكيف تعلّق الأمر بالاعتقاد أو بما هو جزءمنه؟
وقال صلىاللهعليهوآله لعبدة الأوثان: «قولوا لا إله إلاّ اللّه تفلحوا»(2).
ولا ريب في أنّ المأمور به هو الاعتقاد القلبي بوحدانيّته تعالى، لا صرفإظهارها باللسان، لأنّ أحكام الإسلام وإن كانت تترتّب صورةً على من أظهرالإيمان، سواء اعتقد قلباً أو لم يعتقد ـ كالمنافقين ـ إلاّ أنّ الفلاح لا يمكن أنيترتّب إلاّ على الإيمان الواقعي القلبي.
وقال اللّه تعالى: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى»(3).
فكيف صار المسلمون مكلّفين بالمودّة في القربى التي هي من الأفعال القلبيّةلو كانت غير اختياريّة؟!
بل قد عرفت مسبوقيّة الأفعال الاختياريّة بالإرادة، وأنّها أمر اختياريمخلوق للنفس الإنسانيّة بما منحها اللّه شعبة من الخلاّقيّة.
وثانياً: بالحلّ، وهو أنّ صحّة التكليف لا تتوقّف على القدرة على المكلّف بهبلا واسطة، بل يكفي فيها القدرة على مباديه التي يحصل عقيبها قهراً، وإللامتنع إيجاب كلّ ما يتوقّف على شيء آخر، كالكون على السطح الذيلا يمكن أن يحصل بدون نصب السلّم.
فعلى هذا يصحّ التكليف بالموافقة الالتزاميّة للتكاليف الشرعيّة، لتمكّن
- (2) بحار الأنوار 18: 202، باب المبعث وإظهار الدعوة وما لقي صلىاللهعليهوآله من القوم، ذيل الحديث 32.