(صفحه242)
له عندنا إلاّ إذا كان كاشفاً عن موافقة المعصوم عليهالسلام ، فهو في الواقع كاشف عنالحجّة، لا أنّه حجّة رابعة في مقابل الحجج الثلاثة الاُخر.
ما استدلّ به أهل السنّة لإثبات حجّيّة الإجماع
تمسّك العامّة على اعتبار الإجماع بما هو إجماع بما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال: «لاتجتمع اُمّتي على خطأ»(1) وقال أيضاً: «لا تجتمع اُمّتي علىضلالة»(2).
وبنوا عليه أساس مذهبهم، أعني خلافة أبي بكر.
وفيه: أنّ هذا الخبر على فرض صحّته لا يكون بصدد جعل الحجّيّة لرأيالاُمّة في حالة الاجتماع، بل بصدد الإخبار عن عصمتهم في هذه الحالة، ولريب في أنّ الأحكام الشرعيّة وإن كانت تثبت بالخبر الواحد على فرضاعتباره، إلاّ أنّ الموضوعات الخارجيّة التي منها عصمة الاُمّة عن الخطفشمول دليل حجّيّة الخبر لها يحتاج إلى الدقّة والتأمّل. على أنّ اجتماع الاُمّة لتصدق إلاّ باجتماع جميعهم(3) أوّلاً، وظاهره هو الاجتماع الاختياري ثانياً، ولريب في أنّه لم يتحقّق واحد منهما في مسألة الخلافة التي هي الباعثة لهم فيخلق الإجماع وحجّيّته.
فإنّ الاُمّة لم تكن منحصرة في أهل المدينة كي يصدق على اجتماعهم اجتماعالاُمّة.
على أنّ أهل المدينة أيضاً لم يجتمعوا على خلافة أبي بكر، فإنّ جمعاً من
- (1) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 8 : 123.
- (3) وهذا ما يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع أيضاً، كأنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قال: إذا اجتمعت اُمّتي على أمرصانهم اللّه بعنايته ولطفه من الخطأ، فيكون اجتماعهم كاشفاً عن كون ذلك الأمر أمراً واقعيّاً. منه مدّ ظلّه.
ج4
أكابر الصحابة وفي رأسهم أمير المؤمنين عليهالسلام كانوا يخالفونها.
أضف إلى ذلك أنّه لا قيمة لتحقّق الإجماع إذا كان بالقهر والإجباركما تحقّق في الحوادث الواقعة بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله على ما يحكيه التاريخوالأخبار.
ولأجل ذلك كلّه وقعوا في حيص وبيص، فالتجأ بعضهم إلى تفسير«اجتماع الاُمّة» بـ «اجتماع أهل المدينة» وبعض آخر بـ «اتّفاق أهلالحلّ والعقد» وبعض ثالث بـ «اتّفاق المجتهدين والعلماء» وأمثال هذهالتوجيهات.
ولا يخفى عليك أنّها آراء مضحكة، إذ ليس في الرواية من هذه العناوينالمذكورة عينٌ ولا أثر، بل عنوانها «اجتماع الاُمّة» الذي يتوقّف على اتّفاقجميع المسلمين بالإرادة والاختيار.
والحاصل: أنّه لا دليل على حجّيّة الإجماع بما هو إجماع، بل لو كان كاشفعن موافقة المعصوم أو عن دليل معتبر لكان حجّة، ولو لم يتحقّق الإجماعبمعنى اتّفاق جميع العلماء، بل ولا أكثرهم، إذ يكفي العلم بدخول المعصوم عليهالسلام فيالمجمعين ولو كانت عدّتهم قليلة.
فالتعبير بـ «الإجماع» في كلمات فقهائنا إنّما هو لأجل المماشاة مع أهل السنّةكما تقدّم.
بماذا ينكشف رأي المعصوم عليهالسلام ؟
ولا يخفى أنّ علمائنا ذكروا وجوهاً لكشف الإجماع المحصّل عن موافقةالمعصوم عليهالسلام :
الإجماع الدخولي
(صفحه244)
منها: العلم الإجمالي بدخول الإمام عليهالسلام في جماعة اتّفقوا على مسألة شرعيّة.ولا ريب في أنّ مخالفة من كان معلوم النسب من العلماء لا يضرّ بهذا النوع منالإجماع، حتّى لو انعقد مجلس مركّب من عشرة: أحدهم الإمام عليهالسلام واتّفقخمسة منهم على حكم وعلمنا إجمالاً بأنّ الإمام عليهالسلام في هؤلاء الخمسة، لكونالباقين معلومي النسب لكان رأيهم حجّة.
وغالب الإجماعات التي كان الفقهاء يستندون إليها في عصر الحضورإلىزمن السيّد المرتضى رحمهالله كانت من قبيل الإجماع الدخولي، لكونه أمراً عاديّسهل الوصول.
وأمّا في عصر الغيبة فهو وإن كان أمراً ممكناً ثبوتاً إلاّ أنّه لا أثر له، لأجلبعض المحاذير التي سنشير إليها في مسألة التشرّف.
الإجماع التشرّفي
ومنها: أنّ بعض الأوحدي من العلماء الأتقياء يمكن أن يتشرّف برؤيةالإمام عليهالسلام في عصر الغيبة ويأخذ الحكم الشرعي منه عليهالسلام مباشرةً، لكنّه ينقلهفي قالب الإجماع، وذلك لكون الناس مأمورين بتكذيب مدّعي الرؤية فيزمان الغيبة(1).
فإذا استدلّ على مسألة بالإجماع في بعض المنابع الفقهيّة الاستدلاليّة فليصحّ التمسّك به واستنباط الأحكام على أساسه، إذ لا نعلم أنّ مدّعيه هلتشرّف برؤية الإمام عليهالسلام وأخذ الحكم منه مباشرةً أو استكشف رأيه عليهالسلام ممّسيأتي من قاعدة اللطف أو الحدس أو نحوهما.
- (1) إذ لولا الأمر بالتكذيب لكثرت دعوى الرؤية من قبل الكاذبين الذين ينتفعون بمثل هذه الدعاوى، فإنّبعضهم مع ذلك ادّعوا البابيّة، بل المهدويّة، وأسّسوا عليهما مذاهب فاسدة، فلو لم نؤمر بتكذيب أمثالهملكانت أمثال هذه الدعاوى والمذاهب الناشئة عنها أضعافاً مضاعفة. م ح ـ ى.
ج4
وشهرة تشرّف مدّعي الإجماع بخدمته عليهالسلام في الألسنة لا تكفي لإثبات كونهإجماعاً تشرّفيّاً ما لم يبيّن نفسه وجهه.
والحاصل: أنّ هذا النوع من الإجماع، وكذلك الإجماع الدخولي وإن كانأمرين ممكنين ثبوتاً في عصر الغيبة، إلاّ أنّه لا يترتّب عليهما أثرٌ عملي بالنسبةإلى المنقول إليه.
ولا يخفى أنّ وجه حجّيّة الإجماع المحصّل في هذين النوعين هو الحصولعلى رأي المعصوم عليهالسلام حسّاً، إمّا إجمالاً كما في الإجماع الدخولي، أو تفصيلاً كمفي مسألة التشرّف، بخلاف الأنواع الآتية، فإنّها مبتنية على الحدس كمستعرف.
البحث حول الإجماع اللطفي
نظريّة الشيخ الطوسي والسيّد المرتضى رحمهماالله في ذلك
ومنها: ما ادّعاه الشيخ الطوسي رحمهالله من حكم العقل بوجوب اللطف على اللّه«عزّ وجلّ» وعلى رسوله صلىاللهعليهوآله وعلى الأئمّة من بعده عليهمالسلام ، واللطف عبارة عنتهيئة ما له دخل في هداية الناس، فيجب إرسال الرسل وإنزال الكتب ونصبالإمام عليهالسلام وكذلك يجب على الإمام عليهالسلام ـ فيما إذا يرى اتّفاق جميع العلماء علىالخطأ ـ إمّا أن يظهر نفسه ويبيّن حكم اللّه الواقعي أو يرسل شخصاً من الفقهاءويأمره بتبيينه، فالحكم المظهر من قبل رسول الإمام عليهالسلام وإن كان بصورةفتوى فقيه عادي إلاّ أنّه حكم اللّه الذي أمره الإمام عليهالسلام ببثّه بين الفقهاء الكرام.
فلو اتّفق جميع الفقهاء ـ ولو في عصر واحد ـ على حكم لانكشف به موافقةالمعصوم عليهالسلام بالملازمة العقليّة المستندة إلى قاعدة اللطف.
هذا ما أفاده الشيخ الطوسي في باب الإجماع.
(صفحه246)
وناقش فيه اُستاذه السيّد المرتضى رحمهالله ـ على ما في «عدّة الاُصول»للشيخ رحمهالله ـ بأنّ حكم العقل بوجوب اللطف على الإمام عليهالسلام يختصّ بما لو كانتغيبته مستندة إلى نفسه عليهالسلام بخلاف ما إذا كان الناس سبباً لها كما في هذهالأعصار، لأنّا إذا كنّا نحن السبب في استتاره، فكلّ ما يفوتنا من الانتفاع بهوبما معه من الأحكام يكون قد فاتنا من قبل أنفسنا، ولو أزلنا سبب الاستتارلظهر وانتفعنا به وأدّى إلينا الحقّ الذي كان عنده، فلا ملازمة بين اتّفاق جميعالعلماء على الخطأ ولزوم بيان الحقّ من قبله عليهالسلام .
وكأنّ الشيخ رحمهالله لم يقدر على جواب هذه المناقشة حقيقةً، فإنّه اكتفى في مقامالجواب بأنّ قبول هذه الشبهة يستلزم القول بعدم حجّيّة الإجماع رأساً(1).
ما يقتضيه التحقيق في الإجماع اللطفي
ويرد عليه أوّلاً: أنّ وجه حجّيّة الإجماع المحصّل لا ينحصر في قاعدةاللطف كي يلزم من الخدشة فيها عدم حجّيّته رأساً.
وثانياً: أنّه لا دليل على وجوب اللطف بهذا المعنى على الإمام عليهالسلام فإنّ منابعالاستنباط ـ من كتاب اللّه «عزّ وجلّ» وسنن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وأحاديثخلفائه عليهمالسلام ـ تكون بيد المجتهد، فهو يتمكّن من استنباط جميع الأحكامالشرعيّة أوّلاً، وكان للمصيب منه أجران وللمخطئ أجرٌ واحد ثانياً، فبأيّوجه نلتزم بأنّه يجب على الإمام إلقاء الخلاف بين الفقهاء بإظهار حكم اللّهالواقعي فيما إذا اتّفقوا على الخطأ؟!
نعم، من وظائفه بيان حكم اللّه الواقعي لو سئل عنه ولم يكن في مضيقةالتقيّة.
- (1) العدّة في اُصول الفقه 2: 631 و 643.