(صفحه298)
أيضاً عقيب البحث عن آية «النبأ».
منها: أنّ أدلّة حجّيّة الخبر تعارض الآيات الناهية عن اتّباع غير العلم،فتتساقطان ويرجع إلى أصالة حرمة التعبّد بالظنّ.
وفيه: ما تقدّم تفصيله من أنّ أدلّة حجّيّة الخبر واردة على تلك الآيات.
ومنها: أنّ حجّيّة الخبر الواحد تستلزم عدم حجّيّته، لشموله ما أخبر بهالسيّد المرتضى رحمهالله من الإجماع على عدم حجّيّته.
وقد اُجيب عنه بوجوه:
أ ـ ما تقدّم(1) في مبحث الإجماع المنقول من أنّ أدلّة حجّيّة الخبر الواحدتختصّ بالإخبار عن حسّ، ومدّعي الإجماع لم يحصّل رأي المعصوم عليهالسلام إلمن طريق الملازمة العقليّة أو العاديّة التي غايتها الحدس برأيه عليهالسلام .
ب ـ أنّ دعوى الإجماع على عدم حجّيّة الخبر الواحد معارضة بدعوىالشيخ الإجماع على حجّيّته، فيتعارضان ويتساقطان من دون أن تنثلم أدلّةالحجّيّة.
ج ـ أنّه يستحيل أن يندرج خبر السيّد هذا تحت أدلّة حجّيّة الخبر الواحد،لأنّه يستلزم عدم حجّيّة نفسه أيضاً، لكونه من مصاديق الخبر الواحد، وميلزم من وجوده عدمه فهو محال.
د ـ أنّه لا يمكن الجمع بين اعتبار خبر السيّد رحمهالله واعتبار سائر الأخبارالآحاد، فلابدّ من تخصيص أدلّة حجّيّة الخبر الواحد، إمّا بإخراج خبر السيّدعن تحتها، أو بإخراج سائر الأخبار، ولا يمكن الالتزام بالثاني، لاستلزامهتخصيص العامّ إلى حدّ لم يبق تحته إلاّ فرد واحد، وهو مستهجن غايةالاستهجان، فلابدّ من الذهاب إلى الأوّل والقول بحجّيّة جميع الأخبار إل
ج4
إخبار السيّد رحمهالله بالإجماع على عدم حجّيّة الخبر الواحد.
مناقشة المحقّق الخراساني رحمهالله في هذا الجواب الرابع
وقد أجاب المحقّق الخراساني رحمهالله في «حاشية الرسائل» عن الاستهجانبقوله: من الممكن جدّاً أن يكون المراد من الآية واقعاً هو حجّيّة خبر العادلمطلقاً إلى زمان خبر السيّد بعدم حجّيّته، كما هو قضيّة ظهورها من دون أنيزاحمه شيء قبله، وعدم حجّيّته بعده، كما هو قضيّة مزاحمة عمومها لسائرالأفراد وبعد شمول العموم له أيضاً، ومن الواضح أنّ مثل هذا ليس بقبيحأصلاً، فإنّه ليس إلاّ من باب بيان إظهار انتهاء حكم العامّ في زمان بتعميمهبحيث يعمّ فرداً ينافي ويناقض الحكم لسائر الأفراد، ولا يوجد إلاّ في ذلكالزمان، حيث إنّه ليس إلاّ نحو تقييد(1)، إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
وفيه: أنّ معقد الإجماع المنقول من قبل السيّد رحمهالله إنّما هو عدم حجّيّة الخبرالواحد بنحو السالبة الكلّيّة الشاملة للأخبار التي قبله وبعده جميعاً، فإنّ دعواهعدم حجّيّة الخبر الواحد بطبيعته وبإطلاقه، وهل يمكن الالتزام بأنّه رحمهالله تمسّكلإثبات هذه الدعوى بإجماع لا يثبت إلاّ قسماً منها؟!
ومنها: أنّ أدلّة حجّيّة الخبر الواحد تختصّ بالأخبار بلا واسطة، فلا تعمّالروايات المأثورة عن المعصومين عليهمالسلام لاشتمالها على وسائط.
ويمكن تقريب هذا الإشكال بوجوه عديدة:
الوجه الأوّل: دعوى انصرافها إلى الخبر بلا واسطة.
وفيه أوّلاً: أنّ منشأ الانصراف إمّا كثرة الوجود أو كثرة الاستعمال(2)،
- (1) حاشية كتاب فرائد الاُصول: 63.
- (2) والحقّ هو الثاني، فإنّ كثرة الاستعمال هي التي توجب اُنس الذهن بالمستعمل فيه، بحيث ينتقل إليهحين استعمال اللفظ. منه مدّ ظلّه.
(صفحه300)
وكلاهما منتفيان في المقام، لعدم كون الأخبار بلا واسطة أكثر وجوداً منغيرها، كيف وقد تداول نقل الأحاديث مع الواسطة من صدر الإسلام إلىزماننا هذا؟!
وهكذا مسألة كثرة الاستعمال، ضرورة أنّ استعمال «خبر العادل» في الخبربلا واسطة لا يكون أكثر من استعماله في غيره، بحيث ينتقل ذهن من سمعه إلىالأوّل.
وثانياً: أنّ انصرافها عن الأخبار مع الواسطة ـ على فرض تسليمه ـ يختصّبما إذا كثرت الوسائط كثرةً غير متعارفة، وأمّا الأخبار المنقولة بوسائط قليلةمتعارفة فلا نسلّم انصراف أدلّة حجّيّة الخبر عنها، وأحاديث الكتب الأربعةالتي هي أهمّ المنابع الحديثيّة عند الإماميّة منقولة إلينا بوسائط قليلة، وذلكلأنّ هذه الكتب لا تحتاج إلى وسائط بيننا وبين مؤلّفيها، لأنّ انتسابها إليهمأمرٌ مقطوع به(1)، فكأنّه تلقّينا أحاديث هذه الكتب من مؤلّفيها بلا واسطة،والوسائط الموجودة بينهم وبين أهل البيت عليهمالسلام لا تتجاوز عن المتعارف.
وثالثاً: أنّ الانصراف من أوصاف الأدلّة اللفظيّة، وأهمّ ما دلّ على حجّيّةالخبر الواحد هو بناء العقلاء مع عدم ردع الشارع عنه، ولا يمكن دعوىالانصراف فيه.
إن قلت: نعم، ولكن بناء العقلاء دليل لبّي، فلابدّ من الأخذ بالقدر المتيقّنمنه، وهو الأخبار بلا واسطة.
قلت: إنّ العقلاء يعملون بالأخبار المنقولة إليهم بوسائط قليلة متعارفة، كميعملون بالأخبار بلا واسطة، فلا نشكّ في شمول بناء العقلاء لمثل ما بأيدين
- (1) فلا دخل للإجازات الروائيّة المنتهية إلى المشايخ الثلاثة في إثبات انتساب الكتب الأربعة إليهم.منه مدّ ظلّه.
ج4
من روايات أهل البيت عليهمالسلام كي يدّعى أنّ القدر المتيقّن منه هو الأخبار بلواسطة.
والحاصل: أنّ دعوى عدم شمول أدلّة حجّيّة الخبر الواحد للخبر معالواسطة لأجل الانصراف في الأدلّة اللفظيّة والاقتصار على القدر المتيقّن فيالأدلّة اللبّيّة غير مسموعة.
الوجه الثاني: أنّ المجعول من قبل الشارع بما هو شارع لابدّ من أن يكونحكماً شرعيّاً أو موضوعاً ذا أثر شرعي، وهذا الشرط موجود في الأخبار بلواسطة؛ لأنّ المخبر به فيها هو قول الإمام عليهالسلام بوجوب صلاة الجمعة مثلاً،بخلاف الأخبار مع الواسطة، ضرورة أنّ الكليني مثلاً حينما أخبرنا عن عليبن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكّوني عن أبي عبداللّه عليهالسلام أنّه قال:«صلاة الجمعة واجبة» كان المخبر به في خبر الكليني قول علي بن إبراهيم،وهو ليس أثراً شرعيّاً ولا موضوعاً لأثر شرعي.
ولا فرق في هذا الإشكال بين قلّة الواسطة وكثرتها كما لا يخفى.
وجوابه واضح؛ إذ لا دليل على وجوب كون المجعول حكماً شرعيّاً أوموضوعاً ذا أثر شرعي إلاّ حكمة الشارع التي تمنعه عن صدور اللغو، فتمامالملاك لإمكان الجعل الشرعي وعدمه هو لزوم اللغويّة وعدمه، والأخبار معالواسطة إن لم تنته إلى حكم شرعي ـ كما إذا قال الشيخ رحمهالله : حدّثنا المفيد رحمهالله عن محمّد بن علي بن الحسين أنّه قال: مات أبو جعفر محمّد بن الحسن بنالوليد سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة ـ فلا يصحّ جعل الحجّيّة لها، لعدم ارتباطموت الأشخاص بالشارع بما هو شارع، بل لا يصحّ جعل الحجّيّة لهذا النوعمن الخبر ولو كان بلا واسطة؛ لأنّ جعل الحجّيّة للخبر الذي لا يترتّب عليهأثر شرعي يكون لغواً، سواء اشتمل على الواسطة أم لا، بخلاف الأخبار التي
(صفحه302)
تنتهي بالأخرة إلى حكم شرعي، كالمثال السابق، فإنّ جعل الحجّيّة لخبرالكليني رحمهالله بلحاظ ما تنتهي إليه سلسلة السند ـ وهو قول الإمام عليهالسلام : «صلاةالجمعة واجبة» ـ لا يكون لغواً، وإن كان ما أخبر به الكليني بلا واسطة هوقول علي بن إبراهيم رحمهالله .
والحاصل: أنّه لا يصحّ جعل الحجّيّة للخبر الواحد فيما إذا استلزم اللغويّةوإن كان الخبر بلا واسطة، ويصحّ فيما إذا لم يستلزمها وإن كان مع الواسطة.
الوجه الثالث: دعوى أنّ شمول أدلّة الحجّيّة للأخبار مع الواسطة يستلزمإثبات الموضوع بالحكم بالنسبة إلى الوسائط.
توضيحه: أنّ الشيخ رحمهالله إذا أخبر عن المفيد عن الصدوق عن الصفّار رحمهمالله عنالعسكري عليهالسلام ، فإخبار «المفيد» للشيخ، وإخبار «الصدوق» للمفيد وإخبار«الصفّار» للصدوق ليس محرزاً بالوجدان، بل المحرز بالوجدان هو إخبار«الشيخ» عن «المفيد» بسماع منه أو أخذه من كتابه، وأمّا الوسائط فليسشيء من أخبارها محرزاً بالوجدان، بل إنّما يراد إثباتها بالتعبّد والحكمبتصديق العادل، فيلزم أن يكون الحكم بتصديق العادل مثبتاً لأصل أخبارالوسائط، مع أنّ خبر الواسطة يكون موضوعاً لهذا الحكم، فلابدّ وأن يكونالخبر في المرتبة السابقة محرزاً إمّا بالوجدان وإمّا بالتعبّد ليحكم عليه بوجوبتصديقه؛ لأنّ نسبة الموضوع إلى الحكم نسبة المعروض إلى العرض، فلا يعقلأن يكون الحكم موجداً لموضوعه، لاستلزامه الدور المحال.
ويمكن أن يُجاب عنه أوّلاً: بالنقض بنظائره في الفقه، كحجّيّة الإقرار علىالإقرار والبيّنة على البيّنة، فإنّ شمول «جواز إقرار العقلاء على أنفسهم»للإقرار على الإقرار، وشمول دليل حجّيّة البيّنة للبيّنة على البيّنة يكون نظير منحن فيه.