ج4
المؤمنين عليهالسلام المنقولة بعبارات مختلفة واردة في وقائع كثيرة.
والثالث: أن يكون عندنا أخبار كثيرة غير متّفقة على لفظ ولا على معنىواحد، إلاّ أنّ صدور بعضها مقطوع لنا؛ لامتناع كذب الجميع عادةً.
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في التواتر الإجمالي
لكنّ المحقّق النائيني رحمهالله أنكر التواتر الإجمالي على ما نسب إليه في «أجودالتقريرات» خلافاً لما نسب إليه في «فوائد الاُصول»(1).
ولعلّ هذا التهافت الظاهر ناشٍ عن العدول في الدورة الأخيرة عمّا أفاده فيالدورة السابقة.
وكيف كان، فبعد تقسيم التواتر إلى اللفظي والمعنوي والإجمالي وتعريفكلّ منها على رأي القوم قال في مقام إنكار القسم الأخير:
ولكنّه لا يخفى أنّ الأخبار إذا بلغت من الكثرة ما بلغت فإن كان بينهجامع يكون الكلّ متّفقاً على نقله فهو راجع إلى التواتر المعنوي، وإلاّ فلا وجهلحصول القطع بصدق واحد منها بعد جواز كذب كلّ واحد منها في حدّ نفسهوعدم ارتباط بعضه ببعض، فالحقّ هو انحصار التواتر في القسمين الأوّلينلا غير(2)، إنتهى كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله
وفيه: أنّه منقوض بموارد العلم الإجمالي، فكما أنّ الشكّ والترديد في كلّ
- (1) فإنّه بعد نقل الأخبار الدالّة على حجّيّة الخبر الواحد، قال:
ولا يتوهّم أنّ هذه الأخبار من أخبار الآحاد ولا يصحّ الاستدلال بها لمثل المسألة، فإنّها لو لم تكن أغلبالطوائف متواترة معنى فلا إشكال في أنّ مجموعها متواترة إجمالاً، للعلم بصدور بعضها عنهم «صلواتاللّه عليهم أجمعين»، إنتهى كلامه. فوائد الاُصول 3: 191.
- (2) أجود التقريرات 3: 197.
(صفحه324)
واحد من طرفيه لا يمنع من حصول العلم الإجمالي بتحقّق أحدهما، كذلكالشكّ واحتمال الكذب في كلّ واحد من الأخبار لا يمنع من حصول القطعبصدور بعضها إجمالاً بسبب التواتر.
نعم، يمكن توجيه كلامه بأنّه لم يكن بصدد إنكار التواتر الإجمالي المفيدلقطعيّة الخبر، بل أراد أنّه يرجع إلى التواتر المعنوي إن كان بين الأخبارالمتواترة جامع يكون الكلّ متّفقاً على نقله، وإلاّ فلا فائدة فيه وإن سمّيناهبالتواتر الإجمالي، لعدم ترتّب أثر على القطع بصدور واحد من الأخبار التي ليرتبط بعضها ببعض.
لكن يمكن الجواب عنه بأنّ التواتر الإجمالي قد يكون ذا أثر حتّى فيما إذا لميكن قدر جامع في البين، كما إذا دلّت طائفة من الأخبار على وجوب شيءوطائفة اُخرى على حرمته وبلغ مجموع الطائفتين إلى حدّ التواتر، فإنّا نعلمحينئذٍ بأنّ هاهنا حكماً إلزاميّاً متعلِّقاً بهذا الشيء، وهو إمّا الوجوب أوالحرمة، وإن كانت الوظيفة في مقام العمل هي التخيير، لأجل دوران الأمر بينالمحذورين.
ولو دلّت طائفة من الأخبار على وجوب شيء وطائفة اُخرى على حرمةشيء آخر وبلغ المجموع إلى حدّ التواتر دون كلّ واحدة من الطائفتين، فله أثرعملي أيضاً، وهو وجوب الإتيان بالشيء الأوّل والاجتناب عن الثانيبمقتضى قاعدة الاشتغال الجارية في موارد العلم الإجمالي، ولو لم يكن هذالتواتر الإجمالي لجرى في كليهما أصالة البراءة، لكونهما حينئذٍ من موارد الشكّفي التكليف.
والحاصل: أنّ التواتر الإجمالي أيضاً من أقسام التواتر، وله أثر علميوعملي.
ج4
إذا عرفت هذا فنقول:
للأخبار الواردة في المقام بطوائفها المتعدّدة ثلاث خصوصيّات:
أ ـ تختلف بحسب الألفاظ والعبارات.
ب ـ تتفاوت بحسب المعنى من حيث السعة والضيق.
ج ـ تتوافق في قدر جامع مشترك بينها كما سيجيء.
وعلى هذا فلا إشكال في عدم كونها متواترة لفظاً.
ولا معنىً، إن اُريد بالتواتر المعنوي توافق الأخبار المختلفة لفظاً في نقلمعنى واحد غير مختلف سعةً وضيقاً، كحديث الثقلين الذي نُقل بعباراتٍمتعدّدة(1)، وله في جميع هذه العبارات معنى واحد ومضمون فارد.
فعليه كانت الأخبار الدالّة على حجّيّة الخبر الواحد من مصاديق المتواترالإجمالي، لا المعنوي.
وأمّا لو قلنا بكفاية القدر الجامع في صدق التواتر المعنوي لكانت الأخبارالواردة في حجّيّة الخبر الواحد متواترة معنىً؛ لأنّ مفاد هذه الطوائف الأربعةوإن كان يختلف سعةً وضيقاً، إلاّ أنّ لجميعها قدراً جامعاً متيقّناً.
وبالجملة: لا ينبغي إنكار تواتر أخبار الباب، سواء سمّي تواتراً معنويّاً كمنسب إلى المحقّق النائيني رحمهالله في «أجود التقريرات»(2) أو إجماليّاً كما ذهب إليهالمحقّق الخراساني رحمهالله في «كفاية الاُصول»(3) ونسب إلى المحقّق النائيني رحمهالله في
- (1) حيث ورد في كثير منها: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين» ـ وسائل الشيعة 27: 34، كتاب القضاء، الباب 5 منأبواب صفات القاضي، الحديث 9 ـ وفي بعضها: «إنّي تاركٌ فيكم أمرين» ـ الكافي 1: 294، كتاب الحجّة،باب الإشارة والنصّ على أمير المؤمنين عليهالسلام ، الحديث 3 ـ وفي بعضها: «كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي»ـ وسائل الشيعة 27: 189، كتاب القضاء، الباب 13 من أبواب صفات القاضي، الحديث 34 ـ وفي بعضآخر: «ألا وهو القرآن، والثقل الأصغر أهل بيتي» ـ بحار الأنوار 22: 476، باب وصيّته صلىاللهعليهوآله عند قربوفاته، الحديث 25 ـ إلى غير ذلك من التعابير المختلفة الواردة في الحديث الشريف. م ح ـ ى.
- (2) أجود التقريرات 3: 197.
(صفحه326)
«فوائد الاُصول»(1).
ما هو القدر المتيقّن المتّفق عليه بين أخبار الباب؟
ثمّ إنّه قد وقع الخلاف في القدر الجامع الذي يدلّ على حجّيّته جميع طوائفأخبار الباب.
نظريّة المحقّق النائيني رحمهالله في ذلك
يستفاد من كلام المحقّق النائيني رحمهالله أنّه خبر الثقة، وإن لم يكن عادلاً ولإماميّاً، بل ولا مسلماً(2).
واُورد عليه بأنّ بعض هذه الأخبار ظاهرة في اعتبار التشيّع، مثل قوله عليهالسلام :«لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا»(3)، وبعضها فياعتبار العدالة، كقوله عليهالسلام في المقبولة: «الحكم ما حكم به أعدلهما»(4) بناءً علىكون الترجيح مربوطاً بالرواية(5)، فإنّ كون الأعدليّة من المرجّحات عندالتعارض يشهد على اعتبار أصل العدالة في حجّيّة الخبر.
وبالجملة: كيف يمكن القول بكفاية وثاقة الراوي في حجّيّة الخبر الواحد،مع أنّ في أخبار الباب ما يدلّ على خصوصيّتين اُخريين: التشيّع، والعدالة؟!
كلام الإمام الخميني رحمهالله في ذلك
- (1) فوائد الاُصول 3: 191.
- (2) أجود التقريرات 3: 199.
- (3) وسائل الشيعة 27: 149، كتاب القضاء، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 40.
- (4) وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.
ج4
بل يستفاد من كلام سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام رحمهالله ـ مضافاً إلى الاُمورالثلاثة المتقدِّمة ـ اعتبار أمرين آخرين أيضاً، لما ورد في بعض أخبار البابمن الإرجاع إلى مثل زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير الذين كانوا فقهاءأوّلاً، وكان إخبارهم عن الأئمّة عليهمالسلام بلا واسطة ثانياً، فالقدر المتيقّن منالأخبار هو الخبر الواجد لهاتين الخصوصيّتين(1).
بل يحتمل ـ مضافاً إلى هذه الاُمور الخمسة ـ دخل قيد آخر أيضاً، وهوكون الراوي كثير الرواية، مثل زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير.
والحاصل: أنّ القدر المتيقّن من روايات المقام هو حجّيّة الخبر المشتملعلى كون راويه ثقةً، شيعيّاً، عادلاً، فقيهاً، كثير الرواية، مخبراً عن المعصوم عليهالسلام بلا واسطة.
وهذا لا يفيد في زماننا هذا أصلاً، لعدم اجتماع هذه الاُمور الستّة حتّى فيرواية واحدة، ضرورة أنّ جميع الروايات وصلت إلينا بوسائط متعدّدة، وإنفرضنا اشتمال بعضها على الشرائط الخمسة الاُخر.
نعم، يتمّ الاستدلال بها من جهة المسألة الاُصوليّة التي نحن بصددها، وهيإثبات حجّيّة الخبر الواحد بنحو الموجبة الجزئيّة، في مقابل مثل السيّدالمرتضى الذي ينكر حجّيّته بنحو السالبة الكلّيّة.
فالاستدلال بالأخبار في المقام ينتج بحسب البحث العلمي الاُصولي، وإن لميترتّب عليه ثمرة عمليّة في زماننا هذا.
ما استدلّ به من الإجماع على حجّيّة الخبر الواحد
وأمّا الإجماع فقد قرّر بوجوه:
- (1) تهذيب الاُصول 2: 469.