وجوديّا، بل هي تتحقّق في ضمن ترك شرب ماء الدجلة.
وكذلك من ترك الصلاة مثلاً يستحقّ العقاب عقلاً.
فموضوع الحكم الشرعي في المثال الأوّل والعقلي في المثال الثانيهو أمر عدمي، فلابدّ من القول بأنّ الاُمور العدميّة التي تترتّب عليهالأحكام الشرعيّة يكون لها ثبوت في عالم الاعتبار، وإن لم يكن لها حظّمن الوجود بحسب ما ثبت في الفلسفة، إذ ما لاثبوت له ولو اعتبارا لا يقعتحت دائرة الحكم الشرعي، ولا يصير موضوعا له. فلا يمتنع أن يتعلّق الرفعفي الحديث بالاُمور العدميّة بعد أن كان الرفع ادّعائيّا أوّلاً، وجعلت الاُمورالعدميّة موضوعا للأحكام الشرعيّة ثانيا، لأنّ جعلها موضوعا حاكٍ عن نحوثبوت لها ولو في عالم الاعتبار، فيرفع بحديث الرفع ذلك الوجود الاعتباريادّعاءً.
توضيح ذلك: أنّ «حديث الرفع» حاكم على الأدلّة المبيّنة للأحكام المترتّبةعلى الأشياء بعناوينها الأوّليّة، فإنّ لشرب الخمر مثلاً آثارا يدلّ الحديث علىرفعها عند الإكراه والاضطرار ونحوهما.
وأمّا الأحكام المترتّبة على نفس هذه العناوين ـ مثل وجوب الديةالمترتّب على القتل الخطأي في قوله تعالى: «وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍمُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ»(1) ووجوب سجدتي السهو لنسيان بعض
أجزاء الصلاة ـ فلا يرفعها حديث الرفع.
وذلك لأنّ موضوع كلّ حكم يشتمل على ما يقتضي ذلك الحكم، حتّى بناءًعلى عدم تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد الموجودة في متعلّقاتها، إذ لا يمكنأن يتعلّق حكم بشيء من دون أن يكون بينهما سنخيّة واقتضاء.
وكذلك الأمر في ناحية حديث الرفع، فالعناوين التسعة المذكورة فيهمقتضية لرفع آثارها.
وعلى هذا دليل حرمة شرب الخمر يدلّ على أنّ شرب الخمر مقتضٍللحرمة، وحديث الرفع حاكم عليه، لأنّه يضيّق دائرة موضوعيّة شرب الخمرللحرمة، فتختصّ بموارد عدم الإكراه مثلاً. وهذا لا يمكن بالنسبة إلىقولهتعالى: «وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ».
لأنّ الجمع بين اقتضاء القتل الخطأي ثبوت الدية وبين اقتضاء الخطأ رفعهجمع بين المتنافيين.
على أنّ الحكومة عبارة عن توسعة موضوع الدليل المحكوم أو تضييقهبواسطة الدليل الحاكم، والمقام ليس كذلك، لأنّ رفع الدية عن القتل الخطأيلا يوجب تضييق موارد الدية في قوله تعالى: «وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنا خَطَأً فَتَحْرِيرُرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ»، بل يوجب تعطيل هذه الآية بالنسبة إلىالدية وخلوّها عن جميع مواردها.
وكذلك الأمر في مسألة وجوب سجدتي السهو لنسيان أجزاء الصلاة.
والحاصل: أنّ حديث الرفع لا يكاد يرفع الأحكام المترتّبة على نفسالعناوين التسعة المذكورة فيه.
اختصاص «حديث الرفع» بموارد الامتنان
(صفحه376)
الأمر الخامس: أنّ الحديث يكون في مقام الامتنان والتفضّل على الاُمّةالإسلاميّة، فلا يرفع به ما لم يكن رفعه امتنانا.
وعليه بنيت مسألة فقهيّة مهمّة، وهي بطلان البيع المكره عليه وصحّة البيعالمضطرّ إليه، وذلك لأنّ رفع الآثار عن البيع المكره عليه امتنان وتفضّل،بخلاف البيع المضطرّ إليه، فإنّه لو كان باطلاً لكان تضييقا على البايع المضطرّ،لعدم وصوله إلى رفع حاجته بثمن المبيع.
بل لا يجري الحديث فيما إذا كان الرفع امتنانا بالنسبة إلى بعض الاُمّةوخلاف الامتنان بالنسبة إلى بعض آخر، كما في موارد إتلاف مال الغير خطأً،فإنّ رفع الضمان عن المتلف باستناد «رفع الخطأ» وإن كان تفضّلاً عليه إلاّ أنّهضدّ التفضّل بالنسبة إلى صاحب المال المتلف.
والحاصل: أنّ «حديث الرفع» لا يجري إلاّ في موارد الامتنان الصرف.
كيفيّة حكومة «حديث الرفع» على الأدلّة الأوّليّة
الأمر السادس: أنّه لاريب في كون كلّ من «حديث الرفع» وما دلّ على نفيالضرر والعسر والحرج حاكما على أدلّة الأحكام الأوّليّة، فهل بينالحكومتين فرق أم لا؟
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في ذلك
ذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى وجود التفاوت بينهما، حيث قال:
لا فرق بين أدلّة نفي الضرر والعسر والحرج وبين دليل رفعالاضطرار والإكراه ونحو ذلك، سوى أنّ الحكومة في أدلّة نفي الضرروالعسر والحرج إنّما تكون باعتبار عقد الحمل، حيث إنّ الضرروالعسر والحرج من العناوين الطارية على نفس الأحكام، فإنّ الحكم