ج4
وحرمته لكونه مردّدا بين الخلّ الذي هو حلال بالفعل والخمر الذي هو حرامكذلك، وهذا من خواصّ الشبهات الموضوعيّة، لأنّ الشكّ في الشبهاتالحكميّة ناشٍ عن عدم النصّ أو إجماله أو تعارض النصّين.
وأمّا الجهة الثانية: فالحقّ فيها هو اختصاص الحديث بموارد العلمالإجمالي(1).
وذلك لأنّ ظاهر قوله عليهالسلام : «كلّ شيء فيه حلال وحرام» هو وجود الحلالوالحرام بالفعل في نفس الحادثة المبتلى بها، لا وجود الحلال والحرام في محلّهبحسب الواقع، فالحديث لا ينطبق إلاّ على الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي،كما إذا علمت إجمالاً بأنّ أحد هذين الإنائين الجزئيّين خمر والآخر خلّ لكن لميتميّز الخلّ من الخمر، فالحديث يدلّ على حلّيّة الحرام المشتبه بينهما حتىتعرفه بعينه وشخصه.
نعم، يمكن القول بعدم صحّة الأخذ بالحديث في نفس مفاده هذا، لكنّه بحثآخر يأتي في باب الاشتغال إنشاءاللّه تعالى.
والحاصل: أنّ حديث «كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام بعينه»قابل للاستدلال في مسألة البرائة، لكن في خصوص الشبهات الموضوعيّة،وأمّا حديث «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتّى تعرفالحرام منه بعينه» فلا يرتبط ببحث البرائة أصلاً، لكونه مربوطا بأطراف العلمالإجمالي، وأصالة البرائة لا تجري إلاّ في الشبهات البدويّة.
هذا تمام الكلام في الروايات التي استدلّ بها للبرائة.
- (1) فما ذكرناه في الجهة الاُولى من التمثيل بما إذا شككنا في حلّيّة المايع المردّد بين الخمر والخلّ إنّما هولأجل التوضيح، وإلاّ فذلك المثال خارج عن تحت الحديث، لكونه من مصاديق الشبهة البدويّة الخارجةمنه. منه مدّ ظلّه.
(صفحه424)
ج4
في دلالة الإجماع على البرائة
البحث حول الاستدلال بالإجماع عليه
وأمّا الإجماع: فالتحقيق عدم تحقّقه، كيف وقد ذهب الأخباريّون ـ الذينهم أيضا عدّة كثيرة من المسلمين ـ إلى وجوب الاحتياط فيها، فلا يصحّدعوى احتمال الاتّفاق على البرائة فضلاً عن القطع به.
على أنّ الإجماع ـ على فرض تحقّقه في المقام ـ لا يكون دليلاً مستقلاًّ، لأنّنحتمل قويّا أن يكون مستند المجمعين هو الآيات والروايات الواردة فيالمسألة وما سيأتي من حكم العقل بقبح العقاب بلابيان.
وبعبارة اُخرى: هذا الإجماع مدركي، والإجماع المدركي لا يمكن أن يكونكاشفا عن رأي المعصوم، فلا يكون حجّة.
وبالجملة: دعوى الإجماع على البرائة باطلة موضوعا وحكما.
كما أنّ الأخباريّين أيضا لو أرادوا التمسّك بالإجماع على وجوب الاحتياطلكانت دعواهم فاسدة، لعدم تحقّق الإجماع عليه أوّلاً، وعدم حجّيّته علىفرض ثبوته ثانيا، لعين ما ذكرناه آنفا.
(صفحه426)
ج4
في حكم العقل بالبرائة
الاستدلال بحكم العقل على البرائة
وأمّا العقل:
فهي قاعدة «قبح العقاب بلابيان».
ولابدّ من ملاحظة جهات ثلاث حول هذه القاعدة ليتّضح الأمر:
أ ـ أنّها هل تكون قاعدة مستقلّة عقليّة أو من توابع مسألة «قبح الظلم»؟
ب ـ أنّ هذه القاعدة هل هي متعارضة مع قاعدة «لزوم دفع الضررالمحتمل» أو هما تختلفان بحسب المورد؟
ج ـ أنّ أدلّة الاحتياط ـ على فرض تماميّتها سندا وجريانها في الشبهاتالبدويّة التي هي مجرى البرائة دلالةً ـ هل تتقدّم على قاعدة «قبح العقاب بلبيان» أو يقع التعارض بينهما؟
البحث حول كون «قبح العقاب بلابيان» قاعدة عقليّة مستقلّة
أمّا الجهة الاُولى: فلا إشكال ولا كلام في أنّ المكلّف لو وقع في مخالفةتكليف لم يصل إليه سواء لم يبيّنه المولى أو بيّنه ولم يصل بيانه إلى المكلّف بعدالفحص التامّ عنه في مظانّها لقبح على المولى عقابه، فالمراد من القاعدة هو«قبح العقاب بلابيان واصل» وهذه قاعدة عقليّة مسلّمة اتّفق عليهالاُصوليّون والأخباريّون، وذلك لعدم كون العبد مقصّرا في عدم حصول