(صفحه492)
هذا الحيوان من طريق استصحاب عدم قابليّة تذكيته، ويعود حينئذٍ إشكالعدم الاتّحاد بين القضيّة المتيقّنة والمشكوكة.
والحاصل: أنّا إذا شككنا في قابليّة حيوان للتذكية فلا منع من إجراء أصالةالبرائة من حرمة لحمه وأصالة الطهارة في أجزاء بدنه إذا ذبح مع الشرائطالمعتبرة في التذكية الشرعيّة، لعدم وجود أصل حاكم عليهما.
هذا تمام الكلام في التنبيه الثالث.
ج4
(صفحه494)
في أخبار «من بلغ»
التنبيه الرابع: في أخبار «من بلغ»(1)
إنّ من الروايات مايدلّ على أنّ من بلغه خبر دالّ على ترتّب ثواب علىفعل، فعمله، كان له أجر ذلك، وإن كان ذلك الخبر مخالفاً للواقع، ولم يقلهالمعصوم عليهالسلام .
وهذا ما اشتهر في الألسن بـ «قاعدة التسامح في أدلّة السنن».
من تلك الأخبار: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: «منبلغه عن النبيّ صلىاللهعليهوآله شيء من الثواب فعمله، كان أجر ذلك له، وإن كانرسول اللّه صلىاللهعليهوآله لم يقله»(2).
ومنها: ما عن محمّد بن مروان، قال سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول: «من بلغهثواب من اللّه على عمل، فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اُوتيه، وإنلم يكن الحديث كما بلغه»(3).
- (2) وسائل الشيعة 1: 81 ، كتاب الطهارة، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 3.
ج4
ومنها: ما روي عن الكليني بطرقه إلى الأئمّة عليهمالسلام أنّ «من بلغه شيء منالخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه، وإن لم يكن الأمر كما نقل إليه»(1).
إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة بهذا المضمون(2).
ولا ينبغي الإشكال في سند هذه الأحاديث، فإنّ بعضها من الصحاحوبعضها من الحسان.
إنّما الإشكال والكلام في مدلولها.
ما أفاده صاحب الكفاية في مفاد أخبار «من بلغ»
فذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى أنّه لا يبعد دلالة بعضها على استحباب مبلغ عليه الثواب بعنوانه الأوّلي، فإنّ صحيحة هشام بن سالم المحكيّة عنالمحاسن عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: «من بلغه عن النبيّ صلىاللهعليهوآله شيء من الثواب،فعمله، كان أجر ذلك له، وإن كان رسول اللّه صلىاللهعليهوآله لم يقله» ظاهرة في أنّ الأجركان مترتّباً على نفس العمل الذي بلغه عنه صلىاللهعليهوآله أنّه ذو ثواب، وكون العملمتفرّعاً على البلوغ وكونها(3) الداعي إلى العمل غير موجب لأن يكون الثوابإنّما يكون مترتّباً عليه فيما إذا اُتي برجاء أنّه مأمور به وبعنوان الاحتياط،بداهة أنّ الداعي إلى العمل لا يوجب له وجهاً وعنواناً يؤتى به بذاك الوجهوالعنوان، وإتيان العمل بداعي طلب قول النبيّ صلىاللهعليهوآله ، كما قيّد به في بعضالأخبار، وإن كان انقياداً، إلاّ أنّ الثواب في الصحيحة إنّما رتّب على نفسالعمل، ولاموجب لتقييدها به، لعدم المنافاة بينهما، بل لو اُتي به كذلك أو التماس
- (1) وسائل الشيعة 1: 82 ، كتاب الطهارة، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 7.
- (2) وسائل الشيعه 1: 82 ، كتاب الطهارة، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 8 .
- (3) راجع وسائل الشيعه 1: 80 ـ 82 ، كتاب الطهارة، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات.
- (4) «كونه» صحّ ظاهراً. م ح ـ ى.
(صفحه496)
للثواب الموعود، كما قيّد به في بعضها الآخر، لاُوتي الأجر والثواب على نفسالعمل، لا بما هو احتياط وانقياد، فيكشف عن كونه بنفسه مطلوباً وإطاعة،فيكون وزانه وزان من سرّح لحيته أو من صلّى أو صام فله كذا، ولعلّه لذلكأفتى المشهور بالاستحباب، فافهم وتأمّل(1)، إنتهى كلامه رحمهالله .
وحاصله: أنّ هذه الأخبار تدلّ على استحباب نفس العمل الذي بلغ أنّهذو ثواب، لابعنوان أنّه احتياط وانقياد، أو بعنوان أنّه بلغ عليه الثواب، فإنّبلوغ الثواب حيثٌ تعليلي لا تقييدي، فكما أنّ النجاسة تترتّب على نفسالماء، والتغيّر في «الكرّ» و«الجاري» أو الملاقاة في «القليل» سبب لعروضالنجاسة عليه بعنوانه الأوّلي، كذلك بلوغ الثواب على عمل سبب لعروضالاستحباب على نفس ذلك العمل بعنوانه الأوّلي، فلا فرق بين هذه الأخباروبين مادلّ على استحباب صلاة الليل مثلاً إلاّ في الكلّيّة والجزئيّة، فإنّ أخبار«من بلغ» تدلّ على استحباب كلّ عمل بلغ عن المعصوم عليهالسلام أنّه ذو ثواب،وما دلّ على استحباب صلاة الليل يدلّ على استحبابها بالخصوص.
و التعبير في بعضها بـ «ففعل ذلك طلب قول النبيّ صلىاللهعليهوآله »(2) وفي بعضها الآخربـ «فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب»(3) لا يوجب أن يترتّب الاستحبابعلى العمل المعنون بهذين العنوانين، فإنّ الاستحباب وترتّب الثواب يعرضعلى نفس العمل بعنوانه الأوّلي، لكن فيما إذا كان الداعي عليه طلب قولالنبيّ صلىاللهعليهوآله أو التماس الثواب الموعود، لابعض الأغراض النفسانيّة.
نقد ما أفاده صاحب الكفاية رحمهالله
- (2) وسائل الشيعة 1: 81 ، كتاب الطهارة، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 4.
- (3) وسائل الشيعة 1: 82 ، كتاب الطهارة، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 7.