(صفحه128)
مطلوب المولى تحقّق إكرام زيد في الخارج، وأمّا كون العبد ذا حالة تسليميّةنفسانيّة بالنسبة إلى أمر المولى فلا ملزم عليه من ناحية العقل أو العقلاء.
ولا فرق في ذلك بين الأحكام الشرعيّة والعقلائيّة.
بيان الحقّ في المسألة
لكن يمكن أن يقال: إنّ الاعتقاد بأصل الدين لا يمكن أن ينفكّ عن لزومالموافقة الالتزاميّة، فإنّ الإنسان إذا اعتقد بأنّ القوانين الشرعيّة صادرة عن اللّهسبحانه الذي لا يمكن أن يتطرّق إليه الخطأ أصلاً، وأنّها تابعة للملاكاتالواقعيّة، فلا محالة كان معتقداً بكلّ ما أحرز أنّه من الأحكام الشرعيّة، ولو لميكن من الضروريّات التي يترتّب على إنكارها بعض التبعات.
فإنّا إذا علمنا مثلاً بأنّ اللّه تعالى قد حكم بوجوب صلاة الجمعة في عصرالغيبة كان الالتزام بوجوبها واجباً علينا، لأنّ عدم الاعتقاد به ناشٍ لا محالةعن خلل في بعض المسائل الاعتقاديّة المربوطة باللّه تعالى أو بعض صفاته.
المرحلة الثالثة: فيما ذكر من ثمرة المسألة
هذا، ولكن هاهنا منظر آخر مذكور في كلماتهم بعنوان ثمرة النزاع، وهوأنّهم اختلفوا في جريان الاُصول العمليّة في أطراف العلم الإجمالي، فذهببعضهم إلى جريانه مطلقاً، وبعض آخر إلى عدم جريانه كذلك، وفصّل ثالثبين ما إذا استلزم جريانه مخالفة عمليّة للمعلوم بالإجمال وبين ما إذا لميستلزم، فيجري في الثاني دون الأوّل، مثال الأوّل ما إذا علمنا بوقوع قطرةمن الدم في أحد الإنائين الطاهرين، فإنّ استصحاب طهارة كليهما يستلزم
ج4
ارتكاب النجس المعلوم بالإجمال، ومثال الثاني ما إذا علمنا بصيرورة أحدالإنائين النجسين طاهراً، فإنّ استصحاب نجاسة كليهما لا يستلزم مخالفةعمليّة أصلاً، لأنّ استعمال الطاهر جائز لا واجب، وكذلك ما إذا علمنا إجمالبوجوب شيء أو حرمته، فإنّ استصحاب عدم وجوبه وعدم حرمته لا يؤثّرفي عمل المكلّف، لأنّه لا محالة إمّا فاعل أو تارك، سواء جرى استصحاب عدمالوجوب والحرمة أم لا.
وقال بعضهم: جريان الاُصول في المثالين الأخيرين ونحوهما وإن لميستلزم مخالفةً عمليّة، إلاّ أنّه يوجب الخلل في الموافقة الالتزاميّة، فإنّاستصحاب النجاسة في الإنائين الذين علم طهارة أحدهما واستصحاب عدمالوجوب والحرمة فيما علم أنّه إمّا واجب أو حرام ينافي الالتزام بما هو معلومبالإجمال، فجريان الاُصول وعدمه في أمثالهما مبنيّان على وجوب الموافقةالالتزاميّة وعدمه.
لكنّ الكلام في ترتّب هذه الثمرة، فإنّ الموافقة الالتزاميّة الواجبة فرضلاترتبط دائماً بالحكم الواقعي التفصيلي، بل هي تابعة لنوع الحكم، فإن كانمعلوماً بالتفصيل وجب الاعتقاد به تفصيلاً، وإن كان معلوماً بالإجمال وجبالاعتقاد به إجمالاً، وهكذا الأمر بالنسبة إلى كون الحكم واقعيّاً أو ظاهريّاً.
فإذا ثبتت طهارة شيء بقاعدتها أو بالاستصحاب وجب فرضاً الالتزامبطهارته الظاهريّة لا الواقعيّة، وإذا علمنا إجمالاً بأنّ أحد هذين الإنائين خمركان موافقته الالتزاميّة بالاعتقاد بوجوب الاجتناب عن أحدهما بحسبالحكم الإلهي.
وأمّا لزوم الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي فليس حكماً شرعيّاً، بلحكم عقلي لأجل الوصول إلى الواقع ورعاية الحكم الإلهي المعلوم بالإجمال.
(صفحه130)
فإذا كانت الموافقة الالتزاميّة تابعة لنوع الحكم من حيث الواقعيّةوالظاهريّة والتفصيليّة والإجماليّة أمكن الالتزام بطهارة كلا الإنائين المشتبهينبحكم الاستصحاب ظاهراً مع الالتزام بنجاسة أحدهما واقعاً، أو بالعكس، كمسيأتي في مسألة الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي إن شاء اللّه تعالى.
فعلى هذا لو كان امتناع جريان الاُصول العمليّة في أطراف العلم الإجماليلأجل استلزامه المخالفة العمليّة فلابدّ من التفصيل بين ما إذا كان الإناءانالمشتبهان مسبوقين بالطهارة وبين ما إذا كانا مسبوقين بالنجاسة، فيجريالاستصحاب في الصورة الثانية، لعدم استلزامه المخالفة العمليّة، دون الصورةالاُولى، وأمّا المخالفة الالتزاميّة فمندفعة عن كلتا الصورتين.
ج4
في حجّيّة قطع القطّاع
الأمر الخامس: في حجّيّة قطع القطّاع
نقل عن الشيخ جعفر كاشف الغطاء أنّ قطع القطّاع ـ وهو الذي يحصل لهالقطع من الطرق غير المتعارفة ـ ليس بحجّة.
ونوقش فيه بأنّه إن أراد عدم حجّيّة قطعه الطريقي يرد عليه أنّ هذا النوعمن القطع موضوع لحكم العقل بالحجّيّة، فكلّما صدق عليه عنوان «القطع»حكم العقل بمنجّزيّته ومعذّريّته.
وإن أراد القطع الموضوعي فهو تابع لكيفيّة حكم الحاكم، فإن اُخذ فيالموضوع خصوص القطع الحاصل من الطرق المتعارفة فلم يثبت الحكم بقطعالقطّاع، وإن اُخذ القطع المطلق ـ ولو حصل من طريق الرؤيا مثلاً ـ فلا فرقبين قطع القطّاع وغيره.
البحث حول نظريّة الأخباريّين في المقام
ثمّ إنّه نسب إلى بعض الأخباريّين التفصيل بين القطع الحاصل منالكتاب والسنّة، وبين ما نشأ من المقدّمات العقليّة، فقالوا بحجّيّة الأوّلدون الثاني.
وقد وقع الخلاف بين الشيخ الأعظم الأنصاري والمحقّق الخراساني رحمهماالله فيصحّة هذه النسبة، فاعتقد الشيخ رحمهالله بصحّتها وأنّهم نفوا حجّيّة القطع الحاصل
(صفحه132)
من المقدّمات العقليّة(1).
لكن أنكر صحّتها المحقّق الخراساني رحمهالله بقوله:
إلاّ أنّ مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة، بل تشهد بكذبها، وأنّهإنّما تكون إمّا في مقام منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شيء وحكمالشرع بوجوبه كما ينادي به بأعلى صوته ما حكي عن السيّد الصدر في بابالملازمة، فراجع، وإمّا في مقام عدم جواز الاعتماد على المقدّمات العقليّة، لأنّهلا تفيد إلاّ الظنّ كما هو صريح الشيخ المحدّث الأمين الأسترابادي رحمهالله ، حيثقال في جملة ما استدلّ به في فوائده على انحصار مدرك ما ليس منضروريّات الدين في السماع عن الصادقين عليهمالسلام :
الرابع: أنّ كلّ مسلك غير هذا المسلك ـ يعني التمسّك بكلامهم«عليهم الصلاة والسلام» ـ إنّما يعتبر من حيث إفادته الظنّ بحكم اللّهتعالى، وقد أثبتنا سابقاً أنّه لا اعتماد على الظنّ المتعلّق بنفس أحكامهتعالى وبنفيها.
وقال في جملتها أيضاً ـ بعد ذكر ما تفطّن بزعمه من الدقيقة ـ ما هذا لفظه:
وإذا عرفت ما مهّدناه من الدقيقة الشريفة فنقول: إن تمسّكنا بكلامهم عليهمالسلام فقد عصمنا من الخطأ، وإن تمسّكنا بغيره لم نعصم عنه، ومن المعلوم أنّالعصمة من الخطأ أمر مطلوب مرغوب فيه شرعاً وعقلاً، ألا ترى أنّالإماميّة استندوا على وجوب العصمة بأنّه لولا العصمة للزم أمره تعالى عبادهبإيقاع الخطأ، وذلك الأمر محال، لأنّه قبيح، وأنت إذا تأمّلت في هذا الدليلعلمت أنّ مقتضاه أنّه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظنّي في أحكامه تعالى،إنتهى موضع الحاجة من كلامه(2).