ج4
فقال: «إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامّةفخذوه، وانظروا إلى ما يوافق أخبارهم، فدعوه»(1).
إلى غير ذلك ممّا ورد في هذا المقام.
ويشهد عليه أيضاً إرجاع الأئمّة عليهمالسلام الرواة إلى بعض أصحابهم في أخذالأحكام الشرعيّة:
ففي رواية شعيب العقرقوفي قال: قلت لأبي عبداللّه عليهالسلام : ربما احتجنا أننسأل عن الشيء، فمن نسأل؟ قال: «عليك بالأسدي»، يعني أبا بصير(2).
وفي رواية المسيّب الهمداني قال: قلت للرضا عليهالسلام : شقّتي بعيدة ولست أصلإليك في كلّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ قال: «من زكريّا بن آدم القميالمأمون على الدين والدنيا»(3).
وفي رواية عبد العزيز بن المهتدي قال: سألت الرضا عليهالسلام فقلت: إنّي لا ألقاكفي كلّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ فقال: «خُذ عن يونس بن عبدالرحمان»(4).
إلى غير ذلك ممّا روي بهذا المضمون.
والحاصل: أنّ رجوع العامّي إلى المجتهد كان متداولاً في عصر الأئمّة عليهمالسلام فلايصحّ قياسه بمسألة الرجوع إلى قول اللغوي التي لم تكن منها في ذلكالزمان عينٌ ولا أثر.
إن قلت: يجب على الشارع العالم برجوع المسلمين إلى أقوال اللغويّين فيعصر الغيبة أن يحذّروهم عن ذلك لو لم يكن أقوالهم حجّة، بأن يقولوا: «أيُّه
- (1) وسائل الشيعة 27: 119، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 34.
- (2) وسائل الشيعة 27: 142، كتاب القضاء، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15.
- (3) وسائل الشيعة 27: 146، كتاب القضاء، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 27.
- (4) وسائل الشيعة 27: 148، كتاب القضاء، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 34.
(صفحه240)
المسلمون سيأتي عليكم زمان يشتهر فيه قومٌ باسم اللغويّين، فإيّاكم والأخذبقولهم في استنباط الأحكام الشرعيّة».
قلت: هذا(1) لا يفيد إلاّ الظنّ بحجّيّة اللغة، ولا يمكن إثبات شيء بالظنّالذي لم يقم على اعتباره دليل قطعي.
وبالجملة: لا دليل على حجّيّة قول اللغوي في الشرعيّات.
لا يقال: على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة.
فإنّه يقال: مع هذا لا يكاد تخفى الفائدة في المراجعة إليها، فإنّه ربما يوجبالقطع بالمعنى، وربما يوجب القطع بأنّ اللفظ في المورد ظاهر في معنى بعد الظفربه وبغيره في اللغة وإن لم يقطع بأنّه حقيقة فيه أو مجاز، كما اتّفق كثيراً، وهويكفي في الفتوى.
هذا تمام الكلام في حجّيّة الظواهر.
- (1) أي: هذا الذي ذكر في «إن قلت». م ح ـ ى.
ج4
في الإجماع
الفصل الثاني: في الإجماع
اختلفوا في أنّ أدلّة اعتبار الخبر الواحد ـ على فرض تماميّتها ـ هل تدلّبعمومها أو إطلاقها على حجّيّة الإجماع المنقول به أم لا؟
البحث حول مناط اعتبار الإجماع المحصّل
وينبغي أن نبحث قبل ذلك عن ملاك حجّيّة الإجماع المحصّل، فنقول:
إنّ أدلّة استنباط الأحكام عند الفقهاء أربعة: الكتاب والسنّة والعقلوالإجماع.
لا إشكال في أنّ الكتاب نفسه حجّة، وكذلك السنّة، فإنّ المراد بها هو السنّةالمحكيّة، أعني قول المعصوم وفعله وتقريره، وكذلك العقل، لأنّه أساس سائرالحجج والأدلّة.
فهل الإجماع أيضاً كذلك، باعتبار ذكره في عباراتهم في مقابل الحججالثلاثة الاُخر أم لا؟
الحقّ أنّ الإجماع بنفسه لا يتّصف بالحجّيّة، إذ لا دليل على اعتباره منالعقل أو النقل.
فجعله دليلاً رابعاً وقسيماً للحجج الثلاثة الاُخر في كلمات الإماميّة إنّما هولأجل المماشاة مع العامّة الذين قالوا بحجّيّة الإجماع بالأصالة، وإلاّ فلا اعتبار
(صفحه242)
له عندنا إلاّ إذا كان كاشفاً عن موافقة المعصوم عليهالسلام ، فهو في الواقع كاشف عنالحجّة، لا أنّه حجّة رابعة في مقابل الحجج الثلاثة الاُخر.
ما استدلّ به أهل السنّة لإثبات حجّيّة الإجماع
تمسّك العامّة على اعتبار الإجماع بما هو إجماع بما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال: «لاتجتمع اُمّتي على خطأ»(1) وقال أيضاً: «لا تجتمع اُمّتي علىضلالة»(2).
وبنوا عليه أساس مذهبهم، أعني خلافة أبي بكر.
وفيه: أنّ هذا الخبر على فرض صحّته لا يكون بصدد جعل الحجّيّة لرأيالاُمّة في حالة الاجتماع، بل بصدد الإخبار عن عصمتهم في هذه الحالة، ولريب في أنّ الأحكام الشرعيّة وإن كانت تثبت بالخبر الواحد على فرضاعتباره، إلاّ أنّ الموضوعات الخارجيّة التي منها عصمة الاُمّة عن الخطفشمول دليل حجّيّة الخبر لها يحتاج إلى الدقّة والتأمّل. على أنّ اجتماع الاُمّة لتصدق إلاّ باجتماع جميعهم(3) أوّلاً، وظاهره هو الاجتماع الاختياري ثانياً، ولريب في أنّه لم يتحقّق واحد منهما في مسألة الخلافة التي هي الباعثة لهم فيخلق الإجماع وحجّيّته.
فإنّ الاُمّة لم تكن منحصرة في أهل المدينة كي يصدق على اجتماعهم اجتماعالاُمّة.
على أنّ أهل المدينة أيضاً لم يجتمعوا على خلافة أبي بكر، فإنّ جمعاً من
- (1) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 8 : 123.
- (3) وهذا ما يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع أيضاً، كأنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قال: إذا اجتمعت اُمّتي على أمرصانهم اللّه بعنايته ولطفه من الخطأ، فيكون اجتماعهم كاشفاً عن كون ذلك الأمر أمراً واقعيّاً. منه مدّ ظلّه.
ج4
أكابر الصحابة وفي رأسهم أمير المؤمنين عليهالسلام كانوا يخالفونها.
أضف إلى ذلك أنّه لا قيمة لتحقّق الإجماع إذا كان بالقهر والإجباركما تحقّق في الحوادث الواقعة بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله على ما يحكيه التاريخوالأخبار.
ولأجل ذلك كلّه وقعوا في حيص وبيص، فالتجأ بعضهم إلى تفسير«اجتماع الاُمّة» بـ «اجتماع أهل المدينة» وبعض آخر بـ «اتّفاق أهلالحلّ والعقد» وبعض ثالث بـ «اتّفاق المجتهدين والعلماء» وأمثال هذهالتوجيهات.
ولا يخفى عليك أنّها آراء مضحكة، إذ ليس في الرواية من هذه العناوينالمذكورة عينٌ ولا أثر، بل عنوانها «اجتماع الاُمّة» الذي يتوقّف على اتّفاقجميع المسلمين بالإرادة والاختيار.
والحاصل: أنّه لا دليل على حجّيّة الإجماع بما هو إجماع، بل لو كان كاشفعن موافقة المعصوم أو عن دليل معتبر لكان حجّة، ولو لم يتحقّق الإجماعبمعنى اتّفاق جميع العلماء، بل ولا أكثرهم، إذ يكفي العلم بدخول المعصوم عليهالسلام فيالمجمعين ولو كانت عدّتهم قليلة.
فالتعبير بـ «الإجماع» في كلمات فقهائنا إنّما هو لأجل المماشاة مع أهل السنّةكما تقدّم.
بماذا ينكشف رأي المعصوم عليهالسلام ؟
ولا يخفى أنّ علمائنا ذكروا وجوهاً لكشف الإجماع المحصّل عن موافقةالمعصوم عليهالسلام :
الإجماع الدخولي