كلّ اُسبوع ويأخذ منه ما كتبه، واستنسخ منه نسخة اُخرى، لغرض أنّه لوتغيّر رأيه وندم عن فعله فلم ينفعه الندم.
وبالجملة: كيف يمكن أن يعتقد مسلم بتحريف كتاب يكون معجزة وحيدةخالدة على إثبات دينه وبقائه إلى يوم القيامة؟!
ودعوى تواتر هذه القراءات عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ممنوعة، إذ لو كان صلىاللهعليهوآله يقرآية «حَتَّى يَطْهُرْنَ»(2) مثلاً تارةً بالتخفيف واُخرى بالتشديد لنسب اختلافالقراءات إليه صلىاللهعليهوآله ولم يقولوا: «هذه قراءة عاصم» و«تلك قراءة حفص»وهكذا.
والحاصل: أنّ هذه القراءات اجتهادات من قبل القرّاء السبعة أو العشرة،وغاية قيمتها جواز القراءة بها، وأمّا الاحتجاج بها في الفقه لإثبات الأحكامالشرعيّة فلا.
ومن أراد تفصيل البحث حول مسألتي تحريف القرآن واختلاف قراءاتهفليراجع المباحث التمهيديّة لتفسير القرآن(3).
هذا تمام الكلام في حجّيّة ظواهر الكتاب.
حجّيّة قول اللغوي
قد أشرنا(1) إلى عدم اعتبار آراء اللغويّين لإثبات ظهور الألفاظ، بل لابدّله مناستخدام علائمالحقيقة والمجاز، من التبادر وعدم صحّة السلب ونحوهما.
واحتجّ من ذهب إلى حجّيّتها بأمرين:
الأوّل: اتّفاق العلماء في جميع الأعصار والأمصار على الرجوع إلى معاجماللغة لتشخيص معاني الألفاظ.
وفيه أوّلاً: أنّ رجوعهم إليها لعلّه كان ناشئاً من بناء العقلاء على رجوعالجاهل إلى العالم، فيرجع هذا الدليل إلى الدليل الثاني، وسيجيء.
وثانياً: أنّ القدر المتيقّن هو اتّفاقهم على الرجوع إلى قول اللغوي فيما إذكان متعدّداً وعادلاً، فيختصّ حجّيّة قولاللغوي بما إذاكان منمصاديق البيّنة.
الثاني: استقرار سيرة العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم، ومنها الرجوعإلى قول اللغوي، وإذا ثبت بناء العقلاء على أمر ولم يردع عنه الشارع ثبتحجّيّته شرعاً أيضاً، لأنّ عدم الردع عنه كاشف عن الرضا به، وبه ثبتتحجّيّة الفتوى وجواز رجوع العامّي إلى المجتهد، لأنّه من مصاديق رجوعالجاهل إلى العالم.
وفيه أوّلاً: أنّ معاجم اللغة لم تتعرّض لتمييز الحقائق عن المجازات، بل هيفي مقام بيان موارد الاستعمال، سواء كان ما استعمل فيه اللفظ معناه الحقيقيأو المجازي كما تقدّم، وربما لم يتمكّن اللغوي أيضاً من تمييز ما وضع له اللفظعن غيره، فالرجوع إليه من قبيل رجوع الجاهل إلى الجاهل، لا إلى العالم.
وثانياً: أنّ عدم الردع عن طريقة العقلاء لا يكشف عن رضا الشارع به
(صفحه238)
إلاّ في الاُمور الرائجة في تلك الأعصار، والرجوع إلى معاجم اللغة لم يكن أمرمعمولاً به في زمن المعصومين عليهمالسلام ، بل لم يكن في ذلك الزمان كتاب لغة ليرجعالعقلاء إليه وينكشف رضا الشارع به من عدم ردعه عنه.
لايقال: رجوع العامّي إلى المجتهد أيضاً كان في تلك الأعصار كذلك.
فإنّه يقال: كلاّ، فإنّ مسألة الاجتهاد والتقليد كانت مسألة رائجة في عصرالأئمّة عليهمالسلام أيضاً(1).
ويشهد على وجود المفتي في ذلك الزمان بعض الأسئلة المطروحة،كالسؤال عن كيفيّة العمل بالخبرين المتعارضين(2).
فعن الحسن ابن الجهم قال: قلت للعبد الصالح عليهالسلام : هل يسعنا فيما ورد علينمنكم إلاّ التسليم لكم؟ فقال: «لا، واللّه لا يسعكم إلاّ التسليم لنا»، فقلت:فيروى عن أبي عبداللّه عليهالسلام شيء، ويروى عنه خلافه، فبأيّهما نأخذ؟ فقال:«خذ بما خالف القوم، وما وافق القوم فاجتنبه»(3).
وعن الحسن بن الجهم أيضاً عن الرضا عليهالسلام قال: قلت له: تجيئنا الأحاديثعنكم مختلفة، فقال: «ما جائك عنّا فقس على كتاب اللّه عزّ وجلّ وأحاديثنا،فإن كان يشبههما فهو منّا، وإن لم يكن يشبههما فليس منّا»، قلت: يجيئنالرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحقّ، قال: «فإذا لم تعلمفموسّع عليك بأيّهما أخذت»(4).
وعن محمّد بن عبداللّه قال: قلت للرضا عليهالسلام : كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟
- (1) نعم، كان الاجتهاد في تلك الأعصار أمراً سهلاً خفيف المؤونة. منه مدّ ظلّه.
- (2) فإنّ هذا النوع من السؤال من شأن الفقهاء كما لا يخفى، ولم يخطّئهم الأئمّة عليهمالسلام في سؤالهم، بل بيّنوا لهممرجّحات باب التعارض، ليتمكّنوا من تمييز الحجّة عن اللاحجّة. م ح ـ ى.
- (3) وسائل الشيعة 27: 118، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 31.
- (4) وسائل الشيعة 27: 121، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 40.